التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١٢
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولقد اخذ الله ميثاق بنى اسرائيل } اى بالله قد اخذ الله عهد طائفة اليهود والالتفات فى قوله تعالى { وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا } للجرى على سنن الكبرياء او لان البعث كان بواسطة موسى عليه السلام كما سيأتى اى شاهدا من كل سبط ينقب عن احوال قومه ويفتش عنها او كفيلا يكفل عليهم بالوفاء بما امروا به.
وقد روى ان النبى عليه السلام جعل للانصار ليلة العقبة اثنى عشر نقيبا وفائدة النقيب ان القوم اذا علموا ان عليهم نقيبا كانوا اقرب الى الاستقامة. والنقيب والعريف نظيران وقيل النقيب فوق العريف.
قال فى شرح الشرعة العريف فعيل بمعنى مفعول وهو سيد القوم والقيم بامور الجماعة من القبيلة والمحلة يلى امورهم ويتعرف الامير منه احوالهم وهو دون الرئيس والعرافة كالسيادة لفظا ومعنى وفى الحديث
"العرافة حق ولا بد للناس من عرفاء ولكن العرفاء فى النار"
.يعنى ان سيادة القوم جائزة فى الشرع لان بها ينتظم مصالح الناس وقضاء اشغالهم فهى مصلحة ورفق للناس تدعوا اليها الضرورة. وقوله ولكن العرفاء فى النار اى اكثرهم فيها اذ المجتنب عن الظلم منهم يستحق الثواب لكن لما كان الغالب منهم خلاف ذلك اجراه مجرى الكل كذا فى شرح المصابيح: قال السعدى

رياست بدست كسانى خطاست كه از دستشان دستهابر خداست
مكن تاتوانى دل خلق ريش وكرميكنى ميكنى بيخ خويش
نماند ستمكار بد روزكار بماند برو لعنت بايدار
مها زرومندى مكن بركهان كه بريك نمط مى نماند جهان
دل دوستان جمع بهتركه كنج خزينه تهى به كه مردم برنج
بقومى كه نيكى بسندد خداى دهد خسرو عادل نيك راى
جوخواهدكه ويران كند عالمى كند ملك دربنجه ظالمى

{ وقال الله } اى لبنى اسرائيل فقط اذ هم المحتاجون الى الترغيب والترهيب { انى معكم } اى بالعلم والقدرة والنصرة اسمع كلامكم وارى اعمالكم واعلم ضمائركم فاجازيكم بذلك وتم الكلام هنا ثم ابتدأ بالجملة الشرطية فقال مخاطبا لبنى اسرائيل ايضا { لئن اقمتم الصلوة وآتيتم الزكوة وآمنتم برسلى } اى بجميعهم واللام موطئة للقسم المحذوف { وعزرتموهم } اى نصرتموهم وقويتموهم واصله الذب وهو المنع والدفع ومنه التعزير ومن نصر انسانا فقد ذب عند عدوه يقال عزرت فلانا اى فعلت به ما يرده عن القبيح ويمنعه عنه { واقرضتم الله } بالانفاق فى سبيل الخير او بالتصدق بالصدقات المندوبة فظهر الفرق بين هذا الاقراض وبين اخراج الزكاة فانها واجبة { قرضا حسنا } وهو ان يكون من حلال المال وخياره برغبة واخلاص لا يشوبها رياء ولا سمعة ولا يكدرها من ولا اذى وانتصابه يحتمل ان يكون على المصدرية لانه اسم مصدر بمعنى اقراضا كما فى انبتها نباتا حسنا بمعنى انباتا ويحتمل ان يكون على المفعولية على انه اسم للمال المقرض.
{ لاكفرن عنكم سيآتكم } جواب للقسم المدلول عليه باللام ساد مسد جواب الشرط { ولادخلنكم جنات } اى بساتين { تجرى من تحتها } اى من تحت اشجارها ومساكنها { الانهار } الاربعة واخره لضرورة تقدم التخلية على التحلية { فمن كفر } اى برسلى وبشىء مما عدد فى حيز الشرط والفاء لترتيب بيان حكم من كفر على بيان حكم من آمن تقوية للترغيب والترهيب { بعد ذلك } الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم الموجب للايمان قطعا { منكم } متعلق بمضمر وقع حالا من فاعل كفر { فقد ضل سواء السبيل } اى وسط الطريق الواضح ضلالا بينا واخطأ خطأ فاحشا لا عذر معه اصلا بخلاف من كفر قبل ذلك اذ ربما يمكن ان يكون له شبهة ويتوهم له معذرة ـ روى ـ ان بنى اسرائيل لما استقروا بمصر بعد مهلك فرعون امرهم الله تعالى بالمسير الى اريحا من ارض الشام وهى الارض المقدسة وكانت لها الف قرية فى كل قرية الف بستان وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون وقال لهم انى كتبتها لكم دارا قرارا فاخرجوا اليها وجاهدوا من فيها وانى ناصركم وامر موسى عليه السلام ان يأخذ من كل سبط نقيبا امينا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما امروا به توثقة عليهم فاختار النقباء واخذ الميثاق على بنى اسرائيل وتكفل لهم النقباء وسار بهم فلما دنا من ارض كنعان بعث النقباء يتجسسون له الاخبار ويعلمون علمها فرأوا اجراما عظيمة وقوة وشوكة فهابوا فرجعوا وحدثوا قومهم بما رأوا وقد نهاهم موسى عن ذلك فنكثوا الميثاق الا كالب بن يوقنا نقيب سبط يهودا ويوشع بن نون نقيب سبط افرائيم بن يوسف الصديق عليه السلام. قيل لما توجه النقباء الى ارضهم للتجسس لقيهم عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع وقد عاش ثلاثة آلاف سنة وكان يحتجز بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه اليها ثم يأكله ويروى ان الماء طبق ما على الارض من جبل فى طوفان نوح وما جاوز ركبتى عوج وكانت امه عنق احدى بنات آدم وكان مجلسها جريبا من الارض فلما لقى عوج النقباء وعلى رأسه حزمة حطب اخذ الاثنى عشر نقيبا وجعلهم فى الحزمة فانطلق بهم الى امرأته وقال انظرى الى هؤلاء الذين يزعمون قتالنا فطرحهم بين يديها وقال ألا اطحنهم برجلى فقالت لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك ـ وروى ـ انه جعلهم فى كمه واتى بهم الملك فنشرهم بين يديه فقال ارجعوا الى قومكم فاخبروهم بما رأيتم وكان لا يحمل عنقودا من عنبهم الا خمسة انفس او اربعة بينهم فى خشبة ويدخل فى شطر رمانة اذا نزع حبها خمسة انفس فجعلوا يتعرفون باحوالهم فلما رجعوا قال بعضهم لبعض انكم ان اخبرتم بنى اسرائيل بخبر القوم ارتدوا عن نبى الله ولكن اكتموه الا عن موسى وهارون فيكونان هما يريان رأيهما فاخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ثم انصرفوا الى موسى عليه السلام وكان معهم حبة من عنبهم وقر جمل فنكثوا عهدهم وجعل كل منهم ينهى سبطه عن قتالهم ويخبرهم بما رأى الا كالب ويوشع وكان معسكر موسى فرسخا فى فرسخ فجاء عوج حتى نظر اليهم ثم رجع الى جبل فقوّر منه صخرة عظيمة على قدر المعسكر ثم حملها على رأسه ليطبقها عليهم فبعث الله الهدهد فقوّر من الصخرة وسطها المحاذى لرأسه فانتقبت فوقعت فى عنق عوج فطوقته فصرعته واقبل موسى عليه السلام وطوله عشرة اذرع وكذا طول العصا فترامى فى السماء عشرة اذرع فما اصاب العصا الا كعبه وهو مصروع فقتله قالوا فاقبلت جماعة ومعهم الخناجر حتى جذروا رأسه وهكذا سنة الله فيما اراد حيث ينصر اولياءه بما لا يخطر ببالهم ولله فى كل فعله حكمة تامة ومصلحة شاملة.
واعلم ان الله تعالى كما جعل فى امة موسى من النقباء المختارين المرجوع اليهم عند الضرورة اثنى عشر كذلك جعل من كمال عنايته فى هذه الامة من النجباء البدلاء واعزة الاولياء اربعين رجلا فى كل حال وزمان كما قال النبى عليه السلام
"يكون فى الامة اربعون على خلق ابراهيم وسبعة على خلق عيسى وواحدة على خلقى"
.فهم على مراتب درجاتهم ومناصب مقاماتهم امنة هذه الامة كما قال عليه السلام "بهم ترزقون وبهم تمطرون وبهم يدفع الله البلاء"
.قال ابو عثمان المغربى البدلاء اربعون والامناء سبعة والخلفاء من الائمة ثلاثة والواحد هو القطب عارف بهم جميعا ومشرف عليهم ولا يعرفه احد ولا يشرف عليه وهو امام الاولياء الثلاثة الذين هم الخلفاء من الائمة وهو يعرفهم وهم لا يعرفونه والخلفاء الثلاثة يعرفون السبعة الذين هم الامناء ولا يعرفهم اولئك السبعة والسبعة يعرفون الاربعين الذين هم البدلاء ولا يعرفهم البدلاء الاربعون وهم يعرفون سائر الاولياء من الامة ولا يعرفهم من الاولياء احد فاذا نقص من الاربعين واحد جعل مكانه واحد من الاولياء واذا نقص من السبعة واحد جعل مكانه واحد من الاربعين واذا نقص من الثلاثة واحد جعل مكانه واحد من السبعة واذا مضى القطب الذى هو الواحد فى العدد وبه قوام اعداد الخلق جعل بدله واحد من الثلاثة هكذا الى ان يأذن الله تعالى فى قيام الساعة كما فى التأويلات النجمية.
وقال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر القطب يحفظ المركز والامام الايمن يحفظ عالم الارواح والامام الايسر يحفظ عالم الاجساد والاوتاد الاربعة يحفظون الشرق والغرب والجنوب والشمال والابدال السبعة يحفظون اقاليم الكرة علوا وسفلا انتهى كلامه فى كتاب العظيمة.
ويقول الفقير جامع هذه المجالس اللطائف سمعت من حضرة شيخى وسندى الذى بمنزلة روحى فى جسدى ان قطب الوجود اذا انتقل الى الدار الآخرة يكون خليفته فى الجانب الايسر من الافراد دون الجانب الايمن وذلك لان يسار الامام يمين ويمينه يسار حين الاستقبال الى القوم واليه الاشارة بقوله تعالى
{ { فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة } [الواقعة: 8-9].
فان لفظة ما عند اهل التحقيق نافية واهل اليسار اهل الجلال والفناء واهل اليمين اهل الجمال والبقاء فافهم هذا السر البديع وكن ممن القى سمعه وهو شهيد فان المنكر الغافل طريد عن الحق بعيد

بسر وقت شان خلق كى ره برند كه جون آب حيوان بظلمت درند

: قال الصائب

سخن عشق باخرد كفتن بر رك مرده نيشتر زدنست

ثم تحقيق قوله تعالى { لئن اقمتم الصلوة } ان اقامة الصلاة فى ادامتها بان تجعل الصلاة معراجك الى الحق وتديم العروج بدرجاتها الى ان تشاهد الحق كما شاهدت يوم الميثاق ودرجاتها اربع القيام والركوح والسجود والتشهد على حسب دركات نزلت بها من اعلى عليين وجوار رب العالمين الى اسفل السافلين القلب وهى العناصر الاربعة التى خلق منها قالب الانسان فالمتولدات منها على اربعة اقسام ولكل قسم منها ظلمة وخاصية تحجبك عن مشاهدة الحق وهى الجمادية وخاصيتها التشهد ثم النباتية وخاصيتها السجود ثم الحيوانية وخاصيتها الركوع ثم الانسانية وخاصيتها القيام يشير اليك بالتخلص من حجب اوصاف الانسانية واعظمها الكبر وهو من خاصية النار والركوع يشير اليك بالتخلص من حجب صفات الحيوانية واعظمها الشهوة وهى من خاصية الهواء والسجود يشير اليك بالتخلص من حجب طبع النباتية واعظمها الحرص على الجذب للشىء والنمو وهو من خاصية الماء والتشهد يشير اليك بالتخلص من حجب طبع الجمادية واعظمها الجمودية وهى من خاصية التراب ومن هذه الصفات الاربع تنشأ بقية صفات البشرية فاذا تخلصت من هذه الدركات والحجب ورجعت بهذه المدارج الاربعة الى جوار رب العالمين وقربه فقد اقمت الصلاة مناجيا ربك مشاهدا له كما قال صلى الله عليه وسلم "اعبد الله كأنك تراه"
.كذا فى التأويلات النجمية.