التفاسير

< >
عرض

مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ
٢
-النجم

روح البيان في تفسير القرآن

{ ماضل صاحبكم } هو جواب القسم اى ماعدل عن طريق الحق الذى هو مسلك الآخرة وهذا دليل على ان قوله { ووجدك ضالا } ليس من ضلال الغى فانه عليه السلام قبل الوحى وبعده لم يزل يعبد ربه ويوحده ويتوقى مستقبحات الامور وفى بيان فضل النبى عليه السلام حيث ان الله تعالى قال فى حق آدم عليه السلام { وعصى آدم ربه فغوى } وقال فى حقه ماضل صاحبكم { وما غوى } الغى هو الجهل المركب قال الراغب الغى جهل من اعتقاد فاسد وذلك ان الجهل قد يكون من كون الانسان غير معتقد اصلا لاصلاحا ولا فسادا وقد يكون من اعتقاد شىء فاسد وهذا الثانى يقال له غى فعطفه على ماضل من عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الاعتقاد بمعنى انه فرق بين الغى والضلال وليسا بمعنى واحد فان الغواية هى الخطأ فى الاعتقاد خاص والضلال اعم منها بتناول الخطأ فى الاقوال والافعال والاخلاق والعقائد التى شرعها الله وبينها لعباده فالمعنى وما اعتقد باطلا قط اى هو فى غاية الهدى والرشد وليس مما تتوهمونه من الضلال والغواية فى شىء اصلا وكانوا يقولون ضل محمد عن دين آبائه وخرج عن الطريق وتقول شيأ من تلقاء نفسه فرد الله عليهم بنفسه بتنزيل هذه السورة تعظيما له والخطاب لقريش وايراده عليه السلام بعنوان صاحبيته لهم للايذان بوقوفهم على تفاصيل احواله واحاطتهم خبرا ببرآءته عليه السلام مما نفى عنه بالكلية وباتصافه بغاية الهدى والرشاد فان طول صحبتهم له ومشاهدتهم محاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتما كما فى الارشاد (وقال الكاشفى) وتسميه صاحب بجهت آنست كه حضرت بيغمبر عليه السلام مأمور بود بصحبت كافران فى جهت دعوت ايشان. ويؤيد مافى الارشاد قول الراغب فى المفردات لايقال الصاحب فى العرف الا لمن كثرت ملازمته وقوله تعالى { ثم تتفكروا مابصاحبكم من جنة } سمى النبى عليه السلام صاحبهم تنبيها اى انكم صحبتموه وجربتموه وعرفتم ظاهره وباطنه ولم تجدوا به خبلا وجنة وتقييد القسم بوقت الهوى لان النجم لايهتدى به السارى عند كونه فى وسط السماء ولا يعلم المشرق من المغرب ولا الشمال من الجنوب وانما يهتدى به عند هبوطه او صعوده مع مافيه من كمال المناسبة لما سيحكى من تدلى جبريل من الافق الا على ودنوه منه عليهما السلام وقال سعدى المفتى ثم التقييد بوقت الهوى اى الغروب لكونه اظهر دلالة على وجود الصانع وعظيم قدرته كما قال الخليل عليه السلام لا أحب الآفلين قال ابن الشيخ فى حواشيه وفيه لطيفة وهى ان القسم بالنجم يقتضى تعظيمه وقد كان فهيم من يعبده فنبه بهويه على عدم صلاحيته للالهية بافوله وقيل خص الهوى دون الطلوع فان لفظه النجم دلت على طلوعه فان اصل النجم الكوكب الطالع وقال الامام جعفر الصادق رضى الله عنه أراد بالنجم محمد عليه السلام اذا نزل ليلة المعراج والهوى النزول. كفته اند آن روز كه اين آيت فرو آمد ورسول خدا برقريش آشكارا اكرد عتبة بن ابى لهب كفت كفرت برب النجم اذا هوى وبالذى دنا فتدلى ودختر رسول عليه السلام زن او بود طلاق داد رسول خدا دعا كرد كفت اللهم سلط عليه كلبا من كلابك بعد ازان عتبة بتجارت شام رفت بابدر خويش ابو لهب در منزلى ازمنازل راه فروآمدند وآنجا ديرى بود راهبى ازدبر فرو آمد وكفت هذه ارض مسبعة درين منزل سباعه فراوان بود نكريد تاخويش را از سباع نكاه داريد ابو لهب اصحاب خويش را كفت اين بسر مرا نكاه داريد كه من مى ترسم كه دعاى محمد دروى رسد ايشان همه كردوى در آمدند واورا درميان كرفتند وباس اومى داشتند درميانه شب رب العالمين خواب برايشان افكند وشير بيامد وباشيان در كذشت ولطمه برعتبه زد واورا هلاك كرد. ولم يأكله لنجاسته ويحتمل من التأويل المصلى اذا سجد والغازى اذا قتل شهيدا والعالم اذا مات ووضع فى قبره فان هؤلاء نجوم والاخبار ناطقة بها قال عليه السلام "علماء امتى كالنجوم بها يهتدى فى البر والبحر" وقال امام الغزالىرحمه الله هم الصحابة اذا ماتوا لقوله عليه السلام "اصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وعلماء الاسلام لقوله عليه السلام "العلماء نجوم الارض" قال بعضهم هو قسم بنور المعرفة اذا وقع فى القلب قال تعالى { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } (وقال الكاشفى) ونزد محققان سوكند ياد كرد بستاره دل حضرت محمد عليه السلام برفلك توحيد منقطع شد ازما سوى الله تعالى. وايضا أقسم الله بنجم الهام حين سقط من صحائف الغيوب الى معادن القلوب
وفى التأويلات النجمية قال الاخفش النجم نبت لاساق له فيكون هويه سقوطه على الارض كما قال
{ والنجم والشجر يسجدان } يشير الى ان الله تعالى ينبت حبة المحبة الدآئمة المنزهة عن التغير المقدسة عن التبدل التى وقعت وسقطت من روض سماء ذاته المطلقة الكلية الجمعية الاحاطية فى ارض قلب نبيه وحبيبه القابل لانبات نباتات الولاية والنبوة والرسالة الموجبات لظهور رياحين الحقائق القرءآنية وشقائق التجليات الربانية وازهار التنزلات الحقانية وعرارا للطائف الاحسانية العرفانية كالمشاهدات والمكاشفات والمعاينات وامثالها وجواب القسم ماضل صاحبكم وما غوى وبه يشير الى ان وجود النبى عليه السلام لما كان اول نور وحدانى بسيط علوى لطيف شعشعانى تجلى به الحق وتعلقت به القدرة القديمة الازلية من غير واسطة كما اخبر عنه بقوله "أنا من الله والمؤمنون منى" وليست فيه ظلمة الوسائط الامكانية الموجبة للضلالة المنتجة للغى بل هو على نوريته الاصلية البسيطة الشعشعانية المقتضية للهدى والتقوى المستدعية للرشد والنهى باق كما هو ماأثرت فيه مصاحبتكم الطبيعية ولا مخالطتكم الصورية العنصرية وما ضل بأمر الطبيعة وماغوى بحكم البشرية فانه صلى الله عليه وسلم قائم بالحق خارج عن الطبع كما اخبر عن نفسه الشريفة القدسية بقوله " لست كأحدكم ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى" وهذا يدل على قيامه بالحق وخروجه عن الطبع واحكامه انتهى.
يقول الفقير امده الله القدير لفظ النجم نون هى خمسون بحساب ابجد وجيم هى ثلاثة فالمجموع ثلاثة وخمسون وميم هى اربعون فأشار الى ان النبى عليه السلام بعث عند الاربعين وجعل خاتم الانبياء والمرسلين ومكث فى مكة بعد النبوة ثلاثة عشرة سنة والمجموع ثلاثة وخمسون وقد سماها الله تعالى بالنجم فى هذه الآية كما سماه سراجا منيرا فى آية اخرى لانه يستضاء بنور وجهه وضياء علمه وهداه وهوى هذا النجم العالى غروبه من مكة بعد المدة المذكورة وهجرته الى المدينة ولذا اقسم الله على عدم ضلاله وغيه لانه فى غروبه ذلك وحركته راشد مهدى حيث كان بأمر الله تعالى واذنه فلما غرب من مكة اظلمت الدنيا على قريش وصاروا فى ظلمة شديدة ولما طلع على المدينة اشرقت الارض على المؤمنين حتى انهم وقعوا فى البدر التام فى السنة الثانية من الهجرة حيث نورهم الله تحت لوآء حبيبه بنور النصرة على الاعدآء ببدر وصار حال الاعدآء الى ظلمة العدم وبهذا يظهر سر قوله تعالى
{ وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } وسر قوله عليه السلام "لاتقوم الساعة حتى لايقال فى الارض الله الله" اى ينقطع اهل الذكر المتصل كان هو النبى عليه السلام فى مكة وبخروجه عنها بمفارقته عن ارضها واصرار القوم على الشرك والعناد وقع عليهم الطامة الكبرى ببدر كما تقوم الساعة عند انقطاع اهل الذكر الدآئم من الارض ففيه الناس يعنى الناسين لايعرفون قدر اهل الذكر والحضور فيما بينهم بل يعادونهم ويؤذونهم مع ان فى ذلك هلاكهم لانهم ملكوتهم وبانقطاع الملكوت والارواح عن الملك والاجسام يزول الملك وتخرب الاجسام لانقطاع سبب البقاء ومن هنا قالوا ان لله رجالا متصرفين فى اقطار الدنيا ولو فى دار الحرب فانه لابد للوجود من فيض البقاء والامداد امدنا الله واياكم بمزيد فضله وجوده وشرفنا بوصاله وشهوده بحرمة النجم وهويه وسجوده امين امين