التفاسير

< >
عرض

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
١٩

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجاءت سكرة الموت بالحق } السكرة استعارة لشدة الموت وغمرته الذاهبة بالعقل انما لم يجعل الموت استعارة بالكناية ثم اثبات السكرة له تخييلا لان المقام أدعى للاستعارة التحقيقية وعبر عن وقوعها بالماضى ايذانا تحققهما وغاية اقترابها حتى كأنها قد أتت وحضرت كما قيل قد أتاكم الجيش اى قرب انيابه والباء اما للتعدية كما فى قولك جاء الرسول بالخبر والمعنى حضرت سكرة الموت اى شدته التى تجعل الانسان كالسكران بحيث تغشاه وتغلب على عقله حقيقة الامر الذى نطق به كتاب الله ورسله او حقيقة الامر وجلية الحال من سعادة الميت وشقاوته واما للملابسة كالتى فى قوله تعالى { تنبت بالدهن } اى ملتبسة بالحق اى بحقية الامر او بالحكمة والغاية الجميلة وقال بعضهم أتت وحضرت بأمر الله الذى هو حق (وحكى) ان رجلا أتى عمر رضى الله عنه فقال انى احب الفتنة واكره الحق واشهد بما لم أره فحبسه عمر رضى الله عنه فبلغت قصته عليا رضى الله عنه فقال ياعمر حبسته ظلما فقال كيف ذلك قال لانه يحب المال والولد قال تعالى { انما امولكم واولادكم فتنة } ويكره الموت وهو الحق قال تعالى { وجاءت سركة الموت بالحق } ويشهد بأن الله واحد لم يره فقال عمر لولا على لهلك عمر { ذلك } اى يقال للميت بلسان الحال وان لم يكن بلسان القال او تقول ملائكة ذلك الموت ياانسان { ما } موصولة اى الامر الذى { كنت } فى الدنيا { منه } متعلق بقوله { تحيد } من حاد عنه يحيد حيدا اذا مال عنه اى تميل وتهرب منه وبالفارسية مى كريختى ومى ترسيدى واورا مكروه ميداشتى. بل تحسب انه لاينزل عليك بسبب محبتك الحياة الدنيا كما فى قوله { اولم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال } اى أقسمتم بألسنتكم بطرا واشرا وجهلا وسفها او بألسنة الحال حيث بنيتم مشيدا واملتم بعيدا ولم تحدثوا انفسكم بالانتقال منها الى هذه الحالة فكأنكم ظننتم انكم مالكم من زوال مما أنتم عليه من التمتع بالحظوظ الدنيوية فالخطاب فى الآية للانسان المتقدم على طريق الالتفات فان النفرة عن الموت شاملة لكل فرد من افراده طبعا ويعضده ماروى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت اخذت ابا بكر غشية من الموت فبكيت عليه فقلت

من لايزال دمعه مقنعا لابد يوما انه مهراق

فأ فاق ابو بكر رضى الله عنه فقال بل جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد وماروى انها قالت ان من نعم الله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى فى بيتى وبين سحرى ونحرى وان الله جمع بين ريقى وريقه عند موته ودخل عبدالرحم بن ابى بكر رضى الله عنه على وبيده سواك وانا مسندة رسول الله فرأيته ينظر اليه وعرفت انه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناوله فاشتد عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته فأمره وبين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يده فى الماء فيمسح بها وجهه ويقول "لا اله الا الله ان للموت سكرات" ثم نصب يده فجعل يقول فى الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده، وجوز فى الكشاف ان تكون الاشارة الى الحق والخطاب للفاجر وهذا هو الظاهر لان الكلام فى الفجار قاله سعدى المفتى وفى الحديث القدسى "ومارددت فى شىء انا فاعله" بتشديد الدال يعنى مارددت ملائكتى الذين يقبضون الارواح (مارددت فى قبض نفس عبدى المؤمن) اى مثل ترديدى اياهم فى قبض ارواح المؤمنين بأن أقول اقبضوا روح فلان ثم أقول لهم أخروه وفى بعض النسخ ماترددت ولما كان التردد وهو التحير بين الشيئين لعدم العلم بأن الاصلح ايهما محا لافى حق الله تعالى حمل على منتهاه وهو التوقف يعنى ماتوقفت فيما أفعله مثل توقفى فى قبض نفس المؤمن فانى اتوقف فيه وأريه ماأعددت له من النعم والكرامات حتى يميل قلبه الى الموت شوقا الى لقائى (يكره الموت) استئناف عمن قال ماسبب ترددك أراد به شدة الموت لان الموت نفسه يوصل المؤمن الى لقاء الله فكيف يكرهه المؤمن (وانا اكره مساءته) اى اذاه بما يلحقه من صعوبة الموت وكربه (ولابد منه) اى للعبد من الموت لا انه مقدر لكل نفس كذا فى شرح المشارق لابن الملك قال فى كشف الاسرار هرجندكه حالت مرك بظاهر صعب مى نمايد لكن دوستانرا اندران حال در باطن همه عز وناز باشد واز دوست هر لمحه راحتى ودر هرساعتى خلعتى آيد مصطفى عليه السلام زينجا كفته (تحفة المؤمن المؤت) هيج صابح صدق از مرك نترسد حسين بن على رضى الله عنهما بدررا ديدكه بيراهن حرب ميكرد كفت ليس هذا زى المحاربين على كفت مايبالى ابوك أسقط على الموت ام سقط الموت عليه صدق زاد سفر مرك است ومرك راه بقاست وبقا سبب لقاست من احب لقاء الله احب الله لقاءه عمار بن ياسر رضى الله عنه عمروى به نودسال رسيدنيزه درست كرفتى ودستشى مى لرزيدى مصطفى عليه السلام اورا كفته بود آخر قوت تواز طعام دنيا شربتى شير باشددر حرب صفين عمار حاضر بودنيزه دردست كرفته وتشنكى بروى افتاده شربتى آب خواست قدحى شير بى دادنديادش آمد حديث مصطفى كه امروز روز دولت عمارست آن شربت بكشيد وبيش رفت وميكفت اليوم نلقى الاحبه محمدا وحزبه (وفى المثنوى)

همجنين باد اجل باعارفان نرم وخوش همجون نسيم يوسفان
آتش ابراهيم را دندان نزد جون كزيده حق بود جونش كزد
بس رحال ازنقل عالم شادمان وزيقايش شادمان اين كود كان
جونكه آب خوش نديد آن مرغ كور بيش او كوثر نمايد آب شور

وعن صاحب المثنوى انه لما حضره الموت ورأى ملك الموت عند الباب قال

بيش ترابيش ترجان من بيك در حضرت سلطان من

قالوا ينزل عند الموت اربعة من الملائكة ملك يجذب النفس من قدمه اليمنى وملك يجذبها من قدمه اليسرى وملك يجذبها من يده اليمنى وملك يجذبها من يسده اليسرى فيجذبونها من اطراف البنان ورؤس الاصابع ونفس المؤمن المطيع تنسل انسلال القطرة من السقاء واما الفاجر فينسل روحه كالسفود من الصوف المبلول وهو يظن ان بطنه قد ملئت شوكا وكأن نفسه تخرج من ثقب ابرة كأن السماء انطبقت على الارض وهو بينهما فان قلت مع وجود هذه السكرات لم لايصيح المحتضر كما يصيح من به ألم من الضرب وغيره قلت انما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته فى قلبه وفى لسانه وانما ينقطع صوت الميت وصياحه من شدته لان الكرب قد بولغ فيه وتصاعد على قلبه وغلب على كل موضع منه اعنى البدن فهد كل قوة واضعف كل جارحة فلم يترك له قوة الاستغاثة قال وهب بن منبه بلغنا انه ما من ميت يموت حتى يرى الملكين اللذين كانا يحفظان عمله فى الدنيا فان صحبهما بخير قالا جزاك الله خيرا فرب مجلس خير قد أجلستنا وعمل صالح قد احضرتنا وان كان رجل سوء قالا جزاك الله شرا فرب مجلس شر قد اجلستنا ورب كلام سوء قد اسمعتنا قال فذلك الذى يشخص بصر الميت ثم لايرجع الى الدنيا ابدا (قال الشيخ سعدي)

دريغست فرموده ديوزشت كه دست ملك برتو خواهد نوشد
روا دارى ازجهل ونايا كيت كه با كان نويسند بايا كيت

وربما كشف للميت عن الامر الملكوتى قبل أن يغرغر فعاين الملائكة على حقيقة عمله اى على صورهى حقائق اعماله فان كانت اعماله حسنة يراهم صورة حسنة وان كانت سيئة فعلى صور قبيحة ثم مراتب الحسن والقبح متفاوتة بحسب حسن الاعمال وقبحها وبحسب انواعها فالملائكة لايراهم البشر على مايتحيزون اليه من عالمهم الا ماكان من النبى عليه السلام من رؤية جبريل مرتين على صورته الاصلية.
وفى التأويلات النجمية اذا اشرف الناس على الخروج من الدنيا فأحوالهم تختلف فمنهم من يزداد فى ذلك الوقت خوفه ولا يتبين حاله الا عند ذهاب الروح ومنهم من يكاشف قبل خروجه فيسكن روعه ويحفظ عليه قلبه ويتم له حضوره وتمييزه فيسلم الروح على مهل من غير استكراه وعبوس ومنهم ومنهم وفى معناه يقول بعضهم

أنا ان مت فالهوى حشو قلبى وابتدآء الهوى بموت الكرام

قال بعض الكبار ان السيد عبدالقادر الجيلى قدس سره لما حضرته الوفاة وضع خده على الارض وقال هذا هو الحق الذى كنا عنه فى حجاب فشهد على نفسه بأن مقام الادلال الذى كان فيه نقص بالنسبة الى حاله الذى ظهر له عند الموت وتمم الله حاله عند الموت مات على الكمال وعكس هذا ماحكى ان مولانا حميد الدين اخذه اضطراب عظيم فى مرض موته فقيل له اين علومك ومعارفك فقال يطلبون منا القلب وأحوال القلب وذلك غير موجود عندنا فالاضطراب من تلك الجهة (وروى) لبعضهم كلمات عالية ثم رؤى حالة الرحلة فى غاية التشويش وقد ذهب عنه التحقيقات وذلك لان الامر الحاصل بالتكلف لايستقر حال المرض والهرم فكيف حال مفارقة الروح فلذا انتقل البعض فى مقام القبض والهيبة وقد روى ان بعضهم ضحك عند الموت وقال لمثل هذا فليعمل العاملون وبعضهم بكى وقال مالهذا نسعى طول عمرنا وأراد تجلى الله تعالى عند ذلك فاذا كان حال ارباب الاحوال هكذا فما ظنك بأحوال غيرهم وقد قالوا ان سكرات الموت بحسب الاعمال والاحوال وقد تظهر صفات حسنها وقبحها عند الموت فالمغتاب تقرض شفاهه بمقاريض من نار والسامع للغيبة يسلك فى اذنيه نار جهنم وآكل الحرام يقدم له الزقوم كذلك الى آخر اعمال العبد كل ذلك يظهر عند سكرات الموت فالميت يجوزها سكرة بعد سكرة فعند آخرها يقبض روحه وكان عليه السلام يقول "اللهم هون على محمد سكرات الموت" وانما لايستعيذ اكثر الناس من الموت ومن أهواله وسكراته لما غلب عليهم من الجهل فان الاشياء قبل وقوعها انما تدرك بنور النبوة والولاية ولذلك عظم خوف الانبياء والاولياء من الموت

يامن بدنياه اشتغل وغره طول الأمل
الموت يأتى بغتة والقبر صندوق العمل

(قال الحافظ)

سمهر برشده بروبزنيست خون افشان كه رزيه اش سركسرى وتاج برويزست

بدان اى جوانمرد كه از عهد آدم تافناى عالم كسى ازمرك زست تونيز نخواهى رست الموت كاس وكل الناس شاربه

خانه بركندم ويك جو نفر ستاده بكور غم مركت جو غم برك زمستانى نيست