التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
٦
-الحجرات

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق } اى فاسق كان { بنبأ } اى نبأ كان والنبأ الخبر. يعنى خبرى بياردكه موحش بود وموجب تألم خاطر. فالتنكير للتعميم وفيه ايذان بالاحتراز عن كل فاسق وانما قال ان جاءكم بحرف الشك دون اذا ليدل على ان المؤمنين ينبغى ان يكونوا على هذه الصفة لئلا يطمع فاسق فى مكالمتهم بكذب ما وقال ابن الشيخ اخراج الكلام بلفظ الشرط المحتمل الوقوع لندرة مثله فيما بين اصحابه عليه السلام { فتبينوا } اى ان جاءكم فاسق بخبر يعظم وقعه فى القلوب فتعرفوا وتفحصوا حتى يتبين لكم ما جاء به أصدق هو ام كذب ولا تعتمدوا على قوله المجرد لان من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذى هو نوع منه روى ان الوليد بن عقبة بن ابى معيط اخا عثمان لامه وهو الذى ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن ابى وقاص فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا ثم قال هل اريدكم فعزله عثمان عنهم بعثه عليه السلام مصدقا الى بنى المصطلق اى آخذا وقابضا لصدقاتهم وزكاتهم وكان بينه وبينهم احنة اى حقد وبغض كامن فى الجاهلية بسبب دم فلما سمعوا بقدومه استقبلوه ركبانا فحسب انهم مقاتلوه فرجع هاربا وقال لرسول الله عليه السلام قد ارتدوا ومنعوا الزكاة وهموا بقتلى فهم عليه السلام بقتالهم فنزلت وقيل بعث اليهم خالد بن الوليد بعد رجوع الوليد بن عقبة عنهم فى عسكر وقال له "اخف عنهم قدومك اليهم بالعسكر وادخل عليهم ليلا متجسساً هل ترى شعائر الاسلام وآدابه فلو رأيت منهم ذلك فخذ منهم زكاة اموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يفعل بالكفار" ففعل ذلك خالد وجاءهم وقت المغرب فسمع منهم اذان صلاتى المغرب والعشاء ووجدهم مجتهدين باذلين وسعهم ومجهودهم فى امتثال امر الله فأخذ منهم صدقاتهم وانصرف الى رسول الله واخبره الخبر فنزلت { أن تصيبوا } حذار أن تصيبوا { قوما بجهالة } حل من ضمير تصيبوا اى متلبسين بجهالة بحملهم وكنه قصتهم { فتصبحوا } اى فتصيروا بعد ظهور برآءتهم مما اسند اليهم { على ما فعلتم } فى حقهم { نادمين } مغتمين غما لازما متمنين انه لم يقع فان تركيب هذه الاحرف الثلاثة يدور مع الدوام مثل ادمن الامر اذا ادامه ومدن المكان اذا اقام به ومنه المدينة يعنى ان الندم غم يصحب الانسان صحبة لها دوام على ما وقع مع يمنى انه لم يقع ولزومه قد يكون لقوته من اول الامر وقد يكون لعدم غيبة موجبه وسببه عن الخاطر وقد يكون لكثرة تذكره ولغير ذلك من الاسباب وفى الآية دلالة على ان الجاهل لا بد ان يصير نادما على ما فعله بعد زمان وفى ترتيب الامر بالتبين على فسق المخبر اشارة الى قبول خبر الواحد العدل فى بعض المواد ورد عليه السلام شهادة رجل فى كذبة واحدة وقال "ان شاهد الزور مع العشار فى النار" وقال عليه السلام "من شهد شهادة زور فعليه لعنة الله ومن حكم بين اثنين فلم يعدل ببينهما فعليه لعنة الله وما شهد رجل على رجل بالكفر الا باء به احدهما ان كافرا فهو كما قال وان لم يكن كافرا فقد كفر بتكفيره اياه" كما فى كشف الاسرار وفى الآية ايضا اشارة الى ترك الاستماع الى كلام الساعى والنمام والمغتاب للناس

كسى بيش من درجهان عاقلست كه مشغول خود وز جهان غافلت
كسى راكه نام آمد ابدر ميان به نيكوترين نام ونعتش بخوان
ازان همنشين تاتوانى كربز كه مرفتنه خفته راكفت خين
ميان دوكس جنك جون آتش است سخن جين بدبخت هيزم كش است
ميان دوتن آتش آفروختن نه عقلست خود درميان سوختن

فلا بد من التبين والتفحص ليظهر حقيقة الحال ويسلم المرء من الوبال ويفتضح الكذاب الدجال وفى الحديث "التبين من الله والعجلة من الشيطان" وفيها ايضا اشارة الى تسويلات النفس الفاسقة الامارة بالسوء ومجيئها كل ساعة بنبأ شهوة من شهوات الدنيا فتبينوا ربحها وخسرانها من قبل ان تصيبوا قوما من القلوب وصفاتها بجهالة ما فيها من شفاء النفوس وحياتها ومرض القلوب ومماتها فتصبحوا صباح القيامة وانتم على ما فعلتم نادمون