التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ
١٢
-الحجرات

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن } اى كونوا على جانب منه وابعدوا عنه فان الاجتناب بالفارسية بايك سوشدن. والظن اسم لما يحصل من امارة ومتى قويت ادت الى العلم ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد التوهم وابهام الكثير لايجاب الاحتياط والتأمل فى كل ظن ظن حتى يعلم انه من اى قبيل وتوضيح المقام ان كثيرا لما بين بقوله من الظن كان عبارة عن الظن فكان المأمور باجتنابه بعض الظن الا انه علق الاجتناب بقوله كثيرا لبيان انه كثير فى نفسه ولا بد لنا من الفرق بين تعريف الظن الكثير وتنكيره فلو عرف وقيل اجتنبوا الظن الكثير يكون التعريف للاشارة الى ما يعرفه المخاطب بأنه ظن كثير غير قليل ولو نكر يكون تنكيره للافراد والبعضية ويكون المأمور باجتنابه بعض افراد الظن الموصوف بالكثرة من غير تعيينه اى بعض هو وفى التكليف على هذا الوجه فائدة جليلة وهى ان يحتاط المكلف ولا يجترئ على ظن ما حتى يتبين عنده انه مما يصح اتباعه ولا يجب الاجتناب عنه ولو عرف لكان المعنى اجتنبوا حقيقة الظن الموصوف بالكثرة او جميع افراده لا ما قل منه وتحريم الظن المعرف تعريف الجنس والاستغراق لا يؤدى الى احتياط المكلف لكون المحرم معينا فيجتنب عنه ولا يجتنب عن غيره وهو الظن القليل سوآء كان ظن سوء وظن صدق ومن المعلوم ان هذا المعنى غير مراد بخلاف ما لو نكر الظن الموصوف بالكثرة فان المحرم حينئذ اتباع الفرد المبهم من افراد تلك الحقيقة وتحريمه يؤدى الى احتياط المكلف الى ان يتبين عنده ان ما يخطر بباله من الظن من اى نوع من انواع الظن فان من الظن ما يجب اتباعه كحسن الظن بالله تعالى وفى الحديث "ان حسن الظن من الايمان" والظن فيما لا قاطع فيه من العمليات كالوتر فانه لما ثبت بخبر الواحد لم يكن مقطوعا به فقلنا بالوجوب فلا يكفر جاحده بل يكون ضالا ومبتدعا لرده خبر الواحد ويقتص لكونه فرضا عمليا وفى الاشباه ويكفر بانكار اصل الوتر والاضحية انتهى.
ومن الظن ما يحرم كالظن فى الالهيات اى بوجود الاله وذاته وصفاته وما يليق به من الكمال وفى النبوات فمن قال آمنت بجميع الانبياء ولا اعلم ءآدم نبى ام لا يكفر وكذا من آمن بأن نبينا عليه السلام رسول ولم يؤمن بأنه خاتم الرسل لا نسخ لدينه الى يوم القيامة لا يكون مؤمنا وكالظن حيث يخالفه قاطع مثل الظن بنبوة الحسنين او غيرهما من خلفاء هذه الامة واوليائها مع وجود قوله تعالى
{ وخاتم النبيين } وقوله عليه السلام "لا نبى بعدى" اى لا مشرعا ولا متابعا فان مثل هذا الظن حرام ولو قطع كان كفرا وكظن السوء بالمؤمنين خصوصا بالرسول عليه السلام وبورثته الكمل وهم العلماء بالله تعالى قال تعالى { وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بورا } وقال عليه السلام "ان الله حرم من المسلم عرضه ودمه وان يظن به ظن السوء" والمراد بعرضه جانبه الذى يصونه من نفسه وحسبه ويتحامى ان ينتقص (قال الصائب)

بدكمانى لازم بد باطنان افتاده است كوشه از خلق جا كردم كمين بند اشتند

ومن الظن ما يباح كالظن فى الامور المعاشية يعنى ظن درامور دنيا ومهمات معاش ودرين صورت بدكمانى موجب سلامت وانتظام مهام است واز قبيل حزم شمرده اند كما قيل

بد نفس مباش وبد كمان باش وزفتنه ومكردر امان باش

وفى كشف الاسرار المباح كالظن فى الصلاة والصوم والقبلة امر صاحبه بالتحرى فيها والبناء على غلبة الظن وفى تفسير الكاشفى تحردرى امر قبله وبنا نهادن برغلبة ظن در امور اجتهاديه مندو بست. ومعنى التحرى لغة الطلب وشرعا طلب شئ من العبادات بغالب الرأى عند تعذر الوقوف على حقيقته { ان بعض الظن اثم } يستحق العقاب عليه وذلك البعض كثير وهو تعليل للامر بالاجتناب بطريق الاستئناف التحقيقى والاثم الذنب يستحق العقوبة عليه وهمزته منقلبة من الواو كأنه يثم الاعمال اى يكثرها فان قلت أليس هذا ميلا الى مذهب الاعتزال قلت بلى لولا التشبيه اى فى كأنه قاله سعدى المفتى وقال ايضا تبع المصنف فى ذلك الزمخشرى واعترض عليه بأن تصريف هذه الكلمة لا تنفك عنه الهمزة بخلاف الواوى وانها من باب علم والواوى من باب ضرب قلت والزمخشرى نفسه ذكرها فى الاساس فى باب الهمزة انتهى ودلت الآية على ان اكثر الظنون من قبيل الاثم لان الشيطان يلقى الظنون فى النفس فتظن النفس الظن الفاسد وعلى ان بعض الظن ليس بأثم بل هو حقيقته وهو ما لم يكن من قبيل النفس بل كان بالفراسة الصحيحة بان يرى القلب بنور اليقين ما جرى فى الغيب وفى الحديث "ان فى كل امة محدثين او مروعين على الشك من الراوى فان يكن فى هذه الامة فان عمر منهم" والمحدث المصيب فى رأيه كأنما حدث بالامر والمروع الذى يلقى الامر فى روعه اى قلبه وفى فتح الرحمن ولا يقدم على الظن الا بعد النظر فى حال الشخص فان كان موسوما بالصلاح فلا يظن به السوء بأدنى توهم بل يحتاط فى ذلك ولا تظنن السوء الا بعد أن لا تجد الى الخير سبيلا (قال الصائب)

سيلاب صاف شدزهم آغوشئ محيط باسينه كشاده كدورت جه ميكند

واما الفساق فلنا ان نظن بهم مثل الذى ظهر منهم وفى منهاج العابدين للامام الغزالى قدس سره اذا كان ظاهر الانسان الصلاح والستر فلا حرج عليك فى قبول صلاته وصدقته ولا يلزمك البحث بأن تقول قد فسد الزمان فان هذا سوء ظن بذلك الرجل المسلم بل حسن الظن بالمؤمنين مأمور به انتهى وفى الحديث "من أتاه رزق من غير مسألة فرده فانما يرده على الله" قال الحسن لا يرد جوآئز الامرآء الامرآئى او أحمق وكان بعض السلف يستقرض لجميع حوآئجه ويأخذ الجوائز ويقضى بها دينه والحيلة فيه أن يشترى بمال مطلق ثم ينقد ثمنه من اى مال شاء وعن الامام الاعظم ان المبتلى بطعام السلطان والظلمة يتحرى ان وقع فى قلبه حله قبل واكل والا لا لقوله عليه السلام استفت قلبك قال الشيخ ابو العباس قدس سره من كان من فقرآء هذا الزمان اكالا لاموال الظلمة مؤثرا للسماع ففيه نزغة يهودية قال تعالى { { سماعون للكذب اكالون للسحت } قال سفيان الثورى رضى الله عنه الظن ظنان احدهما اثم وهو أن تظن وتتكلم به والآخر ليس بأثم وهو ان تظن ولا تتكلم به والمراد بأن بعض الظن اثم ما اعلنته وتكلمت به من الظن وعن الحسن كنا فى زمان الظن بالناس حرام فيه وأنت اليوم فى زمان اعمل واسكت وظن بالناس ما شئت اى لانهم اهل لذلك والمظنون موجود فيهم وعنه ايضا ان صحبة الاشرار تورث حسن الظن بالاخيار وطلب المتوكل اجارية الدقاق بالمدينة وكان من اقران الجنيد ومن اكابر مصر فكاد يزول عقله لفرط حبها فقالت لمولاها احسن الظن بالله وبى فانى كفيلة لك بما تحب فحملت اليه فقال لها المتوكل اقرئى فقرأت ان هذا اخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة ففهم المتوكل ما ارادت فردها (وروى) عن انس رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم احدى نسائه فمر به رجل فدعاه رسول الله فقال "يا فلان هذه زوجتى صفية" وكانت قد زارته فى العشر الاول من رمضان فقال يا رسول الله ان كنت اظن بغيرك فانى لم اكن أظن بك فقال عليه السلام "ان الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم" كما فى الاحياء وفيه اشارة الى الحذر من مواضع التهم صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن ولألسنتهم من الغيبة والى الاتقاء عن تزكية النفس فان النفس والشيطان لهما شأن عجيب فى باب المكر والاغوآء والقاء الفتنة والفساد نسأل الله المنان أن يجعلنا فى أمان { ولا تجسسوا } اصله لا تتجسسوا حذف منه احدى التاءين اى ولا تبحثوا عن عورات المسلمين وعيوبهم تفعل من الجس لما فيه من معنى الطلب فان جس الخبر طلبه والتفحص عنه فاذا نقل الى باب التفعل يحدث معنى التكلف منضما الى ما فيه من معنى الطلب يقال جسست الاخبار اى تفحصت عنها واذا قيل تجسستها يراد معنى التكليف كالتلمس فانه تفعل من اللمس وهو المس باليد لتعرف حال الشئ فاذا قيل تلمس يحدث معنى التكلف والطلب مرة بعد اخرى وقد جاء بمعنى الطلب فى قوله { وانا لمسنا السماء } وقرئ بالحاء من الحس الذى هو أثر الجس وغايته ولتقاربهما يقال للمشاعر الحواس بالحاء والجيم وفى المفردات اصل الجس مس العرق وتعرف نبضه للحكم به على الصحة والسقم ومن لفظ الجس اشتق الجاسوس وهو اخص من الحس لانه تعرف ما يدرك الحس والجس تعرف حال ما من ذلك وفى الاحياء التجسس بالجيم فى تطلع الاخبار وبالحاء المهملة فى المراقبة بالعين وفى انسان العيون التحسس للاخبار بالحاء المهملة ان يفحص الشخص عن الاخبار بنفسه وبالجيم أن يفحص عنها بغيره وجاء تحسسوا ولا تجسسوا انتهى وفى تاج المصادر التجسس والتحسس خبر جستن. وفى القاموس الجس تفحص الاخبار كالتجسس ومنه الجاسوس والجسيس لصاحب سر الشر ولا تجسسوا اى خذوا ما ظاهر ودعوا ما ستر الله تعالى اولا تفحصوا عن بواطن الامور او لا تبحثوا عن العورات والحاسوس الجاسوس او هو فى الخير وبالجيم فى الشر انتهى وفى الحديث "لا تتبعوا عورات المسلمين فان من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو فى جوف بيته" (قال الصائب)

خيانتهاى بنهان ميكشد آأخر برسوايى كه دزد خانكى راشحنه در يازار ميكيرد

وعن جبرآئيل قال يا محمد لو كانت عبادتنا على وجه الارض لعملنا ثلاث خصال سقى الماء للمسلمين واعانة اصحاب العيال وستر الذنوب على المسلمين وعن زيد بن وهب قلنا لابن مسعود رضى الله عنه هل لك فى الوليد بن عقبة بن ابى معيط يعنى جه ميكوبى درحق او. تقطر لحيته خمرا فقال ابن مسعود رضى الله عنه انا قد نهينا عن التجسس فان يظهر لنا شئ نأخذه به وفى الحديث "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" والعورات بالتسكين جمع عورة وهى عورة الانسان وما يستحى منه من العثرات والعيوب وفى الحديث "اللهم لا تؤمنا مكرك ولا تنسنا ذكرك ولا تهتك عنا سترك ولا تجعلنا من الغافلين" وعنه عليه السلام "من قال عند منامه هذا الدعاء بعث الله اليه ملكا فى احب الساعات اليه فيوقظه" كما فى المقاصد الحسنة قال فى نصاب الاحتساب ويجوز للمحتسب أن يتفحص عن احوال السوقية من غير أن يخبره احد بخيانتهم فان قيل ينبغى ان لا يجوز لانه تجسس منهى فنقول التجسس طلب الخير للشر والاذى وطلب الخير للامر بالمعروف والنهى عن المنكر ليس كذلك فلا يدخل تحت النهى.
يقول الفقير وهو مخالف لما سبق عن ابن مسعود رضى الله عنه فان قلت ذلك لكونه غير آمر ومأمور قلت دل قوله تأخذوه به على ولايته من اى وجه كان اذ لا يأخذه الا الوالى او وكيله ويجوز أن يقال لو طلب ابن مسعود خبر الوليد بنفسه للنهى عن المنكر لكان له وجه فلما جاء خبره فى صورة السعاية والهتك اعرض عنه او رأى الستر فى حق الوليد اولى فلم يستمع الى القائل وكان عمر رضى الله عنه يعس ذات ليلة فنظر الى مصباح من خلل باب فاطلع فاذا قوم على شراب لهم فلم يدر كيف يصنع فدخل المسجد فأخرج عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنه فجاء به الى الباب فنظر وقال له كيف ترى أن نعمل فقال ارى والله انا قد أتينا ما نهانا الله عنه لانا تجسسنا واطلعنا على عورة قوم ستروا دوننا وما كان لنا أن نكشف ستر الله فقال ما أراك الا قد صدقت فانصرفا فالمحتسب لا يتجسس ولا يتسور ولا يدخل بيتا بلا اذن فان قيل ذكر فى باب من يظهر البدع فى البيوت انه يجوز للمحتسب الدخول بلا اذن فنقول ذلك فيما ظهر واما اذا خفى فلا يدخل فان ما ستره الله لا بد وأن يستره العبد هذا فى عيوب الغير واما عيوب النفس فالفحص عنها لازم للاصلاح والتزكية وقد عدوا انكشاف عيوب النفس اولى من الكرامات وخوارق العادات فانه ما دام لم تحصل التزكية للنفس لا تفيد الكرامة شيئا بل ربما يوقعها فى الكبر والعجب والتطاول فنعوذ بالله تعالى من شرورها وفجورها وغرورها { ولا يغتب بعضكم بعضا } الاغتياب غيبت كردن. والغيبة بالكسر اسم من الاغتياب وفتح الغين غلط اذ هو بفتحها مصدر بمعنى الغيبوبة والمعنى ولا يذكر بعضكم بعضا بالسوء فى غيبته وخلفه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال
"أن تذكر أخاك بما يكره فان كان فيه فقد اغتبته وان لم يكن فيه فقد بهته" اى قلت عليه ما لم يفعله والحاصل ان الغيبة والاغتياب هو أن يتكلم انسان خلف انسان مستور مما فيه من عيب اى بكلام صادق من غير ضرورة قوية الى ذكره ولو سمعه لغمه وان كان ذلك الكلام كذبا يسما بهتانا وهو الذى يتر الديار بلاقع اى خرابا { ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا } انتصاب ميتا على الحالية من اللحم واللحم المنفصل عن الحى يوصف بانه ميت لقوله عليه السلام "ما ابين من حى فهو ميت" وقيل من الاخ على مذهب من يجوز الحال من المضاف اليه مطلقا وشدده نافع اى قرأ ميتا بالتشديد والكلام تمثيل وتصوير لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على افحش وجه واشنعه طبعا وعقلا وشرعا يعنى شبه الاغتياب من حيث اشتماله على تناول عرض المغتاب باكل لحم الانسان ميتا تشبيها تمثيليا وعبر بالهيئة المشبه بها عن الهيئة المشبهة ولا شك ان الهيئة المشبه بها افحش جنس التناول واقبحه فيكون التمثيل المذكور تصويرا للاغتياب بأقبح الصور وذلك ان الانسان يتألم قلبه من قرض عرضه كما يتألم جسمه من قطع لحمه بل عرضه اشرف من لحمه ودمه فاذا لم يحسن للعاقل اكل لحوم الناس لم يحسن له قرض عرضهم بالطريق الاولى خصوصا ان اكل الميتة هو المتناهى فى كراهة النفوس ونفور الطباع ففيه اشارة الى ان الغيبة عظيمة عند الله وفى قوله ميتا اشارة الى دفع وهم وهو أن يقال الشتم فى الوجه يؤلم فيحرم واما الاغتياب فلا اطلاع عليه للمغتاب فلا يؤلمه فكيف يحرم فدفعه بأن اكل لحم الاخ وهو ميت ايضا لا يؤلمه ومع هذا هو فى غاية القبح لكونه بمراحل عن رعاية حق الاخوة كذا فى حواشى ابن الشيخ.
يقول الفقير يمكن أن يقال ان الاغتياب وان لم يكن مؤلما للمغتاب من حيث عدم اطلاعه عليه لكنه فى حكم الايلام اذا لو سمعه لغمه على انا نقول ان الميت متألم وان لم يكن فيه روح كما ان السن وهو الضرس متألم اذا كان وجعا وان لم يكن فيه حياة فاعرف { فكرهتموه } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من التمثيل كأنه قيل وحيث كان الامر كما ذكر فقد كرهتموه فأضمر كلمة قد لتصحيح دخول الفاء فى الجزآء فالمقصود من تحقيق استكراههم وتقذرهم من المشبه به الترغيب والحث على استكراه ما شبه به وهو الغيبة كأنه قيل اذا تحققت كراهتكم له فليتحقق عندكم كراهة نظيره الذى هو الاغتياب { واتقوا الله } بترك ما امرتم باجتنابه والندم على ما صدر عنكم من قبل وهو عطف على ما تقدم من الاوامر والنواهى { ان الله تواب رحيم } مبالغ فى قبول التوبة وافاضة الرحمة حيث يجعل التائب كمن لم يذنب ولا يخص ذلك بتائب دون تائب بل يعم الجميع وان كثرت ذنوبهم فصيغة المبالغة باعتبار المتعلقات (روى) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا غزا اوسا فرضم الرجل المحتاج الى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدم لهما الى المنزل فيهيئ لهما طعامهما وشرابهما فضم سلمان الفارسى الى رجلين فى بعض اسفاره فتقدم سلمان الى المنزل فغلبته عيناه فلم يهيئ لهما شيأ فلما قدما قالا له ما صنعت شيأ فقال لا غلبتنى عيناى قالا له انطلق الى رسول الله فاطلب لنا منه طعاما فجاء سلمان الى رسول الله وسأله طعاما فقال عليه السلام
"انطلق الى اسامة بن زيد وقل له ان كان عنده فضل من طعام فليعطك" وكان اسامة خازن رسول الله على رحله وطعامه فأتاه فقال ما عندى شئ فرجع سلمان اليهما فاخبرهما فقالا كان عند اسامة شئ ولكن بخل به فبعثا سلمان الى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا فلما رجع قالوا لو بعثناه الى بئر سميحة لغار ماؤها وسميحة كجهينة بالحاء المهملة بئر بالمدينة غزيرة الماء على ما فى القاموس ثم انطلقا يتجسسان هل عند اسامة ما أمر لهما به رسول الله من الطعام فلما جاآ الى رسول الله قال لهما "مالى أرى خضرة اللحم فى افواهكما" والعرب تسمى الاسود أخضر والاخضر أسود وخضرة اللحم من قبيل الاول كأنه عليه السلام أراد باللحم لحم الميت وقد اسود بطول المكث تصويرا لاغتيابهما باقبح الصور ويحتمل انه عليه السلام أراد بالخضرة النضارة اى نضارة اللحم او نضارة تناوله وفى الحديث "الدنيا حلوة خضرة نضرة" اى غضة طرية ناعمة قالا والله يا رسول ما تناولنا يومنا هذا لحما قال عليه السلام "ظللتما تأكلان لحم اسامة وسلمان" اى انكما قد اغتبتماهما فانزل الله الآية

آنكس كه لواء غيبت افراخته است از كوشت مردكان غدا ساخته است
وانكس كه بعيب خلق برداخته است زانست كه عيب خويش نشناخته است

وفى الحديث "الغيبة اشد من الزنى" قالوا وكيف قال "ان الرجل يزنى ثم يتوب فيتوب الله عليه وان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه" كما فى كشف الاسرار وعن ابن عباس رضى الله عنهما الغيبة ادام كلاب الناس وكان ابو الطيب الطاهرى يهجو بنى سامان فقال له نضر بن احمد الى متى تأكل خبزك بلحوم الناس فخجل ولم يعد (قال الصائب)

كسى كه باك نسازد دهن زغيبت خلق همان كليد در دوزخست مسواكش

(قال الشيخ سعدى) فى كتاب الكلستان ياد دارم كه وعهد طفوليت متعبد بودم وشب خيز ومولع زهد وبرهيز تاشبى درخدمت بدر نشسته بودم وهمه شب ديده بهم نيسته ومصحف عزيز دركنار كرفته وطائفة كردما خفته بدر را كفتم كه ازاينان بكى سر برنمى آردكه دوركعت نماز بكزارد ودر خواب غفلت جنان رفته اندكه كويى نخفته اند بلكه مرده كفت اى جان بدر اكر تونيز بحفتى به كه دربوستين خلق افتى

نبيند مدعى جز خويشتن را كه دارد بردهُ بندار دربيش
اكر جشم دلت را بركشايى نه ببنى هيج كس عاجز تراز خويش

وعن انس رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما عرج بى مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال هم الذين ياكلون لحوم الناس ويقعون فى اعراضهم" وفى الحديث "خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة" رواه انس واول من اغتاب ابليس اغتاب آدم وكان ابن سيرينرحمه الله قد جعل على نفسه اذا اغتاب أن يتصدق بدينار ومما يجب التنبيه له ان مستمع الغيبة كقائلها فوجب على من سمعها أن يردها كيف وقد قال النبى عليه السلام "من رد عن عرض اخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" وقال عليه السلام "المغتاب والمستمع شريكان فى الاثم" وعن ميمون انه أتى بجيفة زنجى فى النوم فقيل له كل منها فقال لم قيل لانك اغتبت عبد فلان فقال ما قلت فيه شيئا قيل لكنك استمعت ورضيت فكان ميمون لا يغتاب احدا ولا يدع احدا أن يغتاب عنده احدا وعن بعض المتكلمين ذكره بما يستخف به انما يكون غيبة اذا قصد الاضرار والشماتة به اما اذا ذكره تأسفا لا يكون غيبة وقال بعضهم رجل ذكر مساوى اخيه المسلم على وجه الاهتمام ومثله فى الواقعات وعلل بأنه انما يكون غيبة أن لو أراد به السب والنقص قال السمرقندى فى تفسيره قلت فيما قالوه خطر عظيم لانه مظنة أن يجر الى ما هو محض غيبة فلا يؤمن فتركها رأسا اقرب الى التقوى واحوط انتهى.
وفى هدية المهديين رجل لو اغتاب فريقا لا يأثم حتى يغتاب قوما معروفين ورجل يصلى ويؤذى الناس باليد او اللسان لا غيبة له ان ذكر بما فيه وان أعلم به السلطان حتى يزجره لا يأثم انتهى وفى المقاصد الحسنة ثلاثة ليست لهم غيبة الامام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذى يدعو الناس الى بدعته انتهى.
وعن الحسن لا حرمة لفاجر (وروى) من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له واذكر الفاجر بما فيه ليحذره الناس كما فى الكواشى واذا جاز نقص عرض الفاسق بغيبته فأولى أن يجوز نقص عرض الكافر كما فى شرح المشارق لابن الملك وسلك بعضهم طريق الاحتياط فطرح عن لسانه ذكر الخلق بالمساوى مطلقا كما حكى انه قيل لابن سيرين مالك لا تقول فى الحجاج شيأ فقال اقول فيه حتى ينجيه الله بتوحيده ويعذبنى باغتيابه ومن هنا أمسك بعضهم عن لعن يزيد وكان فضيل يقول ما لعنت ابليس قط اى وان كان ملعونا فى نفس الامر كما نطق به القرءآن فكيف يلعن من اشتبه حاله وحال خاتمته وعاقبته