التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
٣٠

روح البيان في تفسير القرآن

{ يوم } اى اذكر يامحمد لقومك ويشمل كل من شأنه الذكر يوم { نقول } بما لنا من العظمة { لجهنم } دار العذاب وسجن الله للعصاة { هل امتلأت } بمن القى فيك وهل اوفيتك ماوعدتك وهو قوله لأملأن جهنم وقوله لكل واحدة منكما ملؤها فهذا السؤال من الله لتصديق خبره وتحقيق وعده والتقريع لاهل عذابه والتنبيه لجميع عباده { وتقول } جنهم مجيبة بالاستفهام تأدبا وليكون الجواب وفق السؤال { هل من مزيد } اى من زيادة من الجن والانس فيكون مصدرا كالمحيد او من يزاد فيكون مفعولا كالمبيع ويجوز أن يكون يوم ظرفا لمقدر مؤخر اى يكون من الاحوال والاهوال مايقصر عنه المقال واختلف الناس فى ان الخطاب والجواب هل هما على الحقيقة اولا فقال بعضهم هما على الحقيقة فينطقها الله بذلك كما ينطق الجوارح وهو المختار فان الله على كل شىء قدير وامور الآخرة كلها او جلها على خلاف ماتعورف فى الدنيا وقد دلت الاحاديث على تحقق الحقيقة فلا وجه للعدول الى المجاز كما روى من زفرتها وهجومها على الناس يوم الحشر وجرها الملائكة بالسلاسل وقولها جزيا مؤمن فان نورك اطفأ لهبى ونحو ذلك مما يدل على حياتها الحقيقة وادراكها فان مطلق الجمادات لها تلك الحياة فى الحقيقة فكيف بالدارين المشتملين على الشؤون العجيبة والافعال الغريبة وان الدار الآخرة لهى الحيوان وقال بعضهم سؤال وجواب جيىء بهما على منهاج التمثيل والتخييل لتهويل امرها يعنى ان المقصود تصوير المعنى فى القلب وتبيينه فهى بحيث لو قيل لها ذلك وهى ناطقة لقالت ذلك وايضا دلت بحالها على النطق كقولهم

امتلأت الحوض وقال قطنى مهلا رويدا قد ملأت بطنى

يعنى انها مع اتساعها وتباعد اطرافها واقطارها بطرح فيها الجنة والناس فوجا بعد فوج حتى تمتلىء بهم وتصير بحيث لايسعها شىء ولايزاد فيها فالاستفهام على معنى التقرير ونفى المزيد اى وهل عندى موضع يزاد فيه شىء اى قد امتلأت وحصل فى موعودك وصرت بحث لاأسع ابرة وبالفارسية لامزيد برشدم وزيادتى را اكنجايش نيست. فالمعنى الممثل هو الامتلاء وهو كقوله تعالى { أانت قلت للناس اتخذونى وأمى الهين } فانه سؤال تقرير لا سؤال استفهام وكقوله عليه السلام يوم فتح مكة "هل بقى لنا عقيل دارا" اى مابقى لنا دارا ويجوز أن يكون المعنى انها لغيظها على الكفار والعصاة كأنها تطلب زيادتهم وتستكثرهم ويجوز أن يكون السؤال استدعاء للزيادة فى الحقيقة لان مايلقى فيها كحلقة تلقى فى اليم. يعنى زيادتى كن وحق تعالى ديكر كافر بوى فرستاد تابرشود. ويجوز أن يكون المعنى انها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد محل فارغ وموضع زيادة فان قلت هذا يخالف قوله تعالى { لأملأن جهنم } قلت ورد فى الحديث لاتزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار فيها قدمه فيزوى بضعها الى بعض يعنى فيحصل الامتلاء وبه تندفع المخالفة

اين قدم حق را بود كورا كشد غير حق را كه كمان اوكشد

وفى رواية حتى يضع فيها رب العزة او رب العرش قدمه فتقول قط قط اى حسبى حسبى وعزتك. قوله ويزوى بالزاى المعجمة على بناء المجهول اى يضم ويجمع من غاية الامتلاء وآخر الحديث لايزال فى الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة كما فى كشف الاسرار وفى رواية ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله عليه السلام "تحاجت الجنة والنار فقالت النار اوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فمالى لايدخلنى الا ضعفاء الناس وسقطهم فقال الله تعالى للجنة انما أنت رحمتى أرحم بك من اشاء من عبادى وقال للنار انما أنت عذابى أعذب بك من اشاء من عبادى ولكل واحدة منكما ملؤها فاما النار فانهم يلقون فيها وتقول هل من مزيد فلا تمتلىء حتى يضع الله فيها رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلىء ويزوى بعضها الى بعض ولايظلم الله من خلقه احدا واما الجنة فينشىء الله لها خلقا" . وفى القاموس حتى يضع رب العزة فيها قدمه اى الذين قدمهم من الاشرار فهم قدم الله للنار كما ان الاخيار قدمه الى الجنة او وضع القدم مثل للردع والقمع اى يأتيها امر يكفها عن طلب المزيد انتهى كما قال فى بحر العلوم وضع القدم على الشىء مثل للردع والكف وقال بعضهم يضربها من جبروته بسوط اهانة ويستمرون بين دولتى الحر والزمهرير وعامة عذاب ابليس بالزمهرير لانه يناقض ماهو الغالب عليه فى اصل خلقته وقال ابن ملك وضعها كناية عن دفعها وتسكين سورتها كما تقول وضعت رجلى على فلان اذا قهرته وفى الكواشى قدمه اى ماقدمه فى قوله "سبقت رحمتى على غضبى" اى يضع رحمته انتهى او المراد من القدم قوم مسمى بهذا الاسم وايضا المراد بالرجل جماعة من الناس وهو وان كان موضوعا لجماعة كثيرة من الجراد لكن استعارته لجماعة من الناس غير بعيدة ومنهم من يقول المراد به قدم بعض مخلوقاته اضافها الى الله تعظيما كما قال فنفخنا فيه من روحنا وكان النافخ جبريل وفى عين المعانى القدم جمع قديم كأديم وأدم اى على كل ماتقدم او قوم قدمهم الى النار ويروى قدمه بكسر القاف اى قوما قدموا بنى آدم فى الدنيا وروى رجلى وهو الجمعة من الناس وقيل قدمه أهل قدمه الذين لهم قدم صدق عند ربهم يعنى العاصين من أهل التوحيد انتهى ومنهم من قال القدم اسم لقوم يخلقهم الله لجهنم قال القاضى عياض هذا أظهر التأويلات لعل وجهه ان اماكن اهل الجنة تبقى خالية فى جهنم ولم ينقل ان أهلها يرثون تلك الأماكن ويقال لهم ان الله يختص بنقمته من يشاء كما يرث أهل الجنة أماكن أهل النار فى الجنة غير جنة أعمالهم ويقال لهم ان الله يختص برحمته من يشاء وهذا من نتائج قوله تعالى "سبقت رحمتى على غضبى" فيخلق الله خلقا على مزاج لو دخلوا به الجنة لعذبوا فيضعهم فيها فان قلت اذا لائم مزاجهم النار فأنى يتصور التعذيب قلنا الموعود ملؤها لا تعذيب كل من فيها وقال بعض الاكابر ليس فى النار دركات اختصاص الهى ولا عذاب اختصاص الهى من الله فان الله ماعرفنا قط انه اختص بنقمته من يشاء كما اخبرنا انه يختص برحمته من يشاء فأهل النار معذبون بأعمالهم لاغير وأهل الجنة ينعمون بأعمالهم وبغير أعمالهم فى جنات الاختصاص فلأهل السعادة ثلاث جنات جنة الاعمال كمالأهل الشقاوة جحيم الاعمال ولهم خاصة جنات الاختصاص وجنات الميراث وهى التى كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة كما قال تعالى { تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا } وذلك انه ما من شخص من الجن والانس الا وله فى الجنة موضع وفى النار موضع وذلك لامكانه الاصلى فانه قبل كونه يمكن أن يكون له البقاء فى العدم او يوجد فمن هذه الحقيقة له قبول النعمة وقبول العذاب قال تعالى ولو شاء لهداكم اجمعين اى أنتم قابلون لذلك ولكن حقت الكلمة وسبق العلم ونفذت المشيئة فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه ولم يقل فى اهل النار انهم يرثون من النار أماكن أهل الجنة لو دخلوا النار وهذا من سبق الرحمة بعموم فضله سبحانه فما نزل من نزل فى النار الا بأعمالهم ولهذا يبقى فيها أماكن خالية وهى الا ماكن التى لو دخلها اهل الجنة عمروها فيخلق الله خلقا يعمرونها على مزاج لو دخلوا به الجنة لعذبوا وهو قوله عليه السلام فيضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط اى حسبى حسبى فانه تعالى يقول لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد وقد قال للجنة والنار لكل واحدة منكما ملؤها فما اشترط لهما الا أن يملأهما خلقا مااشترط عذاب من يلمؤها بهم ولا نعيمهم وان الجنة اوسع من النار بلا شك فان عرضها السموات والارض فما ظنك نطولها فهى للنار كمحيط الدآئرة والنار عرضها قدر الخط الذى يميز قطرى دآئرة فلك الكواكب الثابتة فاين هذا الضيق من تلك السعة وسبب هذا الاتساع جنات الاختصاص الالهى فورد فى الخبر انه يبقى ايضا فى الجنة أماكن مافيها أحد فيخلق الله خلقا للنعيم يعمرها بهم وهو أن يضع الرحمن فيها قدمه أى آخر وجود يعطيه وليس ذلك الا فى جنات الاختصاص فالحكم لله تعالى العلى الكبير فمن كرمه انه ماانزل أهل النار الا على اعمالهم خاصة واما قوله تعالى { زدناهم عذابا فوق العذاب } فذلك لطائفة مخصومة هم الائمة المظلون ثم لابد لاهل النار من فضله ورحمته فى نفس النار بعد انقضاء مدة موازنة ازمان العمل فيفقدون الاحساس بالآلام فى نفس النار فتتخلد جوارحهم بأزالة الروح الحساس منها اذ ليسوا بخارجين منها فلا يموتون فيها ولايحيون وثم طائفة يعطيهم الله بعد انقضاء موازنة المدد بين العذاب والعمل نعيما خياليا مثل مايراه النائم ونضج جلودهم خدرها فزمان النضج والتبديل يفقدون الآلام لخمود النار فى حقهم فيكونون فى النار كالامة التى دخلتها وليست من أهلها فأماتهم الله فيها اماته فلا يحسون بما تفعله النار فى أبدانهم الحديث بكامله ذكره مسلم فى صحيحه وهذا من فضل الله ورحمته يقول الفقير للانسان الكامل قدمان قدم الجلال وقدم الجمال وبالاولى تمتلىء جهنم وبالثانية تمتلىء الجنة وبيان ذلك ان جهنم مقام أهل الطبيعة والنفس يعنى انها مظهر قدم الجلال والجنة مقام أهل الروح والسر يعنى انها مظهر قدم الجمال والاعراف مقام اهل القلب لمناسبة بين الاعراف والقلب من حيث انه مقام بين الجنة والنار كما ان القلب برزخ بين الطبيعة والنفس وبين الروح والسر وللانسان الكامل نشأة جنانية روحانية ونشأة دنيوية جسمانية فهو لايدخل الجنة الا بمرتبة الروح والسر فتبقى صورته الطبيعية والنفسية المتعلقة بنشأته العنصرية فيملأ الله سبحانه جهنم بهذه البقية يعنى يظهر مظاهر جلالته من تلك البقية فيملأها بها حتى تقول قط قط فمادام لم يظهر هذه التجلى من الانسان الكامل لاتزال جهنم تقول هل من مزيد وهو المراد بقدم الجبار كذا فى الحديث واليه أشار الشيخ الكبير رضى الله عنه فى الفكوك بقوله واخبرت من جانب الحق ان القدم الموضوع فى جهنم هو الباقى فى هذا العالم من صور الكمال مما لا يصحبهم فى النشأة الجنانية وكنى عن ذلك الباقى بالقدم لمناسبة شريفة لطيفة فان القدم من الانسان آخر اعضائه صورة فكذلك نفس صورته العنصرية آخر أعضاء مطلق الصورة الانسانية لان صور العالم بأجمعها كالاعضاء لمطلق صورة الحقيقة الانسانية وهذه النشأة آخر صورة ظهرت منها الحقيقة الانسانية وبها قامت الصور كلها التى قلت انها كالاعضاء انتهى وقال ايضا ان الجنة لاتسع انسانا كاملا وانما منه فى الجنة مايناسب الجنة وفى كل عالم مايناسب ذلك العالم وما يستدعيه ذلك العالم من الحق من حيث مافى ذلك العالم من الانسان بل أقول ولو خلت جهنم منه لم تبق وبه امتلأت واليه الاشارة بقدم الجبار المذكور فى الحديث انتهى ايضا وقال الشيخ روزبهان البقلى فى عرائس البيان ان جهنم لتشتاق الى الله كما تشتاق اليه الجنة فاذا رأى سبحانه حالها من الشوق اليه يضع اثقال سطوات قهر القدم عليها بنعت التجلى فتملأ من العظمة وتصير عند عظمة الله كلاشىء ورب طيب فى قلوب الجهنميين فى تلك الساعه من رؤية جلال عظمته ومن رؤية أنوار قدم القدم فتصير نيرانها وردا وريحانا من تأثير بركة ظهورة لها انتهى وفى الآية اشارة الى ان جهنم صورة النفس الانسانية فكما ان النفس لايشبعها شىء وهى فى طلب المزيد مطلقا فكذا صورتها دار العذاب تطلب المزيد فهما على نسق واحد كاللفظ والمعنى يعنى ان النفس الانسانية حريصة على الدنيا وشهواتها فكلما ألقى فيها نوع منها ويقال لها هل امتلأت تقول هى هل من مزيد من أنواع الشهوات فلا يملأ جوف ابن آدم الا التراب

آن شنيد ستى كه درصحراى غور بارسلارى درافتاد ازستور
كفت جشتم تنك دنيا داررا ياقناعت بر كند ياخاك كور

وايضا ان الحرص الانسانى قشر محبة الله بل هو عين المحبة اذا كان متوجها الى الدنيا وشهواتها يسمى الحرص واذا كان متوجها الى الله وقربانه يسمى محبة فاعلم ان مازاد فى الحرص نقص فى المحبة وما نقص من الحرص زاد فى المحبة واذا اشتعلت نار المحبة فلا تسكن نائرتها بما يلقى فيها من محبوبات الدنيا والآخرة بل يكون حطبها وتزيد بعضها الى بعض وتقول قط قط كما فى التأويلات النجمية