التفاسير

< >
عرض

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٣
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله } تعجيب من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه والحال ان الحكم منصوص عليه فى كتابهم الذى يدعون الايمان به وتنبيه على انهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق واقامة الشرع وانما طلبوا به ما هو اهون عليهم وان لم يكن ذلك حكم الله على زعمهم وفيها حكم الله حال من التوراة او رفعها بالظرف وان جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن فيه { ثم يتولون } عطف على يحكمونك داخل فى حكم التعجب وثم للتراخى فى الرتبة { من بعد ذلك } اى من بعد ما حكموك وهو تصريح بما علم قطعا لتأكيد الاستبعاد والتعجب اى ثم يعرضون عن حكمك الموافق لكتابهم من بعد ما رضوا بحكمك { وما اولئك } الموصوفون بما ذكر { بالمؤمنين } اى بكتابهم لاعراضهم عنه اولا وعن حكمك الموافق لكتابهم ثانيا او بك وبه. وفى الآيات ذم للظلم ومدح للعدل وقدح فى الحرام والرشوة وفى الحديث "كل لحم انبته السحت فالنار اولى به"
.وفيه "لعن الله الراشى والمرتشى والرائش"
.واراد بالرائش الذى يمشى بينهما: وفى المنثوى

اى بسا مرغى برنده دانه جو كه بريده حلق اوهم حلق او
اى بسا ماهىدرآب دور دست كشته ازحرص كلو مأخوذ شست
اى بسا مستور دربرده بده شومى فرج وكلو رس اشده
اى بسا قاضىء حبر نيك خو ازكلوى رشوتى اوزرد رو
بلكه درهاروت وماروت آن شراب ازعروج جر خشان شد سد باب

ذكر فى ادب القاضى للخصاف الرشوة على اربعة اوجه اما ان يرشوه لانه قد خوفه فيعطيه الرشوة ليدفع الخوف عن نفسه او يرشوه ليسوى امره بينه وبين السلطان او يرشوه ليتقلد القضاء من السلطان او يرشو القاضى ليقضى له. ففى الوجه الاول لا يحل الاخذ لان الكف عن التخويف كف عن الظلم وانه واجب حقا للشرع فلا يحل اخذه لذلك ويحل للمعطى الاعطاء لانه جعل المال وقاية للنفس وهذا جائز موافق للشرع. وفى الوجه الثانى ايضا لا يحل الاخذ لان القيام بامور المسلمين واجب بدون المال فلا يحل له الاخذ. وفى الوجه الثالث لا يحل له الاخذ والاعطاء واما الرابع فحرام الاخذ سواء كان القضاء بحق او ظلم. اما الظلم فلوجهين. احدهما انه رشوة. والثانى انه سبب للقضاء بالجور. واما الحق فلوجه واحد وهو انه اخذ المال لاقامة الواجب. واما العطاء فان كان بجور لا يجوز وان كان بحق جاز.
قال ابن مسعود رضى الله عنه من شفع شفاعة يرد بها حقا او يدفع بها ظلما فاهدى له فقبل فهو سحت.
وفى نصاب الاحتساب ان المحتسب او القاضى اذا اهدى اليه ممن يعلم انه يهدى لاحتياجه الى القضاء والحسبة لا يقبل ولو قبل كان رشوة واما ممن يعرف انه يهدى للتودد والتحبب لا للقضاء والحسبة فلا بأس به وكان الصحابة رضى الله عنهم يتوسعون فى قبول الهدايا بينهم وهذا لان الهدية كانت عادتهم وكانوا لا يلتمسون منهم شيئاً وانما كانوا يهدون لاجل التودد والتحبب وكانوا يستوحشون برد هداياهم فلا يكون فيه معنى الرشوة فلهذا كانوا يقبلونها.
قال قوم ان صلات السلاطين نحل للغنى والفقير اذا لم يتحقق انها حرام وانما التبعة على المعطى قالوا لان النبى صلى الله عليه وسلم قبل هدية المقوقس ملك الاسكندرية واستقرض من اليهود مع قوله الله تعالى
{ { أكالون للسحت } [المائدة: 42].
واما حال السوق فمتى علمت ان الحرام هو الاكثر فلا تشتر الا بعد التفتيش وان كان كثيرا وليس بالاكثر فلك السؤال ولقد كان النبى عليه الصلاة والسلام واصحابه يشترون من الاسواق مع علمهم بان فيهم اهل الربا والغصب والغلول.
قال الحدادى ومن السحت ثمن الخمر والخنزير والميتة وعسب الفحل واجرة النائحة والمغنية والساحر وهدية الشفاعة ومهر البغى وحلوان الكاهن هكذا. قال عمر وعلى وابن عباس رضى الله عنهم قالوا والمال الذى يأخذه المغنى والقوال ونحوهما حكم ذلك اخف من الرشوة فان صاحب المال اعطاه عن غير اختيار بغير عقد.
قال ابن كيسان سمعت الحسن يقول اذا كان لك على رجل دين فاكلت فى بيته فهو سحت. فعليك ايها المؤمن المتقى بالاحتياط فى امورك حتى لا تقع فى الشبهات بل فى الحرام وانما تحصل التصفية للقلب باكل الغذاء الحلال: قال الحافظ

صوفى شهربين كه جون لقمه شبهه ميخورد باردمش درازباد اين حيوان خوش علف

والمقصود من البيت تشبيه الذى لا يحترز عن الشبهات بالحيوان فى الاكل من كل ما يجده من غير تفرقة ولان تناول الشبهات من كمال الحرص لانه لو لم يكن له حرص لكان له قناعة بالحلال ولو قليلا والحيوان يعظم من كثرة الاكل والشرب والنوم وهى حكم الطبيعة.