التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٦
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلوة } المراد بالقيام اما القيام الذى هو من اركان الصلاة فالتقدير اذا اردتم القيام لها بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب لان الجزاء لا بد وان يتأخر عن الشرط يعنى صحة قيام الصلاة بالطهارة واما القيام الذى هو من مقدمات مباشرة الصلاة فالتقدير اذا قصدتم الصلاة اطلاقا لاسم احد لازميها على لازمها الآخرة فالوضوء من شرائط القيام الاول دون الثانى وهذا الخطاب خاص بالمحدثين بقرينة دلالة الحال فلا يلزم الوضوء على كل قائم الى الصلاة سواء كان محدثا ام لا كما يقتضيه ظاهر الآية { فاغسلوا وجوهكم } الغسل اجراء الماء على المحل وتسييله سواء وجد معه الدلك ام لا والوجه ما يواجهك من الانسان وحده من قصاص الشعر الى اسفل الذقن طولا ومن شحمة الاذن الى شحمة الاذن عرضا يجب غسل جميعه فى الوضوء ويجب ايصال الماء الى ما تحت الحاجبين واهداب العينين والشارب والعذار والعنفقة وان كانت كثيفة وعند الامام لا يجب غسل ما تحت الشعر ففرض اللحية عنده مسح ما يلاقى الوجه دون ما استرسل من الذقن لانه لما سقطت فرضية غسل ما تحت اللحية انتقلت فرضيته الى خلفه وظاهر الآية ان المضمضة والاستنشاق غير واجبين فى الوضوء لان اسم الوجه يتناول الظاهر دون الباطن فهما من السنن { وايديكم الى المرافق } الجمهور على دخول المرفقين فى المغسول ولذلك قيل الى بمعنى مع كقوله تعالى { { ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم } [النساء: 2].
والمرافق جمع مرفق وهو مجتمع طرفى الساعد والعضد ويسمى مرفقا لانه الذى يرتفق به اى يتكأ عليه من اليد { وامسحوا برؤسكم } الباء مزيدة كما القى بيده. والمسح الاصابة وقدر الواجب عند ابى حنيفة ربع الرأس لانه عليه السلام مسح على ناصيته وهو قريب من الربع فان للرأس جوانب اربعة ناصية وقذال وفودان والقذال مؤخر الرأس خلف الناصية وفودا الرأس جانباه.
فى الواقعات المحمودية قال حضرت الشيخ الشهير بافتاده افندى انكشف لى وجه الاختلاف فى مقدار مسح الناصية وهو ان بدن الانسان مربع فبالقياس اليه ينبغى ان يكون الممسوح ربع الرأس واما اعتبار قدر ثلاثة اصابع فالبنظر الى حال نفس الرأس فانه مسدس والسدس فيه قدر ثلاثة اصابع.
قال المرحوم حضرة محمود الهدايى قلت فحينئذ ينبغى ان يكون الاعتبار الاخير اولى لانه بالنظر الى حال نفسه بخلاف الاول لانه بالقياس على البدن.
فقال حضرة الشيخ افتاده وجه اولوية الاول ان البدن اكثر من الرأس فاتباع الاقل بالاكثر اولى انتهى.
قال الحدادى واما مسح الاذنين فهو سنة فيمسح ظاهر اذنيه بابهاميه وظاهرهما بمسبحتيه بماء الرأس واما مسح الرقبة فمستحب. وفى الحديث
"من مسح رقبته فى الوضوء امن من الغل يوم القيامة"
.{ وارجلكم الى الكعبين } بالنصب عطفا على وجوهكم ويؤيده السنة الشائعة وعمل الصحابة وقول اكثر الائمة والتحديد اذ المسح لم يعهد محدودا وانما جاء التحديد فى المغسولات.
قال فى الاشباه غسل الرجلين افضل من المسح على الخفين لمن يرى جوازه والا فهو افضل وكذا بحضرة من لا يراه انتهى وذهبت الروافض الى ان الواجب فى الرجلين المسح ورووا فى المسح خبرا ضعيفا شاذا.
قال صاحب الروضة خف الروافض مثل فى السعة لانه لا يرى المسح على الخف ويرى المسح على الرجلين فيوسعه ليتمكن من ادخل يده فيه ليمسح برجله.
"وعن ابن المغيرة عن ابيه قال كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فى سفر فقال أمعك ماء قلت نعم فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عنى فى سواد الليل ثم جاء فافرغت عليه من الاداوة فغسل وجه ويديه وعليه جبة من الصوف فلم يستطع ان يخرج ذراعيه منها حتى اخرجهما من اسفل الجبة فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه ثم اهويت لانزع خفيه فقال دعهما فانى ادخلتهما طاهرين فمسح عليهما" كذا فى تفسير البغوى.
واطبق العلماء على ان وجوب الوضوء مستفاد من هذه الآية ومن سنته النية فينوى رفع الحدث او اقامة الصلاة ليقع قربة واستعمال السواك فى غلظة الخنصر وطول الشبر حالة المضمضة تكميلا للانقاء او قبل الوضوء وعند فقده يعالج بالاصابع وينال بالاصبع ثواب السواك.
وفى الهداية الاصح ان السواك مستحب.
وعن مجاهد قال
"ابطأ جبريل عليه السلام على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ثم اتاه فقال له النبى عليه السلام ما حبسك يا جبريل قال وكيف آتيكم وانتم لا تقصون اظفاركم ولا تأخذون من شواربكم ولا تنقون براجمكم ولا تستاكون ثم قرأ { وما نتنزل الا بامر ربك }"
. والبراجم مفاصل الاصابع والعقد التى على ظاهرها يجتمع فيها من الوسخ وفى الحديث "نقوا براجمكم"
.فامر بتنقيتها لئلا تدرن فتبقى فيها الجنابة ويحول الدرن بين الماء والبشرة وفى الحديث "انظفوا لثاتكم"
.جمع لثة بالتخفيف وهى اللحمة التى فوق الاسنان دون الاسنان فامر بتنظيفها لئلا يبقى فيها وحل الطعام فتتغير عليه النكهة وتتنكر الرائحة ويتأذى الملكان لانه طريق القرآن ومقعد الملكين وتنفر الملائكة من الرائحة الكريهة وفى الحديث "ان العبد اذا تسوك ثم قام يصلى قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنوا منه حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شىء من القرآن الا صار فى جوف الملك فطهروا افواهكم للقرآن"
.وفى الحديث "ركعتان بسواك افضل من سبعين ركعة بغير سواك"
.ويقول المتوضى بعد التسمية [الحمد الله الذى جعل الماء طهورا]. وعند المضمضة [اللهم اسقنى من حوض نبيك كأسا لا اظمأ بعدها ابدا اللهم اعنى على ذكرك وشكرك وتلاوة كتابك]. وعند الاستنشاق [اللهم لا تحرمنى من رائحة نعيمك وجنانك] او يقول [اللهم ارحنى رائحة الجنة ولا ترحنى رائحة النار]. وعند غسل الوجه { اللهم بيض وجهى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه] او يقول [اللهم بيض وجهى بنورك يوم تبيض وجوه اوليائك ولا تسود وجهى بذنوبى يوم تسود وجوه اعدائك]. وعند غسل اليد اليمنى [اللهم اعطنى كتابى بيمينى وحاسبني حسابا يسيرا] وعند غسل اليد اليسرى [اللهم لا تعطنى كتابى بشمالى ولا من وراء ظهرى]. وعند مسح الرأس [اللهم حرم شعرى وبشرى على النار واظلنى تحت ظل عرشك يوم لا ظل الا ظلك اللهم غشنى برحمتك وانزل على من بركاتك]. وعند مسح الاذنين [اللهم اجعلنى من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه]. وعند مسح رقبته [اللهم اعتق رقبتى من النار]. وعند غسل الرجل اليمنى [اللهم ثبت قدمى على الصراط يوم تزل فيه الاقدام]. وعند غسل الرجل اليسرى [اللهم اجعل لى سعيا مشكورا وذنبا مغفورا وعملا مقبولا وتجارة لن تبور] ويقول بعد الفراغ [اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين واجعلنى من عبادك الصالحين الذين انعمت عليهم واجعلنى من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون].
والحكمة فى تخصيص الاعضاء الاربعة فى الوضوء ان آدم عليه السلام لما توجه الى الشجرة بالوجه وتناولها باليد ومشى اليها بالرجل ووضع يده على رأسه امره بغسل هذه الاعضاء تكفيرا للخطايا وقد جاء فى الحديث
"ان العبد اذا غسل وجهه خرجت خطاياه حتى تخرج من تحت اشفار عينيه" .
وكذلك فى بقية الاعضاء. وقيل خص بغسل هذه الاعضاء الامة المحمدية ليكونوا غرا محجلين بين الامم كما "روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله بكم لاحقون وددت انا قد رأينا اخواننا قالوا أولسنا اخوانك يا رسول الله قال انتم اصحابى واخواننا الذين يأتون بعد قالوا كيف تعرف من يأتون بعد من امتك يا رسول الله فقال أرأيتم لو ان رجلا له خيل غر محجلة بين اظهر خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فانهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وانا فرطهم على الحوض"
.واعلم "ان النبى صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد فقال عمر رضى الله عنه صنعت شيئاَ لم تكن تصنعه فقال عليه السلام عمدا فعلته يا عمر"
.يعنى بيانا للجواز غير انه يستحب تجديد الوضوء لكل فرض وفى الحديث "من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات" .
وللتجديد اثر ظاهر فى تنوير الباطل. وكان بعض اهل الله يتوضأ عند الغيبة والكذب والغضب لظهور غلبة النفس وتصرف الشيطان فالوضوء هو النور الذى به تضمحل ظلمات النفس والشيطان. وكان على وجه بعضهم قرح لم يندمل اثنتى عشرة سنة لضرر الماء له. وكان مع ذلك لم يدع تجديد الوضوء عند كل فريضة. ونزل فى عين بعضهم ماء اسود فقال الكحال لا بد من ترك الوضوء اياما والا فلا يعالج فاختار ذهاب بصره على ترك الوضوء. ودوام الطهارة مستجلب لمزيد الرزق كما قال عليه السلام "دم على الطهارة يوسع عليك الرزق" .
والسنة ان يصلى بعد الوضوء ركعتين تسمى شكر الوضوء ـ روى ـ "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال يا بلال حدثنى بارجى عمل عملته فى الاسلام فانى سمعت دق نعليك بين يدى فى الحنةقال ما عملت عملا ارجى عندى من انى لم اتطهر طهورا فى ساعة من ليل او نهار الا صليت بذلك الطهور ما كتب لى ان اصلى"
. قال فى الاسرار المحمدية لابن فخر الدين الرومى ويصلى شكر الوضوء وان فى الاوقات المكروهة لا الاوقات المحرمة كما قبل صلاة الفجر وبعدها وبعد صلاة العصر ايضا لانها من الصلوات ذوات الاسباب.
واما الاوقات المحرمة كطلوع الشمس وزوالها وغروبها فلا تجوز فيه اصلا فيصبر الى وقت اباحة الصلاة فيصليها حينئذ الا اذا كان بمكة.
عن جبير ان النبى عليه السلام قال
"يا بنى عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية شاء من ليل او نهار" .
وعن جندب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس الا بمكة الا بمكة الا بمكة"
.انتهى كلام الاسرار. والاشارة فى الآية ان الخطاب فى قوله تعالى { يا ايها الذين آمنوا } هو خطاب مع الذين آمنوا ايمانا حقيقيا عند خطاب ألست بربكم بقولهم بلى. وهم اهل الصف الاول يوم الميثاق آمنوا بعدما عاينوا. واهل الصف الثانى آمنوا اذ شاهدوا. واهل الصف الثالث آمنوا اذ سمعوا الخطاب. واهل الصف الرابع آمنوا تقليدا لا تحقيقا لانهم ما عاينوا ولا شاهدوا ولا سمعوا خطاب الحق بسمع الفهم والدراية بل سمعوا سماع القهر والنكاية فتخيروا حتى سمعوا جواب اهل الصفوف الثلاثة اذ قالوا بلى فقالوا بتقليدهم بلى فلا جرم ههنا ما آمنوا وهم الكفار وان آمنوا ما آمنوا على التحقيق بل بالتقليد او بالنفاق وهم المنافقون. واهل الصف الثالث هم المسلمون وعوام المؤمنين فكما آمنوا هناك بسماع الخطاب فكذلك ههنا آمنوا بسماع كقوله تعالى { { إننا سمعنا مناديا ينادى للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا } [آل عمران: 193].
واما اهل الصف الثانى وهم خواص المؤمنين وعوام الاولياء فكما انهم آمنوا هناك اذ شاهدوا فكذلك ههنا آمنوا بشواهد المعرفة كما قال
{ { وإذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا } [المائدة: 83].
ومن ههنا قال بعضهم ما نظرت فى شىء الا ورأيت الله فيه. واما اهل الصف الاول وهم الانبياء وخواص الاولياء فكما آمنوا هناك اذ عاينوا فكذلك ههنا آمنوا اذ عاينوا كقوله تعالى
{ { آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه } [البقرة: 284].
وذلك فى ليلة المعراج اذ اوحى الى عبده ما اوحى قال آمن الرسول بما انزل اليه من ربه وكان ايمان موسى عليه السلام نوعا من هذا فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين. وقال على رضى الله عنه لم اعبد ربا لم اره. وقال بعضهم رأى قلبى ربى وقال آخر ما نظرت فى شىء الا ورأيت الله فيه فخاطب اهل الصف الاول بقوله يا ايها الذين آمنوا تحقيقا ثم اهبطوا عن ممالك القرب الى مهالك البعد ومن رياض الانس الى سباخ الانس { اذا قمتم } من نوم الغفلة انتبهتم من رقدة الفرقة { الى الصلوة } هى معراجكم للرجوع الى مقام قربكم كما قال
{ { واسجد واقترب } [العلق: 19].
{ فاغسلوا وجوهكم } التى توجهتم بها الى الدنيا ولطختموها بالنظر الى الاغيار بماء التوبة والاستغفار { وايديكم الى المرافق } اى واغسلوا ايديكم عن التمسك بالدارين والتعلق بما فى الكونين حتى الصديق الموافق والرفيق المرافق { وامسحوا برؤسكم } ببذل نفوسكم { وارجلكم الى الكعبين } اى واغسلوا ارجلكم عن طين طينتكم والقيام بانانيتكم كذا فى التأويلات النجمية: قال الحافظ قدس سره

من هماندم كه وضو ساختم ازجشمه عشق جار تكبير زدم يكسره برهرجه كه هست

{ وإن كنتم جنبا فاطهروا } اى فتطهروا ادغمت تاء التفعل فى الطاء لقرب مخرجهما واجتلبت همزة الوصل ليمكن الابتداء فقيل اطهروا وهذا التطهر عبارة عن الاغتسال والاطهار هو التطهر بالتكلف والمبالغة فلا يكون الا بغسل جميع ظاهر البدن حتى لو بقى العجين بين اظفاره ويبس لم يجز غسله لان الماء لا يصل تحته ولو بقى الدرن جاز الا ان ما تعذر ايصال الماء اليه كداخل العين ساقط بخلاف باطن الانف والفم حيث يمكن غسلهما ولا ضرر فيه فيجب. والدلك ليس بفرض لانه متمم فيكون مستحبا وليس البدن كالثوب لان النجاسة تخللت فيه دون البدن. ففرض الغسل غسل الفم والانف وسائر البدن. وسنته غسل يديه لكونهما آلة التطهر. وفرجه لانه مظنة النجاسة ونجاسة حقيقية ان كانت على سائر بدنه لئلا تتلاشى عند اصابة الماء. والوضوء وضوءه للصلاة الا انه يؤخر غسل رجليه الى ما بعد صب الماء على جميع بدنه ان كانت فى مستنقع الماء تحرزا على الماء المستعمل وتثليث الغسل المستوعب هكذا حكى غسل رسول الله. ويبتدىء بمنكبه الايمن ثم الايسر ثم الرأس فى الاصح. وليس على المرأة نقض ضفيرتها ولا بلها ان بل اصلها لان كون الشعر من البدن باعتبار اصوله فيكتفى ببل اصوله فيما فيه حرج وفيما لا حرج فيه يجب ايصال الماء الى جميعه كالضفيرة المفتولة وحكم المنقوضة ليس كذلك بل يجب ايصال الماء الى جميعها لعدم الحرج فيها. والرجل يجب عيه ايصال الماء الى جميع شعره والفرق ان حلق الشعر للمرأة مثلة دون الرجل والحرج مندفع عنه بغير الضفيرة وادنى ما يكفى من الماء فى الغسل صاع وفى الوضوء مد والصاع ثمانة ارطال والمد رطلان لما روى ان النبى عليه السلام كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد ثم اختلفوا هل المد من الصاع او من غيره فهذا ليس بتقدير لازم حتى لو اسبغ الوضوء والغسل بدون ذلك جاز ولو اغتسل باكثر منه جاز ما لم يسرف فهو المكروه كذا فى الاختيار شرح المختار. والجنب الصحيح فى المصر اذا خاف الهلاك من الاغتسال جاز له التيمم فى قولهم. واما المحدث فى المصر اذا خاف الهلاك من التوضىء اختلفوا فيه على قول ابى حنيفةرحمه الله والصحيح انه لا يباح له التيمم كذا فى فتاوى قاضى خان. والمرأة اذا وجب عليها الغسل ولم تجد سترة من الرجال تؤخره والرجل اذا لم يجد سترة من الرجال لا يؤخره ويغتسل. وفى الاستنجاء اذا لم يجد سترة يتركه والفرق ان النجاسة الحكمية اقوى والمرأة بين النساء كالرجل بين الرجال كذا فى الاشباه وفى الحديث "ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوف والجنب الا ان يتوضأ" وفى الحديث "لا ينقع بول فى طست فى البيت فان الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول منتقع ولا تبولنّ فى مغتسلك"
.وفى الاغتسال منافع بدنية وفوائد دينية. منها مخالفة الكفار فانهم لا يغتسلون وازالة الدنس والابخرة الرديئة النفسانية التى تورث بعض الامراض وتسكين حرارة الشهوات الطبيعية.
قال الشيخ النيسابورى فى كتاب اللطائف فوائد الطهارة عشر طهارة الفؤاد وهو صرفه عما سوى الله تعالى. وطهارة السر المشاهدة. وطهارة الصدر الرجاء والقناعة. وطهارة الروح الحياء والهيبة. وطهارة البطن أكل الحلال والعفة عن اكل الحرام والشبهات. وطهارة البدن ترك الشهوات وازالة الادناس. وطهارة اليدين الورع والاجتهاد. وطهارة اللسان الذكر والاستغفار.
قال الثعلبى فى تفسير هذه الآية قال على رضى الله عنه
"اقبل عشرة من احبار اليهود فقالوا يا محمد لماذا امر الله بالغسل من الجنابة ولم يأمر من البول والغائط. وهما اقذر من النطفة فقال صلى الله عليه وسلم ان آدم لما اكل من الشجرة تحول فى عروقه وشعره فاذا جامع الانسان نزل من اصل كل شعرة فافترضه الله علىّ وعلى امتى تطهيرا وتكفيرا وشكرا لما انعم الله عليهم من اللذة التى يصيبونها"
.قال فى بدائع الصنائع فى احكام الشرائع انما وجب غسل جميع البدن بخروج المنى ولم يجب بخروج البول والغائط وانما وجب غسل الاعضاء المخصوصة لا غير لوجوه. احدها ان قضاء الشهوة بانزال المنى استمتاع بنعمة يظهر اثرها فى جميع البدن وهى اللذة فامر بغسل جميع البدن شكرا لهذه النعمة وهذا لا يتقدر فى البول والغائط. والثانى ان الجنابة تأخذ جميع البدن ظاهره وباطنه لان الوطء الذى هو سببها لا يكون الا باستعمال جميع ما فى البدن من القوة حتى يضعف الانسان بالاكثار منه ويقوى بالامتناع عنه واذن اخذت الجنابة جميع البدن الظاهر والباطن بقدر الامكان ولا كذلك الحدث فانه لا يأخذ الا الظاهر من الاطراف لان سببه يكون بظواهر الاطراف من الاكل والشرب ولا يكون باستعمال جميع البدن فاوجب غسل ظاهر الاطراف من الاكل والشرب ولا يكون باستعمال جميع البدن فاوجب غسل ظاهر الاطراف لا سائر البدن. والثالث ان غسل الكل او البعض وجب وسيلة الى الصلاة التى هى خدمة الرب سبحانه والقيام بين يديه وتعظيمه فيجب ان يكون المصلى على اطهر الاحوال وانظفها ليكون اقرب الى التعظيم واكمل فى الخدمة وكمال تعليم النظافة يحصل بغسل جميع البدن وهذا هو العزيمة فى الحدث ايضا الا ان ذلك مما يكثر وجوده فاكتفى منه باكثر النظافة وهى تنقية الاطراف التى تنكشف كثيرا ويقع عليها الابصار ابدا واقيم ذلك مقام غسل كل البدن دفعا للحرج وتيسيرا وفضلا من الله ورحمة ولا حرج فى الجنابة لانها لا تكثر فبقى الامر فيها على العزيمة انتهى كلام البدائع هذا غسل الحى.
واما غسل الميت فشريعة ماضية لما روى أن آدم عليه السلام لما قبض نزل جبريل بالملائكة وغسلوه وقالوا لأولاده هذه سنة موتاكم وفى الحديث
"للمسلم على المسلم ستة حقوق ومن جملتها ان يغسله بعد موته" ثم هو واجب عملا بكلمة على ولكن اذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود واريد بالسنة فى حديث آدم الطريقة ولو تعين واحد لغسله لا يحل له اخذ الاجرة عليه وانما وجب غسل الميت لانه تنجس بالموت كسائر الحيوانات الدموية الا انه يطهر بالغسل كرامة له ولو وجد ميت فى الماء فلا بد من غسله لان الخطاب بالغسل توجه لبنى آدم ولم يوجد منهم فعل. وقيل ان الميت اذا فارقته الروح وارتاح من شدة النزع انزل فوجب على الاحياء غسله كذا فى حل الرموز وكشف الكنوز.
والفرق بين غسل الميت والحى انه يستحب البداءة بغسل وجه الميت بخلاف الحى فانه يبدأ بغسل يديه ولا يمضمض ولا يستنشق بخلاف الحى ولا يؤخر غسل رجليه بخلاف الحى ان كان فى مستنقع الماء ولا يمسح رأسه فى وضوء الغسل بخلاف الحى فى رواية كذا فى الاشباه.
والاشارة فى الآية { وان كنتم جنبا } بالالتفات الى غيرنا { فاطهروا } بالنفوس عن المعاصى وبالقلوب عن رؤية الطاعات وبالاسرار عن رؤية الاغيار وبالارواح عن الاسترواح من غيرنا وبسر السر عن لوث الوجود فلا بد من الطهارة مطلقا: قال الحافظ

جون طهارت نبود كعبه وبتخانه يكيست نبود خيردران خانه كه عصمت نبود

وفى وجوب الغسل اشارة وتنبيه الى وجوب الغسل الحقيقى لوجود القلب والروح ولتلوثه بحب الدنيا وشهواتها فيجب غسلها بماء التوبة والندامة والاخلاص فهو اوجب الواجبات وآكدها واستقصاء اهل الله فى تطهير الباطن اكثر واشد من استقصائهم فى طهارة الظاهر وقد يكون فى بعض متصوفة الزمان تشدد فى الطهارة فلو اتسخ ثوبه يغسله ولا يبالى بما فى باطنه من الغل وسائر الصفات الذميمة: قال السعدى قدس سره

كراجامه باكست وسيرت بليد دردوزخش را نبايد كليد

والقرآن لا يمسه الا المطهرون { وان كنتم مرضى } مرضا يخاف منه الهلاك او ازدياده باستعمال الماء { او } كنتم مستقرين { على سفر } طال او قصر { او جاء احد منكم من الغائط } هو المكان الغائر المطمئن والمجيىء منه كناية عن الحدث لان المعتاد ان من يريده يذهب اليه ليوارى شخصه عن اعين الناس { او لا مستم النساء } ملامسة النساء مماسة بشرة الرجل بشرة المرأة وهى كناية عن الجماع ومثل هذه الكناية من الآداب القرآنية اذ التصريح مستهجن { فلم تجدوا ماء } المراد من عدم وجدان الماء عدم التمكن من استعماله لان ما لا يتمكن من استعماله كالمفقود { فيتمموا صعيدا طيبا } اى فتعمدوا شيئاً من وجه الارض طاهرا فالصعيد هو وجه الارض ترابا او غيره سمى صعيدا لكونه صاعدا طاهرا والطيب بمعنى الطاهر سواء كان منبثا ام لا حتى لو فرضنا صخرا لا تراب عليه فضرب المتيمم يده عليه وسمح كان ذلك كافيا عند ابى حنيفةرحمه الله { فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه } اى من ذلك الصعيد اى الى المرفقين لما روى انه صلى الله عليه وسلم تيمم ومسح يديه الى مرفقيه ولانه بدل من الوضوء فيقدر بقدره والباء مزيدة ومن لابتداء الغاية والمعنى فانقلوا بعد وضعهما على الصعيد الى الوجوه والايدى من غير ان يتخللها ما يوجب الفصل { ما يريد الله } بالامر بالطهارة للصلاة او الامر بالتيمم { ليجعل عليكم من حرج } اى تضييقا عليكم فى الدين { ولكن يريد ليطهركم } اى لينظفكم او ليطهركم من الذنوب فان الوضوء مكفر لها كما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ايما رجل قام الى وضوئه يريد الصلاة ثم غسل كفيه نزلت خطيئة كفيه مع اول قطرة فاذا تمضمض نزلت خطيئة لسانه وشفتيه مع اول قطرة واذا غسل وجهه ويديه الى المرفقين ورجليه الى الكعبين سلم من كل ذنب هو عليه وكان كيوم ولدته امه"
.او ليطهركم بالتراب اذا اعوزكم التطهير بالماء { وليتم } بشرعه ما هو مطهرة لابدانكم ومكفرة لذنوبكم { نعمته عليكم } فى الدين اوليتم برخصته انعامه عليكم بعزائمه والرخصة ما شرع بناء على الاعذار والعزيمة ما شرع اصالة { لعلكم تشكرون } نعمته.
واعلم ان المقصود من طهارة الثوب وهو القشر الخارج البعيد ومن طهارة البدن وهو القشر القريب طهارة القلب وهو لب الباطن وطهارة القلب من نجاسات الاخلاق اهم الطهارات ولكن لا يبعد ان يكون لطهارة الظاهر ايضا تأثير فى اشراق نورها على القلب فاذا اسبغت الوضوء واستشعرت نظافة ظاهرك صادفت فى قلبك انشراحا وصفاء كنت لا تصادفه قبله وذلك لسر العلاقة التى بين عالم الملك وعالم الملكوت فان ظاهر البدن من عالم الشهادة والقلب من عالم الملكوت وكما ينحدر من معارف القلب آثار الى الجوارح فكذلك قد يرتفع من احوال الجوارح التى هى من عالم الشهادة آثار الى القلب ولذلك امر الله بالصلاة مع انها حركات الجوارح التى من عالم الشهادة ولذلك جعلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى الدنيا ومن الدنيا فقال
"حبب الى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة" ولا يستبعد ان يفيض من الطهارة الظاهرة اثر على الباطن وان اردت لذلك دليلا من الشرع فتفكر فى قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "خمس بخمس اذا اكل الربا كان الخسف والزلزلة واذاجار الحكام قحط المطر واذا ظهر الزنى كثر الموت واذا منعت الزكاة هلكت الماشية واذا تعدى على اهل الذمة كانت الدولة لهم"
.وان كنت تطلب لهذا مثلا من المحسوسات ايضا فانظر الى ما يفيض الله من النور بواسطة المرآة المحاذية للشمس على بعض الاجسام المحاذية للمرآة وبالجملة ان الله تعالى جعل الوضوء والتيمم من اسباب الطهارة فلا بد من الاجتهاد فى تحصيل الطهارة مطلقا وان كان التوفيق من الله تعالى: كما قال الحافظ

فيض ازل بزورزر ار آمدى بدست آب خضر نصيبه اسكندر آمدى

والاشارة فى الآية { وان كنتم مرضى } بمرض حب الدنيا { او على سفر } فى متابعة الهوى { او جاء احد منكم من الغائط } فى قضاء حاجة شهوة من الشهوات { او لامستم النساء } وهى الدنيا فى تحصيل لذة من اللذات { فلم تجدوا ماء } التوبة والاستغفار { فتيمموا صعيدا طيبا } فتمعكوا فى تراب اقدام الكرام فانه طهور للذنوب العظام { وامسحوا بوجوهكم } من تراب اقدامهم وشمروا لخدمتهم { وايديكم منه } لان فيه شفاء لقساوة القلوب ودواء لمرض الذنوب { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } بهذه الذلة والصغار { ولكن يريد ليطهركم } من الذنوب الكبار واكبر الكبائر الشرك بالله واعظم الشركاء الوجود مع وجود المعبود وهذا ذنب لا يغفر الا بالتمرغ فى هذا التراب ولوث لم يطهر الا بالالتجاء الى هذه الابواب { وليتم نعمته عليكم } بعد ذوبان نحاس انانيتكم بنار تصرفات هممهم العالية بطرح اكسير انوار الهوية { لعلكم تشكرون } اذ تهتدون بانوار الهوية الى رؤية انوار النعمة كذا فى التأويلات النجمية.