التفاسير

< >
عرض

عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ
١٤
عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ
١٥
-النجم

روح البيان في تفسير القرآن

{ عند سدرة المنتهى } وهو مقام جبرآئيل وكان قد بقى هناك عند عروجه عليه السلام الى مستوى العرش وقال لو دنوت انملة لاحترقت قال عليه السلام "رأيته عند سدرة المنتهى عليه ستمائة جناح يتناثر منه الدر والياقوت" وعند يجوز ان يكون متعلقا برأى وان يكون حالا من المفعول المراد به جبرائيل لان جبرآئيل لكونه مخلوقا يجوز أن يراه النبى عليه السلام فى مكان مخصوص وهو سدرة المنتهى وهى شجرة نبق فى السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر وورقها كآذان الفيلة نبع من اصلها الانهار التى ذكرها الله فى كتابه يسير الراكب فى ظلها سبعين عاما لايقطعها المنتهى مصدر ميمى بمعنى الانتهاء كما قال الزمخشرى او ا سم مكان بمعنى موضع الانتهاء كأنها فى منتهى الجنة وقيل ينتهى اليها الملائكة ولا يتجاوزونها لان جبرآئيل رسول الملائكة اذا لم يتجاوزها فبالحرى أن لايتجاوزها غيره فاعلاها لجبرآئيل كالوسيلة لنبينا عليه السلام فكما ان خواص الامة يشتركون مع النبى عليه السلام فى جنة عدن بدون أن يتجاوزوا الى مقامه المخصوص به فكذا الملائكة يشتركون مع جبرآئيل فى السدرة بدون أن يتعدوا الى ماخص به من المكان و قيل اليها ينتهى علم الخلائق واعمالهم ولا يعلم احد ماورآءها وذلك لان الاعمال الصالحة فى عليين و لاتعرج اليه الا على يد الملائكة فتقف عندها كوقوف الملائكة هذا بالنسبة الى اعمال الامة واما خواص الامة فلهم من الاعمال مالا يقف عندها بل يتجاوز الى عالم الارواح فوق مستوى العرش بل الى ماورآءه حيث لايعلمه الا الله فمثل هذه الصالحات الناشئة عن خلوص فوق خلوص العامة ليست بيد الملائكة اذ لا يدخل مقامها احد وقيل ينتهى اليها ارواح الشهدآء لانها فى ارض الجنان او ينتهى اليها مايهبط من فوقها من الاحكام ويصعد من تحتها من الآثار وعن ابى هريرة رضى الله عنه لما اسرى بالنبى عليه السلام انتهى الى السدرة فقيل له هذه السدرة ينتهى اليها كل احد خلا من امتك على سنتك يعنى ميرسد بدين هركس از امت توكه رفته باشد برسنت تو. وقال كعب انها سدرة فى اصل العرش على رؤس حملة العرش واليها ينتهى الخلائق وما خلفها غيب لايعلمه الا الله وبالجملة هى شجرة طوبى وقال مقاتل السدرة هى شجرة طوبى ولو ان رجلا ركب نجيبه وطاف على ساقها حتى ادركه الهرم لما وصل الى المكان الذى ركب منه تحمل لاهل الجنة الحلى والحلل وجميع الوان الثمار ولو ان ورقة منها وضعت فى الارض لاضاءت اهلها قيل اضافة السدرة الى المنتهى اما اضافة الشىء الى مكانه كقولك اشجار البستان فالمنتهى حينئذ موضع لايتعداه ملك او اضافة المحل الى الحال كقولك كتاب الفقه والتقدير سدرة عندها منتهى العلوم او اضافة الملك الى المالك على حذف الجار والمجرور اى سدرة المنتهى اليه وهو الله تعالى قال { الى ربك المنتهى } واضافة السدرة اليه كاضافة البيت اليه للتشريف والتعظيم وقال بعضهم المرئى هو الله تعالى يعنى ان محمدا عليه السلام رأى ربه مرة اخرى يعنى مرتين كما كلم موسى مرتين وفيه اشعار بأن الرؤية الثانية كانت كالرؤية الاولى بنزول ودنو فقوله عند لايجوز ان يكون حالا من المفعول المراد به الله تعالى لان الله تعالى مننزه عن أن يحل فى زمان او مكان فهو متعلق برأى يعنى انه عليه السلام رأى ربه رؤية ثانية عند سدرة المنتهى على أن يكون الظرف ظرفا لرأى ورؤيته لا للمرئى كما اذا قلت رأيت الهلال فقيل لك اين رأيت فتقول عند الشجرة الفلانية وجعل ابن برجان الاسراء مرتين. الاولى بالفؤاد وهذه بالعين ولما كان ذلك لايتأتى الا بتنزيل يقطع مسافات البعد التى هي الحجب ليصير به بحيث يراه البشر عبر بقوله نزلة اخرى وعين الوقت بتعيين المكان فقال { عند سدرة المنتهى } كما فى تفسير المناسبات (وروى) عن وكيع عن كعب الاحبار انه قال رأى ربه مرة اخرى فقال ان الله تعالى كلم موسى مرتين ورأه محمد مرتين عليهما السلام فلما بلغ ذلك عائشة رضى الله عنها قالت قد اقشعر جلدى من هيبة هذا الكلام فقيل لها يا ام المؤمنين أليس يقول الله تعالى { ولقد رأه نزلة اخرى } فقالت انا سألت النبى عليه السلام عن ذلك فقال "رأيت جبرائيل نازلا فى الافق على خلقته وصورته" انتهى وقال بعضهم رأه بفؤاده مرتين.
يقول الفقير لما كان هذا المقام لايخلو عن صعوبة واحتمال وتأويل كفروا من انكر المعراج الى المسجد الاقصى لثبوته بالنص القطعى وهو قوله تعالى
{ سبحان الذى اسرى بعبده } الخ وضللوا من انكره الى مافوقه لثبوته بالخبر المشهور قال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر ان معراجه عليه السلام اربع وثلاثون مرة واحدة بجسده والباقى بروحه رؤيا رأها.
وفى التأويلات النجمية يشير الى رد استعجاب اهل الحجاب شهود النبى عليه السلام الحضرة الالهية فى المظاهر الكونية والمجالى الغيبية وأنى لهم هذا الاستعجاب والاستغراب وما قيده فى حضرة دون حضرة وفى مشهد دون مشهد بل شهرة وعلانية مرة بعد مرة وساعة بعد ساعة بل مااحتجب لحظة منه تعالى وماغاب عنه لمحة مرة شاهده به فى مقام احديته بفنائه عنه ونزلة عاينه فى مقام واحديته بالبقاء به عند نزوله من المشهد الاحدى الى المشهد الواحدى المسمى سدرة المنتهى التى هى شجرة الكثرة لابتدآء الكثرة منها وانتهاء مظاهرها اليها بحسب الاعمال والاقوال والافعال والاحوال شبهت السدرة بشجرة الكثرة لكثرة اظلالها واغصانها كما فى شجرة الكثرة التى هى الواحدية لظهور التعينات والتكثرات منها واستضلال المتعينات بها بالوجود العينى الخارجى انتهى وقال البقلى ما الرؤية الثانية بأقل كشفا من الرؤية الاولى ولا الاولى باكشف من الرؤية الثانية اين أنت لو كنت اهلا لقلت لك انه عليه السلام رأى ربه فى لحافه بعد أن رجع من الحضرة ايضا فى تلك الساعة وماغاب قلبه من تلك الرؤية لمحة وماذكر سبحانه بيان ان مارأى فى الاولى فى الامكان ومارأى عند سدرة المنتهى كان واحدا لان ظهوره هناك ظهور القدم والجلال وليس ظهوره يتعلق بالمكان ولا بالزمان اذا لقدم منزه عن المكان والجهات وكان العبد فى المكان والرب فى المكان وهذا غاية فى كمال تنزيهه وعظيم لطفه اذ تتجلى نفسه لقلب عبده وهو فى الامكان والعبد فى مكان والعقل ههنا مضمحل والعلم متلاشٍ لان العقول عاجزة والاوهام متحيرة والقلوب والهة والارواح حائرة والاسرار فانية وفى هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه اذ رأه نزلة اخرى عند سدرة المنتهى ظن عليه السلام ان مارأه فى الاولى لايكون فى الكمال لكمال علمه بتنزيه الحق فلما رأه ثانية علم انه لايحجبه شىء من الحدثان وعادة الكبرآء اذا زارهم احد يأتون معه الى باب الدار اذا كان كريما فهذا من الله اظهار كمال حب لحبيبه وحقيقة الاشارة انه سبحانه أراد ان يعرف حبيبه مقام التباس فلبس الامر واظهر المكر بأن بان الحق من شجرة سدرة المنتهى كما بان من شجرة العناب لموسى ليعرف حبيبه بكمال المعرفة اذ ليس بعارف من لم يعرف حبيبه فى البسة مختلفة انتهى ولما أراد سبحانه ان يعظم السدرة ويبين شرفها قال { عندها } اى عند السدرة { جنة المأوى } والجملة حالية قيل الاحسن ان يكون الحال هو الظرف وجنة المأوى مرتفع به بالفاعلية واضافة الجنة الى المأوى مثل اضافة مسجد الجامع اى الجنة التى يأوى اليها المتقون اى تنزل فيها وتصير وتعود اليها ارواح الشهدآء وبالفارسية بهشتى كه آرامكاه متقيان يامأوى ومكان ارواح شهداست او اوى اليها آدم وحوآء عليهما السلام يقال اويت منزلى واليه اويا واويا عدت واويته نزلته بنفسى والمأوى المكان قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر آدم عليه السلام انزل من جنة المأوى التى هى اليوم مقام الروح الامين جبريل عليه السلام وهى اليوم برزخ لذرية آدم ونزل اليها جبرآئيل من السدرة بنزول آدم وهذه الجنة لاتقتضى الخلود لذاتها فلذلك امكن خروج آدم منها ولذلك تأثر بالاشتياق الى ان يكون ملكا بعد سجود الملائكة له بغرور ابليس اياه ووعده فى الخلود رغبة فى الخلود والبقاء مع جبرآئيل والجنة التى عرضها السموات والارض تقتضى الخلود لذاتها يعلم من دخلها انه لايمكن الخروج منها اذ لاسبيل للكون والفساد اليها قال تعالى فى وصف عطائها انه غير مجذوذ اى غير منقطع انتهى فالجنة التى عرضها السموات والارض ارضها الكرسى الذى وسع السموات والارض وسقفها العرش المحيط فهى محيطة بالجنان الثمان وليست هى الجنة الى انزل منها آدم كذا قاله الشيخ ايضا فى كتاب تلقيح الاذهان وقال نجم الدينرحمه الله فى تأويلاته يشير الى ان الجنة العلية التى يسجن بها المجانين العاشقون عن انانيتهم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر وفى قوله عندها اشارة الى الهوية الظاهرة بالشجرة الواحدية المسماة بسدرة المنتهى لانتهاء ارواح الشهداء المقتولين بسيف الصدق والاخلاص ورمح الرياضيات والمجاهدات اليها