التفاسير

< >
عرض

قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
-الحجرات

روح البيان في تفسير القرآن

{ قالت الأعراب آمنا } الاعراب اهل البادية وقد سبق تفصيله فى سورة الفتح والحاق التام بالفعل المسند اليهم مع خلوه عنها فى قوله { وقال نسوة فى المدينة } للدلالة على نفصان عقلهم بخلافهن حيث لمن امرأة العزيز فى مراودتها فتاها وذلك يليق بالعقلاء نزلت فى نفر من بنى اسد قدموا المدينة فى سنة جدب فأظهروا الشهادتين فكانوا يقولون لرسول الله عليه السلام اتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها واتيناك بالاثقال والعيال والذرارى ولم نقاتلك كما قتلك بنوا فلان يرون الصدق ويمنون عليه عليه السلام ما فعلوا { قل } ردا لهم { لم تؤمنوا } اذ الايمان هو التصديق بالله وبرسوله المقارن للثقة بحقيقة المصدق وطمأنينة القلب ولم يحصل لكم ذلك والا لما مننتم على ما ذكرتم من الاسلام وترك المقاتلة كما ينبئ عنه آخر السورة يعنى ان التصديق الموصوف مسبوق بالعلم بقبح الكفر وشناعة المقاتلة وذلك يأبى المن وترك المقاتلة فان العاقل لا يمن بترك ما يعلم قبحه { ولكن قولوا أسلمنا } اسلم بمعنى دخل فى السلم كأصبح وامسى وأشتى اى قولوا دخلنا فى السلم والصلح والانقياد مخافة أنفسنا فان الاسلام انقياد ودخول فى السلم واظهار الشهادة وترك المحاربة مشعر به اى بالانقياد والدخول المذكور وايثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا او لم تؤمنوا ولكن اسلمتم ليتقابل جملتا الاستدراك للاحتراز عن النهى عن التلفظ بالايمان فأن ظاهره مستقبح سيما ممن بعث للدعوة الى القول به وللتفادى عن اخراج قولهم مخرج التسليم والاعتداد به مع كونه تقولا محضا قال سعدى المفتى والظاهر ان النظم من الاحتباك حذف من الاول ما يقابل الثانى ومن الثانى ما يقابل الاول والاصل قل لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا ولكن أسلمتم فقولوا أسلمنا وهذا من اختصارات القرءآن { ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } حال من ضمير قولوا اى ولكن قولوا أسلمنا حل عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم وما فى لما من معنى التوقع مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد { ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } حال من ضمير قولوا اى ولكن قولوا أسلمنا حال عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم وما فى لما من معنى التوقع مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد { وأن تطيعوا الله ورسوله } بالاخلاص وترك النفاق { لا يلتكم من اعمالكم شيئا } اى لا ينقصكم شيأ من اجورها من لات يليت ليتا اذا نقص قال الامام معنى قوله لا يلتكم انكم ان اتيتم بما يليق بضعفكم من الحسنة المقرونة بالاخلاص وترك النفاق فهو تعالى يأتكم بما يليق بفضله من الجزآء لا ينقص منه نظرا الى ما فى حسناتكم من النقصان والتقصير وهذا لان من حمل الى ملك فاكهة طيبة يكون ثمنها فى السوق درهما مثلا وأعطاه الملك درهما او دينارا انتسب الملك الى قلة العطاء بل الى البخل فليس معنى الآية أن يعطى من الجزآء مثل عملكم من غير نقص بل المعنى يعطى ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص ويؤيد ما قاله قوله تعالى { ان الله غفور } لما فرط من المطيعين { رحيم } بالتفضل عليهم قال فى بحر العلوم فى الآية ايذان بأن حقيقة الايمان التصديق بالقلب وان الاقرار باللسان واظهار شرآئعه بالايذان ليس بأيمان وفى التأويلات النجمية يشير الى ان حقيقة الايمان ليست مما يتناول باللسان بل هو نور يدخل القلوب اذا شرح الله صدر العبد للاسلام كما قال تعالى { فهو على نور من ربه } وقال عليه السلام فى صفة ذلك النور "اذا وقع فى القلب انفسح له واتسع قيل يا رسول الله هل لذلك النور علامة يعرف بها قال بلى التجا فى عن دار الغرور والا نابة الى دار الخلود واستعداد الموت قبل نزوله ولهذا قال تعالى { ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } فهذا دليل على ان محل الايمان القلب" انتهى وفى علم الكلام ذهب جمهور المحققين الى ان الايمان التصديق القلب وانما الاقرار شرط لا جزؤه لاجرآء الاحكام فى الدنيا كالصلاة عليه فى وقت موته لما ان تصديق القلب امر باطن لا يطلع عليه احد لا بد له من علامة فمن صدق بقلبه ولم يقر بلسانه فهو مؤمن عند الله لوجود التصديق القلبى وان لم يكن مؤمنا فى احكام الدنيا لانتفاء شرطه واما من جعل الاقرار ركنا من الايمان فعنده لا يكون تارك الاقرار مؤمنا عند الله ولا يستحق النجاة من خلود النار ومن اقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق هو مؤمن فى احكام الدنيا وان لم يكن مؤمنا عند الله وهذا المذكور من ان الايمان هو التصديق القلبى والاقرار باللسان لاجرآء الاحكام هو اختيار الشيخ ابى منصوررحمه الله والنصوص معاضدة لذلك قال الله تعالى { اولئك كتب فى قلوبهم الايمان } وقال الله تعالى { وقلبه مطمئن بالايمان } وقال الله تعالى { ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } "وقال عليه السلام اللهم ثبت قلبى على دينك" اى على تصديقك "وقال عليه السلام لعلى رضى الله عنه حين قتل من قال لا اله الا الله هل شققت قلبه" وفى فتح الرحمن حقيقة الايمان لغة التصديق بما غاب وشرعا عند ابى حنيفةرحمه الله تصديق بالقلب وعمل باللسان وعند الثلاثة عقد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالاركان فدخل كل الطاعات انتهى قال ابن الملك فى شرح المشارق ثم الاقرار باللسان ليس جزأ من الايمان ولا شرطاله عند بعض علمائنا بل هو شرط لاجرآء احكام المسلمين على المصدق لان الايمان عمل القلب وهو لا يحتاج الى الاقرار وقال بعضهم انه جزء منه لدلالة ظواهر النصوص عليه الا ان الاقرار لما كان جزأ له شائبة العرضية والتبعية اعتبروا فى حالة الاختيار جهة الجزئية حتى لا يكون تاركه مع تمكنه منه مؤمنا عند الله وان فرض انه مصدق وفى حالة الاختيار جهة الجزئية حتى لا يكون تاركه مع تمكنه منه مؤمنا عند الله وان فرض انه مصدق وفى حالة الاضطرار جهة العرضية فيسقط وهذا معنى قولهم الاقرار ركن زآئد اذ لا معنى لزيادته الا ان يحتملى السقوط عند الاكراه على كلمة الكفر فان قيل ما الحكمة فى جعل عمل جارحة جزأ من الايمان ولم عين به عمل اللسان دون اعمال سائر الاركان قلنا لما اتصف الانسان بالايمان وكان التصديق عملا لباطنه جعل عمل ظاهره داخلا فيه تحقيقا لكمال اتصافه به وتعين له فعل اللسان لانه مجبول للبيان او لكونه اخف وابين من عمل سائر الجسد نعم يحكم باسلام كافر لصلاته بجماعة وان لم يشاهد قراره لان الصلاة المسنونة لا تخلو عنه وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام المقدسى النطق بكلمتى الشهادة واجب فمن علم وجوبهما وتمكن من النطق بهما فلم ينطق فيحتمل ان يجعل امتناعه من النطق بهما كامتناعه من الصلاة فيكون مؤمنا غير مخلد فى النار لان الايمان هو التصديق المحض بالقلب واللسان ترجمانه وهذا هو الاظهر اذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يخرج من النا رمن كان فى قلبه مثقال ذرة من الايمان" ولا يعدم الايمان من القلب بالسكوت عن النطق الواجب كما لا يعدم بترك الفعل الواجب انتهى.
وقال سهل رضى الله عنه ليس فى الايمان اسباب انما الاسباب فى الاسلام والمسلم محبوب للخلق والمؤمن غنى عن الخلق وقال بعض الكبار المسلم فى عموم الشريعة من سلم الناس من لسانه ويده وفى خصوصها من سلم كل شئ من لسانه بما يعبر عنه ويده فيما له فيه نفوذ الاقتدار والمؤمن منور الباطن وان عصى والكافر مظلم الباطن وان أتى بمكارم الاخلاق ومن قال انا مؤمن ان شاء الله فما عرف الله كما ينبغى وقال بعض الكبار كل من آمن عن دليل فلا وثوق بايمانه لانه نظرى لا ضرورى فهو معرض للشبه الفادحة فيه بخلاف الايمان الضرورى الذى يجده المؤمن فى قلبه ولا يقدر على دفعه وكذا القول فى كل علم حصل عن نظر وفكر فانه مدخول لا يسلم من دخول الشبه عليه ولا من الحيرة فيه ولا من القدح فى الامر الموصل اليه ولا بد لكل محجوب من التقليد فمن اراد العلم الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فليكثر من الطاعات والنوافل حتى يحبه الحق فيعرف الله بالله ويعرف جميع احكام الشريعة بالله لا بعقله ومن لم يكثر مما ذكر فليقلد ربه فيما اخبر ولا يؤول فانه اولى من تقليد العقل