التفاسير

< >
عرض

وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
٤٨
-الطور

روح البيان في تفسير القرآن

{ واصبر لحكم ربك } بامهالهم الى يومهم الموعود وابقائك فيما بينهم مع مقاساة الاحزان والشدآئد ولا تكن فى ضيق مما يمكرون.
يقول الفقير امر الله تعالى نبيه عليه السلام بالصبر لحكمه لا لأذى الكفار وجفائهم تسهيلا للامر عليه لان فى الصبر لحكمه حلاوة ليست فى الصبر للاذى والجفاء وان كان الصبر له صبرا للحكم فاعرف { فانك بأعيننا } اى فى حفظنا وحمياتنا بحيث نراقبك ونكلأك وجمع العين لجمع الضمير والايذان بغاية الاعتناء فى الحفظ وبكثرة اسبابه اظهارا للتفاوت بين الحبيب والكليم حيث افرد فيه العين والضمير كما قال
{ ولتصنع على عينى
} وفى التأويلات النجمية اى لاحكم لك فى الازل فانه لايتغير حكمنا الازلى ان صبرت وان لم تصبر ولكن ان صبرت على قضائى فقد جزيت ثواب الصابرين بغير حساب فانك بأعيننا نعينك على الصبر لاحكامنا الازلية كما قال تعالى { واصبر وما صبرك الا بالله } وفى عرائس البيان للبقلى ذكر قوله ربك بالغيبة لانه فى مقام تفرقة العبودية والرسالة تقتضى حالة المشقة ولذلك امره بالصبر ولما ثقل عليه الحال نقله من الغيبة الى المشاهدة بقوله { فانك بأعيننا } اى نحفظك من الاعوجاج والتغير فى جريان احكامنا عليك حتى تصير مستقيما بنالنا فينا ونحن نراك بجميع عيون الصفات والذات بنعت المحبة والعشق ننظر بها اليك شوقا اليك وحراسة لك نحرسك بها حتى لايغيرك غيرها من الحدثان عنا ونرفع بها عنك طوارق قهرنا فانك فى مواضع عيون محبتنا وأنت فى اكناف لطفنا انظر كيف ذكر الاعين وليس فى الوجوه اشرف من العيون ومن احتضن الله كان فى حفظه ومن كان فى حفظه كان فى مشاهدته ومن كان فى مشاهدته استقام معه ووصل اليه ومن وصل اليه انقطع عما سواه ومن انقطع عما سواه عاش معه عيش الربانيين قال بعضهم كنا مع ابراهيم بن ادهم قدس سره فأتاه الناس يا أبا اسحق ان الاسد وقف على طريقنا فأتى ابراهيم الى الاسد وقال له يأبا الحارث ان كنت امرت فينا بشىء فامض لما أمرت به وان لم تؤمر بشىء فتنح عن طريقنا فأدبر الاسد وهو يهمهم والهمهمة ترديد الصوت فى الصدر فقال ابراهيم وما على احدكم اذا اصبح وأمسى ان يقول اللهم احرسنا بعينك التى لاتنام واحفظنا بركنك الذى لايرام وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وانت ثقتنا ورجاؤنا وقال الخواص قدس سره كنت فى طريق مكة فدخلت الى خربة بالليل واذا فيها سبع عظيم فخفت فهتف بى هاتف اثبت فان حولك سبعين الف ملك يحفظونك.
يقول الفقير يحتمل ان يكون هذا الحفظ الخواصى بسبب بعض الادعية وكان يلازمه وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ان من قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثلاث مرات وقرأ ثلاث آيات آخر سورة الحشر هو الله الذى لا اله الا هو الى آخر السورة حين يصبح وكل الله به سبعين الف ملك يحرسونه وكذلك اذا قرأها حين يمسى وكل الله به سبعين الف ملك يحرسونه" ويحتمل أن يكون ذلك بسبب ان الخواص من احباب الله والحبيب يحرس حبيبه كما روى انه ينزل على قبر النبى عليه السلام كل صباح سبعون الف ملك ويضربون اجنحتهم عليه ويحفظونه الى المساء ثم ينزل سبعون الف غيرهم فيفعلون به الى الصباح كما يفعل الاولون وهكذا الى يوم القيامة { وسبح } اى نزهه تعالى عما لايليق به حال كونك ملتبسا { بحمد ربك } على نعمائه الفائتة للحصر { حين تقوم } من اى مقام قمت قال سعيد ابن جبير وعطاء اى قل حين تقوم من مجلسك سبحانك اللهم وبحمدك اى سبح الله متلبسا بحمده فان كان ذلك المجلس خيرا ازددت احسانا وان كان غير ذلك كان كفارة له وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه وهو (بالغين المعجمة الطاء المهملة الكلام الرديىء القبيح واختلاط اصوات الكلام حتى لايفهم) فقال قبل ان يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله أنت استغفرك واتوب اليك كان كفارة لما بينهما" وفى فتح القريب فقد غفر له يعنى من الصغائر مالم تتعلق بحق آدمى كالغيبة وقال الضحاك والربيع اذا قمت الى الصلاة فقل سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك وقال الكلبى هو ذكر الله باللسان حين يقوم من الفراش الى أن يدخل فى الصلاة لما روى عن عصام ابن حميد انه قال سألت عائشة رضى الله عنها بأى شىء يفتتح رسول الله عليه السلام قيام الليل فقالت كان اذا قام كبر عشرا وحمد الله عشرا وسبح وهلل عشرا واستغفر عشرا وقال "اللهم اغفر لى واهدنى وارزقنى وعافنى" ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة