التفاسير

< >
عرض

مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
٢٩

روح البيان في تفسير القرآن

{ مايبدل القول لدى } اى لايغير قولى فى الوعد والوعيد فما يظهر فى الوقت هو الذى قضيته فى الازل لامبدل له والعفو عن بعض المذنبين لاسباب داعية اليه ليس بتبديل فان دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد يعنى ولا مخصص فى حق الكفار فالوعيد على عمومه فى حقهم قال الجلال الدوانى فى شرح العضد ذهب بعض العلماء الى ان الخلف فى الوعيد جائز على الله تعالى لافى الوعد وبهذا وردت السنة حيث قال عليه السلام "من وعد لاحد على عمله ثوابا فهو منجز له ومن اوعده على عمله عقابا فهو بالخيار" والعرب لا تعد عيبا ولا خلفا أن يعد شرا ثم لايفعله بل ترى ذلك كرما وفضلا وانما الخلف أن يعد خيرا ثم لايفعله كا قال

وانى اذا أوعدته او وعدته لمخلف ايعادى ومنجز موعدى

واحسن يحيى بن معاذ رضى الله عنه فى هذا المعنى حيث قال الوعد والوعيد حق فالوعد حق العباد على الله ضمن لهم اذا فعلوا ذلك ان يعطيهم كذا ومن اولى بالوفاء من الله والوعيد حقه على العباد قال لاتفعلوا كذا فأعذبكم ففعلوا فان شاء عفا وان شاء آخذ لانه حقه واولاهما العفو والكرم لانه غفور رحيم فالله تعالى لايغفر أن يشرك به فينجز وعيده فى حق المشركين ويغفر مادون ذلك لمن يشاء فيجوز أن يخلف وعيده فى حق المؤمنين ولاهل الحقائق كلام آخر مذكور فى محله عافانا الله واياكم من بلائه { وما أنا بظلام للعبيد } اى وما انا بمعذب للعبيد بغير ذنب من قبلهم والتعبير عنه بالظلم مع ان تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم على ماتقرر من قاعدة أهل السنة فضلا عن كونه ظلما مفرطا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة مايستحيل صدوره عنه من الظلم وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بأبراز ماذكر من التعذيب بغير ذنب فى معرض المبالغة فى الظلم وقيل هى لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده على انها مبالغة كمالا كيفا وقال بعضهم يفهم من ظاهر العبارة جواز الظلم المحال منه تعالى اذا النفى مسلط على القيد الذى هو الظلامية والجواب على مااختاره كثير من المحققين ان المبالغة مسلطة على النفى لاعلى القيد كما فى قوله ماانا بكذوب يعنى ان اصله ليس بظالم ثم نقل مع نفيه الى صيغة المبالغة فكانت المبالغة راجعة الى النفى على معنى ان الظلم منفى عنه نفيا مؤكدا مضاعفا ولو جعل النفى داخلا على صيغة المبالغة بأن ضعف ظالم بدون نفيه ثم أدخل عليه النفى لكان المعنى ان ضعف الظلم منفى عنه تعالى ولايلزم منه نفى أصله والله تعالى منزه عن الظلم مطلقا يقول الله تعالى "انى حرمت الظلم على نفسى وحرمته على عبادى فلا تظالموا" ويقول الله تعالى "اشتد غضبى على من ظلم من لايجد ناصرا غيرى" وعن بعض السلف دعوتان ارجوا احداهما كما أخشى الاخرى دعوة المظلوم أعنته ودعوة ضعيف ظلمته وكان من ديدن السلطان بسمرقند الامتحان بنفسه مرات لطلبة مدرسته المرتبين أعالى وأواسط وأدانى بعد تعيين جماعة كثيرة من العدول غير المدرس للامتحان من الأفاضل حذرا من الحيف وكان يعد الحيف فى الرتبة بين المستعدين من قبيل الكفر فى الدين (قال الشيخ سعدى)

جوخواهى كه فردا برىمهترى مكن دشمن خويشتن كهترى
كه جون بكذرد برتواين سلطنت بكيرد بقهرآن كدا دامنت

وفى الآية اشارة الى أن الله تعالى قال "هؤلاء فى الجنة ولا ابالى وهؤلاء فى النار ولا ابالى" فلا يبدل قوله تعالى فلابد للجنة من أهلها وللنار من أهلها ولو عكس وجعل أهل الجنة فى النار واهل النار فى الجنة لكان مخالفا للحكمة لان الجنة دار الجمال فهى مقر للمؤمنين والنار دار الجلال فهى مقر للكافرين كما ان القلب مقر الاوصاف الحميدة والنفس مقر الاوصاف الذميمة ولذا لايدخل أهل النفس جنة القلب لان النور والظلمة لايجتمعان فاعرف