التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ
٣٠
-الطور

روح البيان في تفسير القرآن

{ أم يقولون } بلكه مى كويند درحق تو ام المكررة فى هذه الآيات منقطعة بمعنى بل والهمزة ومعنى الهمزة فيها الانكار ونقل البغوى عن الخليل انه قال مافى سورة الطور من ذكر ام كله استفهام وليس بعطف يعنى ليست بمنقطعة وقال فى برهان القرءآن اعاد ام خمس عشرة مرة وكلها الزامات وليس للمخاطبين بها عنا جواب وفى عين المعانى ام ههنا خمسة عشر وكله استفهام اربعة للتحقيق على التوبيخ بمعنى بل ام يقولون شاعر ام يقولون تقوله وقد قالوهما وام هم قوم طاغون وام يريدون كيدا وقد فعلوهما وسائرها للانكار وفى فتح الرحمن جميع مافى هذه السورة من ذكر ام استفهام غير عاطفة واستفهم تعالى مع علمه بهم تقبيحا عليهم وتوبيخا لهم كقول الشخص لغيره أجاهل أنت مع علمه بجهله { شاعر } اى هو شاعر وقد سبق معنى الشعر والشاعر فى اواخر سورة يس متصلا قال الامام المرزوقى شارح الحماسة تأخر الشعرآء عن البلغاء لتأخر المنظوم عند العرب لان ملوكهم قبل الاسلام وبعده يتحجون بالخطابة ويعدونها اكمل اسباب الرياسة ويعدون الشعر دناءة ولان الشعر كان مكسبة وتجارة وفيه وصف اللئيم عند الطمع بصفة الكريم والكريم عند تأخر صلته بوصف اللئيم وما يدل على شرف النثر ان الاعجاز وقع فى النثر دون النظم لان زمن النبى عليه السلام زمن الفصاحة كذا ذكره صاحب روضة الاخبار فان قلت فاذا كان الاعجاز واقعا فى النثر فكيف قالوا فى حق القرءآن شعر وفى حقه عليه السلام شاعر قلت ظنوا انه عليه السلام كان يرجو الاجر على التبليغ ولذا قال تعالى { مااسألكم عليه من اجر } فكان عليه السلام عندهم بمنزلة الشاعر حيث ان الشاعر انما يستجلب بشعره فى الاغلب المال وايضا لما كانوا يعدون الشعر دناءة حملوا القرءآن عليه و مرادهم عدم الاعتداد به فان قلت كيف كانوا يعدون الشعر دناءة وقد اشتهر افتخارهم بالقصائد حتى كانوا يعلقونها على جدار الكعبة قلت كان ذلك من كمال عنادهم او جريا على مسلك اهل الخطابة من الاوآئل فاعرف فان هذا زآئد على مافصل فى سورة يس وقد لاح بالبال فى هذا المقام قال ابن الشيخ قوله ام يقولون الخ من باب الترقى الى قولهم فيه انه شاعر لان الشاعر ادخل فى الكذب من الكاهن والمجنون وقد قيل احسن الشعرا كذبه وكانوا يقولون لانعارضه فى الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره وانا نصبر ونتربص موته وهلا كه كما هلك من قبله من الشعرآء وحينئذ تتفرق اصحابه وان أباه مات شابا ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه وذلك كقوله سبحانه وتعالى { نتربص به ريب المنون } التربص الانتظار والريب مايقلق النفوس اى يورث قلقا واضطرابا له من حوادث الدهر وتقلبات الزمان فهو بمعنى الرآئب من قولهم رابه الدهر وأرابه اى اقلقه وقيل سميت ريبا لانها لاتدوم على حال كالريب وهو الشك فانه لايبقى بل هو متزلزل.
وفى المفردات ريب الدهر صروفه وانما قيل ريب لما يتوهم فيه من المنكر وفيه ايضا الريب ان تتوهم بالشىء امرا مافينكشف عما توهمته ولهذا قال تعالى
{ لاريب فيه } والارابة أن تتوهم فيه امرا فلا ينكشف عما تتوهمه وقوله نتربص به ريب المنون سماه ريبا لامن حيث انه مشكك فىكونه بل من حيث انه يشكك فى وقت حصوله فالانسان ابدا فى ريب المنون من جهة وقته لامن جهة كونه وعلى هذا قال الشاعر

الناس قد علموا أن لابقاء لهم لو انهم عملوا مقدار ماعلموا

انتهى والمنون الدهر والموت والكثير لامتنان كالمنونة والتى تزوجت لما لها فهى تمن على زوجها كالمنانة انتهى وقيل فى الآية المنون الموت وريبه اوجاعه وهو فى الاصل فعول من منه اذا قطعه لان الدهر يقطع القوى والموت يقطع الامانى والعمر وفى المفردات قيل المنون للمنية لانها تنقص العدد وتقطع المدد انتهى وريب منصوب على انه مفعول به والمعنى بل أيقولون ننتظر به نوآئب الدهر فيهلك كما هلك غيره من الشعرآء زهير والنابغة وطرفة وغيرهم او ننتظر اوجاع الموت كما مات ابوه شابا وذلك كما تتمنى الصبيان فى المكتب موت معلمهم ليتخلصوا من يده فويل لمن أراد هلاك معلمه فى الدين وكان محروما من تحصيل اليقين