التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ
٥٦
-الذاريات

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } قرأ يعقوب ليعبدونى وكذا يطعمونى ويستعجلونى كما سيأتى باثبات ياء المتكلم فيهن وصلا ووقفا وحذفها الباقون فى الحالين والعبادة ابلغ من العبودية لان العبودية اظهار التذلل والعبادة غاية التذلل ولايستحقها الا من له غاية الافضال قال بعض الكبار العبادة ذاتية للمخلوق لانها ذلة فى اللغة العربية وانما وقع التكليف بالافعال المخصوصة التى هى العبادة الوصفية للتنبيه على تلك الذلة الذاتية حتى يتذللوا ويتخضعوا لربهم وخالقهم بالوجه المشروع ولعل تقديم خلق الجن فى الذكر لتقدمه على خلق الانس فى الوجود ومعنى خلقهم لعبادته تعالى خلقهم مستعدين لها اتم استعداد ومتمكنين منها اكمل مع كونها مطلوبة منهم بتنزيل ترتيب الغاية على ماهى ثمرة له منزلة ترتب الفرض على ماهو غرض له فان استتباع افعاله تعالى لغايات جليلة مما لانزاع فيه قطعا كيف لا وهى رحمة منه تعالى وتفضل على عباده وانما الذى لايليق بجنابه تعالى تعليلها بالغرض بمعنى الباعث على الفعل بحيث لولاه لم يفعل لافضائه الى استكماله بفعل وهو الكامل بالفعل من كل وجه واما بمعنى نهاية كمالية يفضى اليها فعل الفاعل الحق فغير منفى من افعاله تعالى بل كلها جارية على ذلك المهاج وعلى هذا الاعتبار يدر وصفه تعالى بالحكمة ويكفى فى تحقق معنى التعليل على مايقوله الفقهاء ويتعارفه اهل اللغة هذا المقدار وبه يتحقق مدلول اللام واما ارادة الفاعل لها فليست من مقتضيات اللام حتى يلزم من عدم صدور العبادة عن البعض تخلف المراد عن الارادة فان تعوق البعض عن الوصول الى الغاية مع تعاضد المبادى وتأخر المقدمات الموصلة اليها لايمنع كونها غاية كما فى قوله تعالى { كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور } ونظائره كذا فى الارشاد قال سعدى المفتى فاللام حينئذ على حقيقتها فتأمل انتهى والحاصل ان قوله الا ليعبدون اثبات السبب الموجب للحق فهذه اللام لام الحكمة والسبب شرعا ولام العلة عقلا قال المولى رمضان فى شرح العقائد واستكماله تعالى بفعل نفسه جائز بل واقع فانه تعالى حين اوجد العالم قد استكمل بكمال الموجدية والمعروفية على مانطق به قوله تعالى{ وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون } اى ليعرفون وهو كمال اضافى يجوز الخلو عنه انتهى مقصود الهى ازهمه كمال جلا واستجلاست كه درانسان كامل جمعا وتفصيلا بظهور آمد ودر عالم تفصيلا فقط سؤال طلب اين مقصودنه استكمالست كه مستدعى سبق نقصا نست جنانكه اهل كلام ميكويندكه افعال الله معلل بأغراض نشايد بودن جواب آنجه محذورست استكمال بغير است واين استكمال بصفات خوادست نه بغير كذا فى تفسير الفاتحة للشيخ صدر الدين القنوى قدس سره وكذا قال فى بعض شروح الفصوص ان للحق سبحانه كمالا ذاتيا وكمالا اسمائيا وامتناع استكماله بالغير انما هو فى الكمال الذاتى لا الا سمائى فان ظهور آثار الاسماء ممتنع بدون المظاهر الكونية انتهى (قال المولى الجامى)

وجود قابل شرط كمال اسمائيست وكرنه ذات نباشد بغير مستكمل

(وقال ايضا)

اى ذات رفيع تونه جوهرنه عرض فضل وكرمت نيست معلل بغرض

يعنى حق سبحانه وتعالى بحسب كمال ذاتى ازوجود عالم وعالميان مستغنيست كما قال تعالى والله هو الغنى وجون ظهور كما اسمائى موقوفست بروجود اعيان ممكنات بس آنرا ايجاد كرد

تاخود كردد بجملة اوصاف عيان واجب باشدكه ممكن آيد بميان
ورنه بكمال ذاتى از آدميان فردست وغنى جنانكه خود كرد بيان

والا شاعرة أنكروا صحة توجيه تعليل افعال الله تعالى معنى وان كان واقعا لفظا تمسكا بأن الله تعالى مستغن عن المنافع فلا يكون فعله لمنفعة راجعة اليه ولا الى غيره لانه تعالى قادر على ايصال تلك المنفعة من غير توسيط العمل فلا يصلح أن يكون غرضا فعندهم لام التعليل يكون استعارة تبعية تشبيها لعبادة العباد بما يفرض علة لخلقه فى الترتب عليه واكثر الفقهاء والمعتزلة قالوا بصحته لمنفعة عائدة على عباده تمسكا بأن الفعل الخالى عن الغرض عبث والعبث من الحكيم محال كما فى شرح المشارق لابن الملكرحمه الله قال ابن الشيخ استدلت المعتزلة بقوله تعالى { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } على ان افعال الله معللة بالاغراض على ان مراد الله جائزان يتخلف عن ارادته اذا كان المراد من الافعال الاختيارية للعباد وجه دلالته عليها هو ان وضع اللام لأن تدخل على ماهو غرض من الفعل فتكون العبادة غرضا من خلق الجن والانس والغرض يكون مرادا فينتج ان العبادة غرض من جميع الجن والانس وظاهر ان بعضا منهم لم يعبده فتخلف مراده عن ارادته وهو المطابق والجواب عن الاول انه لما دل الدليل القطعى على انه تعالى لايفعل فعلا لغرض وجب أن يؤول اللام فى مثل هذه المواضع بأن يقال ان الحكم والمصالح التى تترتب على فعله تعالى وتكون هى غاية له لما كانت بحيث لو صدر ذلك الفعل من غيره تعالى لكانت هى عرضا لفعله شبهت بالغرض الحقيقى فدخلت عليها اللام الدالة على الغرض لاجل ذلك التشبيه واطلق عليها اسم الغرض لذلك حتى قيل الغرض من خلق مافى الارض انتفاع الناس به لقوله تعالى { هو الذى خلق لكم مافى الارض جميعا } وهذا الجواب انما يتأتى فى اللام الداخلة على ماهو غاية مترتبة على الفعل ولا ينفع فى قوله تعالى { الا ليعبدون } لان العبادة لم تكن غاية مترتبة على خلق كثير من الجن والانس حتى يقال انها شبهت بالغرض من حيث كون الفعل مؤديا اليها وكونها مترتبة عليه فاطلق عليها اسم الغرض ودخل عليها لام الغرض لذلك ولكنه لو تم لكان جوابا عن الاستدلال الثانى لانه مبنى على كون مدلول اللام غرضا وفى نفس الامر وما كان غرضا على طريق التشبيه لايكون مرادا فلا يلزم من عدم ترتبه على الفعل تخلف المراد عن الارادة فلا يتم الاستدلال واشار المصنف الى جوابه بقوله لما خلقهم على صورة متوجهة الى العبادة مستعدة لها جعل خلقهم مغيا بها وتقريره ان العبادة ليست غاية مترتبة على خلقهما فضلا عن أن تكون عرضا ومرادا حتى يلزم من عدم ترتبتها على خلقهما تخلف المراد عن الارادة وانما دخلت عليها اللام التى حقها ان تدخل على الغرض او على ماشبه به فى كونه مترتبا على الفعل وحاملا عليه فى الجملة تشبيها لها بالغاية المترتبة من حيث ان الجن والانس خلقوا على صورة متوجهة الى العبادة اى صالحة قابلة لها مغلبة اى قادرة عليها متمكنة منها وقد انضم الى خلقهم على تلك الصورة ان هدوا الى العبادة بالدلائل السمعية والعقلية فصاروا بذلك كأنهم خلقوا للعبادة وانها غاية مترتبة على خلقهم فلذلك اطلق عليها اسم الغاية ودخلت عليها لام الغاية مبالغة فى خلقهما على تلك الصورة ولما وجه الآية باخراج اللام عن ظاهر معناها بجعلها للمبالغة فى خلقهم بحيث تتأتى منهم العبادة أشار الى و جه العدول عن الظاهر بقوله ولو حمل على ظاهره لتطرق اليه المنع والابطال وللزم تعارض الآيتين لان من خلق منهم لجهنم لايكون مخلوقا للعبادة انتهى مافى حواشى ابن الشيخ وقال فى بحر العلوم اى وما خلقت هذين الفريقين الا لاجل العبادة وهى قيام العبد بما تعبد به وكلف من امتثال الاوامر والنواهى او الا لأطلب العبادة منهم وقد طلب من الفريقين العبادة فى كتبه المنزلة على انبيائه وهذا التقدير صحيح لاتقدير الارادة لان الطلب لايستلزم المطلوب بخلاف الارادة كما تقرر فى موضعه فيكون حاصله ماقال بعضهم فى تصوير المعنى ليؤمروا بعبادتى كما فى قوله تعالى { وماأمروا الا ليعبدوا الها واحدا } وهذا مستمر على مذهب اهل السنة فلو انهم خلقوا للعبادة ماعصموا طرفة عين لكنهم خلقوا للامر التكليفى الطلبى دون الامر الارادى والا لم يتخلف المراد عن الارادة ولما كان لعين العاصى الثابتة فى الحضرة العلمية استعداد التكليف توجه اليها الامر التكليفى ولما لم يكن لتلك العين استعداد الاتيان بالمأمور به لم يتحقق منها المأمور به ولهذا تقع المخالفة والمعصية فان قلت مافائدة التكليف والامر بما يعلم عدم وقوعه قلت فائدة تمييز من له استعداد القبول ممن ليس له استعداد ذلك لتظهر السعادة والشقاوة واهلهما وقيل المراد سعدآء الجنسين كما ان المراد بقوله تعالى { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس } اشقياؤهما ويعضده قرآءة من قرأ وماخلقت الجن والانس المؤمنين بدليل ان الصبيان والمجانين مستثنون من عموم الآية بدليل قوله تعالى { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس } قال ابن الملك فان قلت كيف تكون العبادة علة للخلق ولم تحصل تلك فى اكثر النفوس قلنا يجوز أن يراد من النفوس نفوس المؤمنين لقرآءة ابن عباس رضى الله عنهما وما خلقت الجن والانس من المؤمنين الا ليعبدون وأن يراد مطلقها بأن يكون المراد بالعبادة قابلية تكليفها كما قال عليه السلام "مامن مولود يولد الا على الفطرة" واما ان أريد منها المعرفة فلا اشكال لانها حاصلة للكفرة ايضا كما قال الله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله } انتهى وقال مجاهد واختاره البغوى معناه الا ليعرفون ومداره قوله عليه السلام فيما يحكيه عن رب العزة "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف" ولعل السر فى التعبير عن المعرفة بالعبادة على طريق اطلاق اسم السبب على المسبب التنبيه على ان المعتبر هى المعرفة الحاصلة بعبادته تعالى لا مايحصل بغيرها كمعرفة الفلاسفة كما فى الارشاد وقال بعضهم لم أخلقهم الا لاجل العبادة باختيارهم لينالوا الشرف والكرامة عندى ولم اقسرهم عليها اذلو قسرتهم عليها لوجدت منهم وأنا غنى عنهم وعن عبادتهم والحاصل انهم خلقوا للعبادة تكليفا واختيارا لاجبلة واجبارا فمن وفقه وسدده واقام العبادة التى خلق لها ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما يخلق له وفى الحديث "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" كما فى عين المعانى وقال الشيخ نجم الدين دايه فى تأويلاته { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون } لان درة معرفتى مودعة فى صدف عبوديتى وان معرفتى تنقسم قسمين معرفة صفة جمالى ومعرفة صفة جلالى ولكل واحد منهما مظهر والعبودية مشتملة على المظهرين بالانقياد لها والتمرد عنها فمن انقاد لها بالتسليم والرضى كماأمر به فهو مظهر صفات جمالى ولطفى ومن تمرد عليها بالاباء والاستكبار فهو مظهر صفات جلالى وقهرى فحقيقة معنى قوله { وما خلقت الجن والانس الا ليبعدون } اى خلقت المقبولين منهم ليعبدو الله فيكونوا مظهر صفات لطفه وخلقت المردودين منهم ليعبدوا الهوى فيكونوا مظهر صفات قهره هذا المعنى الذى أردت من خلقهم انتهى والحكمة لاتقتضى اتفاق الكل على التوحيد والعبادة والاخلاص والاقبال الكلى على الله فان ذلك مما يخل بأمر المعاش ولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا ولا بد من الغضب لتكميل مرتبة قبضة الشمال فانه وان كان كلتا يديه يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فالارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه فاقتضت الحكمة الالهية ظهور ما أضيف اليه كل من اليدين فللواحدة المضاف اليها عموم السعدآء الرحمة والجنان والاخرى القهر والغضب ولوازمهما وقد وجد كلا المقتضيين والمقصود الاصلى وجود الانسان الكامل الذى هو مرآة جماله تعالى وكماله وقد وجد والسواد الاعظم هو الواحد على الحق وقال الواحدى مذهب أهل المعانى فى الآية الا ليخضعوا لى ويتذللوا ومعنى العبادة فى اللغة الذل والانقياد وكل مخلوق من الجن والانس خاضع لقضاء الله تعالى مذلل لمشيئته خلقه على ما أراد ورزقه كما قضى لايملك احد لنفسه خروجا عما خلق عليه وقال ابن عباس رضى الله عنهما الا ليقروا بالعبودية طوعا او كرها يعنى ان المؤمنين يقرون له طوعا والكافرون يقرون له بما جبلهم عليه من الخلقة الدالة على وحدانية الله وانفراده بالخلق واستحقاق العبادة دون غيره فالخلق كلهم بهذا له عابدون وعلى هذا قوله تعالى { وله مافى السموات والارض كل له قانتون } على معنى مايوجد منهم من دلائل الحدوث الموجبة لكونها مربوبة مخلوقة مسخرة كما فى التيسير فهذه جملة الاقوال فى هذا الباب وفى خلقهم للعبادة بطريق الحصر اشارة الى ان الربوبية الله تعالى ان العبودية للمخلوقين وهى أخص اوصافهم حتى قالوا انها افضل من الرسالة ولذا قال تعالى { اسرى بعبده } لا برسوله وقدم العبد فى أشهد أن محمد عبده ورسوله فمن ادعى الربوبية من المخلوق فليحذر من تهديد الآية وجميع الكمالات لله تعالى وان ظهرت من العبد فالعبد مظهر فقط والظاهر هو الله وكماله والعبادات عشرة اقسام الصلاة والزكاة والصوم والحج وقرءآة قرءآن وذكر الله فى كل حال وطلب الحلال والقيام بحقوق المسلمين وحقوق الصحبة والتاسع الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والعاشر اتباع السنة وهو مفتاح السعادة وامارة محبة الله كما قال تعالى { قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله } (قال المولى الجامى)

يانبى الله السلام عليك انما الفوز والفلاح لديك
كرنرفتم طريق سنت تو هستم از عاصيان امت تو
مانداه ام زير با عصيان بست افتم ازباى اكر نيكرى دست

فينبغى للعبد أن يعبد ربه ويتذلل لخالقه بأى وجه كان من الفراض الواجبات والسنن والمستحبات على الوجه الذى أمره ان يقوم فيه فاذا كملت فرآئضه وكمالها فرض عليه فيتفرغ فيما بين الفرضين لنوافل الخيرات كانت ما كانت ولايحقر شيأ من عمله فان الله ما احتقره حين خلقه واوجبه فان الله ما كلفك بأمر الا وله بذلك الامر اعتناء وعناية حتى كلفك به واذا واظب على ادآء الفرآئض فانه يتقرب الى الله بأحب الامور المقربة اليه ورود فىالخبر الصحيح عن الله تعالى "ما تقرب الى عبد بشىء احب الى مما افترضته ومايزال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذى به يسمع وبصره الذى به يبصر ويده التى بها يبطش ورجله التى بها يمشى ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه وماترددت عن شىء انا فاعله ترددى عن قبض نفس عبدى المؤمن يكره الموت وانا اكره مساءته" فالقرب الاول هو قرب الفرآئض والقرب الثانى هو قرب النوافل فانظر الى ماتنتجه محبة الله من كون الحق تعالى قوى العبد من السمع والبصر واليد والرجل فواظب على ادآء مايصح به وجود هذه المحبة الالهية من الفرآئض والنوافل ولايصح نفل الا بعد تكملة الفرآئض وفى النفل عينه فروض ونوافل فيما فيه من الفروض تكمل الفرآئض ورود فى الخبر الصحيح انه تعالى يقول "انظروا فى صلاة عبدى أتمها أم نقصها فان كانت تامة كتبت له تامة وان كان انتقص منها شىء قال انظروا هل لعبدى من تطوع فان كان له تطوع قال الله تعالى اكملوا لعبدى فريضته من تطوعه" ثم يؤخذ الاعمال على ذاكم وليست النوافل الا مالها اصل فى الفرآئض ومالا اصل له فى فرض فذلك انشاء عبادة مستقلة يسميها علماء الظاهر بدعة قال الله تعالى { ورهبانية ابتدعوها } وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة حسنة والذى سنها له اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة من غير ان ينقص من اجورهم شىء ولما لم يكن فى قوة النفل أن يسد مسد الفرض جعل فى نفس النفل فروض ليجبر الفرائض بالفرائض كصلاة النفل بحسب حكم الاصل ثم انها تشتمل على فرآئض من ذكر وركوع وسجود مع كونها فى الاصل نافلة هذه الاقوال والافعال فرآئض فيها ثم اعلم ان امرنا بالاقتداء بالنبى سنة حسنة فان لنا أجرها وأجر من عمل بها واذا تركنا تسنينها اتباعا لكون رسول الله عليه السلام لم يسنها فان اجرك فى اتباعك له فى ترك التسنين اعظم من اجرك فى التسنين فان النبى عليه السلام كان يكره كثرة التكليف على امته ومن سن فقد كلف وكان النبى عليه السلام اولى بذلك ولكن تركه تخفيفا فلهذا قلنا الاتباع فى الترك اولى واعظم اجرا من التسنين فاجعل حالك كما ذكرنا لك ولقد روى عن الامام احمد بن حنبلرحمه الله انه ما اكل البطيخ فقيل له فى ذلك فقال مابلغنى كيف كان رسول الله عليه السلام يأكله فلما لم تبلغ اليه الكيفية فى ذلك تركه وبمثل هذا يقدم علماء هذه الامة على علماء سائر الامم فهذا الامام علم وتحقق قوله تعالى عن نبيه عليه السلام { فاتبعونى يحببكم الله } وقوله { لقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة } والاشتغال بما سن من فعل وقول وحال اكثر من أن نحيطه به ونحصيه فيكف ان نتفرغ لنسن فلا تكلف الامة اكثر مما ورد