التفاسير

< >
عرض

فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
٢٩
-النجم

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاعرض عمن تولى عن ذكرنا } اى فاعرض يا محمد عن دعوة من اعرض عن ذكرنا المفيد للعلم اليقينى ولم يؤمن به وهو القرءآن المنطوى على علوم الاولين والآخرين المذكر لأمور الآخرة ولاتتهالك على اسلامه وعن ذكرنا كما ينبغى فان ذلك مستتبع لذكر الآخرة ومافيها من الامور المرغوب فيها والمهروب عنها { ولم يرد الا الحياة الدنيا } راضيا بها قاصرا نظره على جمع حطامها وجلب منافعها فالمراد النهى عن دعوته والاعتناء بشأنه فان من اعرض عما ذكر وانهمك فى الدنيا بحيث كانت منتهى همته وقصارى سعيه لاتزيده الدعوة الى خلافها الاعنادا واصرارا على الباطل النهى عن الدعوة لايستلزم نهى الآية بآية القتال بل الاعراض عن الجواب والمناظرة شرط الجواز المقاتلة فيكف يكون منسوخا بها فالمعنى اعرض عنهم ولا تشتغل باقامة الدليل والبرهان فانهم لاينتفعون به وقاتلهم واقطع دابرهم قال بعضهم ضيع وقته من اشتغل بموعظة طالبى الدنيا والراغبين فيها لان احدا لايقبل على الدنيا الا بعد الاعراض عن الله

باسيه دل جه سود كفتن وعظ نرود ميخ آهنين درسنك

قال ابن الشيخ اعلم ان النبى عليه السلام كالطبيب للقلوب فأمره الله تعالى فى معالجة القلوب بما عليه الاطباء فى معالجة المرضى فان المرض اذا امكن علاجه بالغذآء لايستعملون فى ازالته الدوآء واذا امكن ازالته بالدوآء الضعيف لايستعملون الدوآء القوى والكى فلذلك امر عليه السلام بالذكر الذى هو غذآء القلوب حيث قال "قولوا لا اله الا الله فان بذكر الله تطمئن القلوب" كما ان بالغذآء تطمئن النفوس فانتفع به ابو بكر ومن كان مثله رضى الله عنهم ومن لم ينتفع بالحمل على الذكر والامر به ذكر لهم الدليل وقال اولم يتفكروا قل انظروا افلا ينظرون فلما لم ينتفعوا أتى بالوعيد والتهديد فلما لم ينفعهم قال اعرض عن المعالجة واقطع الفاسد لئلا يفسد الصالح فقوله عمن تولى الخ اشارة الى ماقلنا فان التولى عن ذكره كناية عن ملزمه الذى هو ترك النظر فى دلائل وجوده ووحدته وسائر صفاته وقوله ولم يرد الخ اشارة الى انكارهم الحشر ومن لم يقل بالحشر والحساب لايخاف ولا يرجع عما هو عليه ترك النظر فى دلائل الله لايعرفه فلا يتبع رسوله فلا ينفعه كلامه فلا يبقى فى الدعاء فائدة فلم يبق الا ترك المعالجة والمسارعة الى المقاتلة انتهى كلامه. ثم اعلم ان كل مايبعد العبد عن حضرة سيده فهو من الحياة الدنيا فمن قصد بالزهد والورع والتقى والكشف والكرامات وخوارق العادات قبول الناس والشهرة عندهم وحصول الجاه والمال فهو ممن لم يرد الا الحياة الدنيا فضاع جميع احواله وكسد جملة اقواله وافعاله اذ لاربح له عند الله ولا ثمرة

زعمرو اى بسر جشم اجرت مدار جو درخانه زيد باشى بكار

ولايغترن هذا بحصول بعض الكشوف واقبال اهل الدنيا عليه فانه ثمرة عاجلة ماله فى الآخرة من خلاق ألا ترى ان ابليس عبد الله تعالى تسعة آلاف سنة لما كفر وقال انظرنى الى يوم يبعثون امهله الله تعالى فكانت تلك المهلة ثمرة عاجلة له فى حياته الدنيوية