التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٠
-الحجرات

روح البيان في تفسير القرآن

{ إنما المؤمنون اخوة } جمع الاخ واصله المشارك لآخر فى الولادة من الطرفين او من احدهما او من الرضاع ويستعار فى كل مشارك لغيره فى القبيلة او فى الدين او فى صنعة او فى معاملة اوفى مودة او فى غير ذلك من المناسبات والفرق بين الخلة والاخوة ان الصداقة اذ قويت صارت اخوة فان ازدادت صارت خلة كما فى احياء العلوم وسئل الجنيد قدس سره عن الاخ فقال هو انت فى الحقيقة الا انه غيرك فى الشخص قال بعض اهل اللغة الاخوة جمع الاخ من النسب والاخوان جمع الاخ من الصداقة ويقع احدهما موقع الآخر وفى الحديث "وكونوا عباد الله اخوانا" والمعنى انما المؤمنون منتسبون الى اصل واحد هو الاب الموجب للحياة الفانية فالآية من قبيل التشبيه البليغ المبتنى على تشبيه الايمان بالاب فى كونه سبب الحياة كالاب { فأصلحوا بين اخويكم } الفاء للايذان بأن الاخوة الدينية موجبة للاصلاح ووضع المظهر مقام المضمر مضافاً الى المأمورين للمبالغة فى تأكيد وجوب الاصلاح والتحضيض عليه وتخصيص الاثنين بالذكر لاثبات وجوب الاصلاح فيما فوق ذلك بطريق الاولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه { واتقوا الله } فى كل ما تأتون وما تذرون من الامور التى من جملتها ما امرتم به من الاصلاح وفى التاويلات النجمية واتقوا الله فى اخوتكم فى الدين بحفظ عهودهم ورعاية حقوقهم فى المشهد والمغيب والحياة والممات { لعلكم ترحمون } راجين ان ترحموا على تقواكم كما ترحمون. واعلم ان اخوة الاسلام اقوى من اخوة النسب بحيث لا تعتبر اخوة النسب اذا خلت عن اخوة الاسلام الا ترى انه اذا مات المسلم وله اخ كافر يكون ماله للمسلمين لا لاخيه الكافر وكذا اذا مات اخ الكافر وذلك لان الجامع الفاسد لا يفيد الاخوة وان المعتبر الاصلى الشرعى الا يرى ان ولدى الزنى من رجل واحد لا يتوارثان وهذا المعنى يستفاد من الآية ايضا لان انما للحصر فكأنه قيل لا اخوة الا بين المؤمنين فلا اخوة بين المؤمن والكافر وكسب المرتد حال اسلامه لوارثه المسلم لاستناده الى ما قبل الردة فيكون توريث المسلم من المسلم واما كسبه حال ردته فهو فيئ يوضع فى بيت المال لانه وجد بعد الردة فلا يتصور اسناده الى ما قبلها وفى الحديث "كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى" . مراد باين نسب دين وتقواست نه نسب آب وكل والا ابو لهب رادر ان نصيب بودى، كما فى كشف الاسرار قال بعض الكبار القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة اقسام لانها اما قرابة فى الصورة فقط او فى المعنى فقط او فى الصورة والمعنى فاما القرابة فى الصورة فلا يخلو اما ان تكون بحسب طينته كالسادات الشرفاء او بحسب دينه وعلمه كالعلماء والصالحين والعباد وسائر المؤمنين وكل منهما نسبة صورية واما قرابته عليه السلام فى المعنى فهم الاولياء لان الولى هو ولده الروحى القائم بما تهيأ لقبوله من معناه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "سلمان منا اهل البيت" اشارة الى القرابة المعنوية واما القرابة فى الصورة والمعنى معا فهم الخلفاء والائمة القائمون مقامه سواء كان قبله كأكابر الانبياء الماضين او بعده كالاولياء الكاملين وهذه اعلى مراتب القرابة وتليها القرابة الروحية ثم القرابة الصورية الدينية ثم قرابة الطينية فان جمعت ما قبلها فهى الغاية وقال بعضهم ان الله خلق الارواح من عالم الملكوت والاشباح من عالم الملك ونفخ فيها تلك الارواح وجعل بينها النفوس الامارة التى ليست من قبيل الارواح ولا من قبيل الاشباح وجعلها مخالفة للارواح ومساكنها اى الاشباح فأرسل عليها جند العقول ليدفع بها شرها وهى العقول المجردة والاخروية والا فالعقول الغريزية والدينوية لا تقدر على الدفع بل هى معينة للنفس فاذا امتحن الله عباده المؤمنين هيج نفوسهم الامارة ليظهره حقائق درجاتهم من الايمان والاخوة وامرهم ان يعينوا العقل والروح والقلب على النفس حتى تنهزم لان المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا فهم كنفس واحدة لان صادرهم مصدر واحد وهو آدم عليه السلام ومصدر روح آدم نور الملكوت ومصدر جسمه تربة الجنة فى بعض الاقوال ولذلك يصعد الروح الى الملكوت الجسم الى الجنة كما قال عليه السلام "كل شئ يرجع الى اصله" وفى التأويلات النجمية اعلم ان اخوة النسب انما تثبت اذا كان منشأ النطف صلبا واحدا فكذلك اخوة الدين منشأ نطفها صلب النبوة وحقيقة نطفها نور الله فاصلاح ذات بينهم يرفع حجب استار البشرية عن وجوه القلب ليتصل النور بالنور من روزنة القلب ليصيروا كنفس واحدة كما قال عليه السلام "المؤمنون كنفس واحدة ان اشتكى عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" .

بنى آدم اعضاى يكديكرند كه در آفرينش زيك جوهرند
جوعضوى بدر دآورد روزكار دكر عضوها رانماند قرار

ومن حق الاخوة فى الدين ان تحب لاخيك ما تحب لنفسك ويسرك ما سره ويسوءك ما ساءه وان لا تحوجه الى الاستعانة بك وان استعان تعنه وتنصره ظالما او مظلوما فمنعك اياه عن الظلم فذلك نصرك اياه وفى الحديث "المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه من كان فى حاجة اخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" ومن حقه ان لا تقصر فى تفقد أحواله بحيث يشكل عليك موضع حاجته فيحتاج الى مسألتك وان لا تلجئه الى الاعتذار بل تبسط عذره فان اشكل عليك وجهه عدت باللائمة على نفسك فى خفاء عذره وتتوب عنه اذا اذنب وتعوده اذا مرض واذا اشار اليك بشئ فلا تطالبه بالدليل وايراد الحجة كما قالوا

لا يسألون اخاهم حين يندبهم فى النائبات على ما قال برهانا
اذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهمو لأية حرب ام باى مكان

والاستنجاد يارى خواستن، قيل لفيلسوف ما الصديق فقال اسم بلا مسمى وقال فضيل لسفيان دلنى على من اركن اليه فقال ضالة لا توجد وقال ابو اسحق الشيرازى

سألت الناس عن خل وفى فقالوا ما الى هذا سبيل
تمسك ان ظفرت بود حر فان الحر فى الدنيا قليل

قيل ابعد الناس سفراً من كان سفره فى طلب اخ صالح قال اعرابى اللهم احفظنى من الصديق فقيل له فى ذلك قال الحذر منه اكثر من الحذر من العدو قال على رضى الله عنه اخوان هذا الزمان جواسيس العيوب وقد احسن من قال الاخ الصالح خير لك من نفسك لان النفس امارة بالسوء والاخ لا يأمرك الا بخير وقيل الدنيا بأسرها لا تسع متباغضين وشبر بشبر يسع المتحابين كما قال الحكماء دمددرويش در كليمى بخسبند ودو بادشامدر اقليمى نكنجند. واعلم ان المواخاة امر مسنون من لدن النبى عليه السلام فانه آخى بين المهاجرين والانصار