التفاسير

< >
عرض

يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ
٢٣
-الطور

روح البيان في تفسير القرآن

{ يتنازعون فيها } نزع الشىء جذبه من مقره كنزع القوس من كبدها والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بها عن المخاصمة والمجادلة والمراد بالتنازع هنا التعاطى والتداول على طريق التجاذب يعنى تجاذب الملاعبة لفرط السرور والمحبة وفيه نوع لذة اذ لايتصور فى الجنة التنازع بمعنى التخاصم والمعنى يتعاطون فى الجنات ويتداولون هم وجلساؤهم بكمال رغبة واشتياق كما ينبىء عنه التعبير بالتنازع وبالفارسية بايكديكر داد وستد كنند دربهشت يعنى بهم دهند وازهم ستانند { كأسا } كاسه مملو ازخمر بهشت. والكأس قدح فيه شراب ولايسمى كأسا مالم يكن فيه شراب كما لاتسمى مائدة مالم يكن عليها طعام والمعنى كأسا اى خمرا تسمية لها باسم محلها ولما كانت الكأس مؤنثة مهموزة انث الضمير فى قوله { لالغو فيها } اى فى شربها حيث لايتكلمون فى اثناء الشرب بلغوا الحديث وسقط الكلام قال ابن عطاء اى لغو يكون فى مجلس محله جنة عدن والساقى فيها الملائكة وشربهم ذكر الله وريحانهم تحية من عند الله مباركة طيبة والقوم اضياف الله قال الراغب اللغو من الكلام مالا يعتد به وهو الذى يورد لا عن روية وفكر فيجرى مجرا اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور { ولا تأثيم } ولا يفعلون ما يأثم به فاعله اى ينسب الى الاثم لو فعله فى دار التكليف من الكذب والسب والفواحش كما هو ديدن المنادمين فى الدنيا وانما يتكلمون بالحكم واحاسن الكلام ويفعلون مايفعله الكرام لان عقولهم ثابتة غير زآئلة وذلك كسكارى المعرفة فى الدنيا فانهم انما يتكلمون بالمعارف والحقائق قال البقلى وصفهم الله فى شربهم لكاسات شراب وصله بالمنازعة والشوق الى مزيد القرب ثم وصف شرابهم انه يورثهم التمكين والاستقامة فى السكر لايؤول حالهم الى الشطح والعربدة وما يتكلم به سكارى المعرفة فى الدنيا عند الخلق ولايشابه حال أهل الحضرة حال اهل الدنيا من جميع المعانى ثم انه قد يقع الاكل والشرب فى المنام فيسرى حكمه الى الجسد لغلبة الروحانية كما قال بعض الكبار العيش مع الله هو القوت الذى من اكله لايجوع واليه أشار عليه السلام بقوله "انى لست كهيئتكم انى ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى" والمراد بذلك الشبع والرى الذى يعود من ثمرة الاكل والشرب يعنى يبيت جائعا فيرى فى منامه انه يأكل فيصبح شبعانا وقد اتفق ذلك لبعضهم بحكم الارث وبقى رآئحة ذلك الطعام حين استيقظ نحو ثلاثة ايام والناس يشمونها منه واما غير النبى وغير الوارث فاذا رأى انه يأكل استيقظ وهو جيعان مثل مانام فصح قوله صلى الله عليه وسلم "ان المبشرات جزء من اجزاء النبوة" انتهى.
يقول الفقير فرب شبعان فى دعواه جيعان فى نفس الامر الاترى حال من اكل فى منامه حتى شبع ثم استيقظ وهو جائع وكذلك حال اهل التلوين فان من شرب شرابا من هذه المعرفة يقع فى الدعاوى العريضة كما شاهدناه فى بعض المعاصرين ولا يدرى ان حاله بالنسبة الى حال اهل التمكين كحال النائم فمن سكر من رآئحة الخمر ليس كمن سكر من شرب نفسها فأين انت من الحقيقة فاعرف حدك ولا تتعد طورك فان التعدى من قبيل اللغو والتأثيم (قال الخجندى) از عشق دم مزن جونكشتى شيهد عشق. دعواى اين مقام درست از شهادتست