التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ
١٨
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقالت اليهود والنصارى نحن ابناء الله واحباؤه } اى قالت اليهود نحن اشياع ابنه عزير وقالت النصارى نحن اشياع ابنه المسيح كما يقول اقارب الملوك عند المفاخرة نحن الملوك او المعنى نحن من الله بمنزلة الابناء للآباء وقربنا من الله كقرب الوالد لولده وحبنا اياه كحب الوالد لولده وغضب الله علينا كغضب الرجل على ولده والوالد اذا سخط على ولده فى وقت يرضى عنه فى وقت آخر وبالجملة انهم كانوا يدعون ان لهم فضلا ومزية عند الله على سائر الخلق فرد عليهم ذلك وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم { قل } الزاما لهم وتبكيتا { فلم يعذبكم بذنوبكم } اى ان صح ما زعمتم فلأى شىء يعذبكم فى الدنيا بالقتل والاسر والمسخ وقد اعترفتم بانه سيعذبكم فى الآخرة اياما معدودة بعدد ايام عبادتكم العجل ولو كان الامر كما زعمتم لما صدر عنكم ما صدر ولما وقع عليكم ما وقع { بل } اى لستم كذلك { انتم بشر ممن خلق } اى من جنس ما خلق الله تعالى من غير مزية لكم عليهم { يغفر لمن يشاء } ان يغفر له من اولئكم المخلوقين وهم الذين آمنوا بالله تعالى وبرسله { ويعذب من يشاء } ان يعذبه منهم وهم الذين كفروا به تعالى وبرسله { ولله ملك السموات والارض وما بينهما } من الموجودات لا ينتمى اليه تعالى شىء منها الا بالمملوكية والعبودية والكل تحت مملوكيته يتصرف فيه كيف يشاء ايجادا واعداما واماتة واثابة وتعذيبا فانى لهم ادعاء ما زعموا { واليه المصير } فى الآخرة خاصة لا الى غيره استقلالا ولا اشتراكا فيجازى كلا من المحسن والمسيىء بما يستدعيه عمله من غير مانع يمنعه وليست المحبة بالدعوى بل لها علامات ولله در من قال

تعصى الاله وانت تظهر حبه هذا لعمرى فى الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ان المحب لمن يحب مطيع

والله تعالى لا يحب من خالف شيئاً من شريعة النبى عليه السلام من سننها وفروضها وحلالها وحرامها وانما يحب من اطاع امره ولا فوق بين الناس من حيث الصورة البشرية وانما تفاوتهم من حيث العلم والعمل والتقرب الى الله تعالى: قال السعدى قدس سره

ره راست بايد نه بالاى راست كه كافرهم از روى صورت جو ماست

وانما يظهر التفاوت فى الآخرة لانها دار الجزاء فطوبى لعبد تفكر فى حاله ومصيره فرغب فى الزهد والطاعة قبل مضى الوقت: قال فى المثنوى

كربينى ميل خود سوى سما بردولت بركشا همجون هما
ور بينى ميل خود سوى زمين نوحه ميكن هيج منشين ازحنين
عاقلان خود نوحها بيشين كنند جاهلان آخر بسر بر مى زنند
رابتداء كار آخررا ببين تانباشى تو بشيمان روز دين

ـ وحكى ـ ان رجلا جاء الى صائغ يسأل منه الميزان ليزن رضاض ذهب له فقال الصائغ اذهب فانه ليس لى غربال فقال الرجل لا تسخر بى آت الميزان فقال الصائغ ليس لى مكنسة ثم قال اطلب منك الميزان ايها الصائغ وانت تجيبنى بما يضحك منه فقال انما قلت ما قلت لانك شيخ مرتعش فعند الوزن يتفرق رضاضك من يدك بسبب ارتعاشك ويسقط الى التراب فتحتاج الى المكنسة والغربال للتخليص فبسبب فكرى لعاقبة امرك قلت ما قلت

من زاول ديدم آخررا تمام جاى ديكر رو ازينجا والسلام

واعلم ان احباء الله هم اولياء الله على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم. فمنهم عوام. ومنهم خواص. ومنهم اخص ولكل منهم مقام معلوم من المحبة.
ورأى بعضهم معروفا الكرخى تحت العرش وقد قال الله تعالى لملائكته من هذا فقالوا انت اعلم يا رب فقال هذا معروف الكرخى سكر من حبى فلا يليق الا للقائى وكمال الحب انما يحصل بعد تزكية النفس فان النفس اذا كانت مغضوبة لا تتم الرحمة فى حقها وصاحبها انما يحب الله تعالى من وراء حجاب اللهم اجعلنا ممن يحبك حبا شديدا ويسلك فى محبتك طريقا سديدا.