التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ
٣٠
-النجم

روح البيان في تفسير القرآن

{ ذلك } اى امر الدنيا وفى بحر العلوم اى ارادة الدنيا وايثارها على الآخرة وفى الارشاد اى ماأداهم الى ماهم فيه من التولى وقصر الارادة على الحياة الدنيا { مبلغهم من العلم } لايكادون يجاوزونه الىغيره حتى يجديهم الدعوة والارشاد كقوله تعالى { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } فمبلغ اسم مكان وجمع الضمير فى مبلغهم باعتباره معنى من كما ان افراده فيما سبق باعتبار لفظها والمراد بالعلم مطلق الادراك المنتظم للظن الفاسد والجلمة اعتراض مقرر لقصر همتهم على الدنيا الدنية التى هى ابغض الخلق الى الله تعالى بشهادة قوله عليه السلام "ان الله لم يخلق خلقا هو ابغض اليه من الدنيا ومانظر اليها منذ خلقها بغضا لها" رواه ابو هريرة رضى الله عنه ومعنى هو ان الدنيا على الله سبحانه انه تعالى لم يجعلها مقصودة لنفسه بل جعلها طريقا موصلة الى ماهو المقصود لنفسه ولذلك قال عليه السلام "الدنيا قنطرة فاعبروها لا تعمروها" فما ورد من اباحة لعن الدنيا فباعتبار ماكان منها مبعدا عن الله تعالى وشاغلا عنه كما قال بعض اهل الحقيقة ماالهاك عن مولاك فهو دنياك ومشئوم عليك واما مايقرب الى الله ويعين الى عبادته فممدوح كما قال عليه السلام "لاتسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ان العبد اذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله اعصانا لربه" (وفى المثنوى)

جيست دنيا از خدا غافل بدن نى قماش ونقره وميزان و زن
مال را كزبهر دين باشى حمول نعم مال صالح خواندش رسول
آب در كشتى هلاك كشتى است آب اند زير كشتى بشتى است
جونكه مال وملك را ازدل براند زان سليمان خويش جرسكين نخواند

قال بعض الكبار من ذم الدنيا فقد عق امه لان جميع الانكاد والشرور التى ينسبها الناس الى الدنيا ليس هو فعلها وانما هو فعل اولادها لان الشر فعل المكلف لافعل الدنيا فهى مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجوا من الشر فهى تحب ان لايشقى احد من اولادها لانها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الاخرى على غير اهبة مع كونها ما ولدتهم ولا تعبث فى تربيتهم فمن عقوق اولادها كونهم ينسبون جميع افعال الخير الى الآخرة ويقولون اعمال الآخرة والحال انهم ما عملوا تلك الاعمال الا فى الدنيا فللدنيا اجر المصيبة التى فى اولادها ومن اولادها فما انصف من ذمها بل هو جاهل بحق امه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة اجهل انتهى. واعلم ان الارادة والنية واحد وهو قصد قلبى ينبعث الى قلب الانسان بالبعث الالهى فهذا البعث الالهى ان كان بالفجور على ماقال تعالى { فألهمها فجورها وتقواها } فهو من اسم المضل وقبضة الجلال ويد القهر وسادنه هو الشيطان وان كان بالتقوى فهو من اسم الهادى وقبضة الجمال ويد اللطف وسادنه هو الملك والاول من عالم العدل والثانى من علام الفضل وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ثم ان نية الانسان لاتخلو اما أن يكون متعلقا فى لسانه وجنانه هو الدنيا فهو سيىء نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه هو الآخرة وفى جنانه هو الدنيا فهو اسوء نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملا واما أن يكون متعلقها فى لسانه وجنانه هو وجه الله فهو احسن نية وعملا فالاول حال الكفار والثانى حال المنافقين والثالث حال الابرار والرابع حال المقربين وقد أشار الحق سبحانه وتعالى الى احوال المقربين عبارة والى احوال غيرهم اشارة فى قوله تعالى { انا جعلنا ماعلى الارض زينة لها لنبلوهم أيهم احسن عملا } والمقربون قد فروا الى الله من جميع ما فى ارض الوجود ولم يلتفتوا الى شىء سوى وجهه الكريم ولم يريدوا من المولى غير المولى فكانوا احسن نية وعملا هذا صراط مستقيم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين { ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بمن اهتدى } تعليل للامر بالاعراض وتكرير قوله وهو اعلم لزيادة التقرير والايذان بكمال تباين المعلومين والمراد بمن ضل من اصر عليه ولم يرجع الى الهدى اصلا وبمن اهتدى من من شأنه الاهتدآء فى الجملة اى هو المبالغ فى العلم بمن لا يرعوى عن الضلال ابدا وبمن يقبل الاهتدآء فى الجملة لا غير فلا تتعب نفسك فى دعوتهم فانه من القبيل الاول وفيه اشارة الى النفس الكافرة ويهود صفاتها فانهم لايقبلون الدعوة لانتفاء استعدادهم لقبولها فمن كان مظهر القهر فى الازل لايكون مظهر اللطف فى الابد وبالعكس وفى الحديث القدسي "خلقت الجنة وخلقت لها اهلا وخلقت النار وخلقت لها اهلا فطوبى لمن جعلته اهلا للجنة وويل لمن جعلته اهلا للنار" قال بعض الكبار النفس لاتفعل الشر الا لجاجة من القرين واللجاج ممن لا قدرة على منعه ومخالفته بمنزلة الاكراه والمكره غير مؤاخذ بالشرع والعقل ولذا قال عليه السلام الخير عادة والشر لجاجة فهو بشارة عظيمة من العالم بالامور عليه السلام فانه اخبر ان النفس خيرة بالذات لان اباها الروح القدسى الطاهر وما تقبل الشر الا لجاجة من القرين فلم يجعل عليه السلام الشر من ذاتها