التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ
٣٢
-النجم

روح البيان في تفسير القرآن

{ الذين يجتنبون كبائر الاثم } صفة للذين احسنوا او بدل منه لكن قال سعدى المفتى لاحسن فى جعل الذين الخ مقصودا بالنسبة وجعل الذين احسنوا فى حكم المتروك ولو كان النظم على العكس لكان لها وجه انتهى يقول الفقير الاجتناب من باب التخلية بالمعجمة وهى اقدم فلذا جعلت مقصودة بالنسبة وصيغة الاستقبال فى صلته دون صلة الموصوف او المبدل منه للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره يعنى للاشعار بأن ترك المعصية سوآء كانت بارتكاب المحرمات او بترك الواجبات ينبغى أن يستمر عليه المؤمن ويجعل الاجتناب عنها دأبا له وعادة حتى يستحق المثوبة الحسنى فان من اجتنب عنها مرة وانهمك عليها فى باقى الازمان لايستحقها بخلاف الحسنات المتطوع بها فان من أتى بها ولو مرة يؤجر عليها وكبائر الاثم مايكبر عقابه من الذنوب وهو مارتب عليه الوعيد بخصوصه كالشرك والزنى مطلقا خصوصا بحليلة جاره وقتل النفس مطلقا لاسيما الاولاد وهى الموؤودة وقال ابن جبير هى مالا يستغفر منه لقوله عليه السلام "لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار" وفى الحديث "اياكم والمحقرات من الذنوب" قال ابن عباس رضى الله عنهما هى الى سبعين اقرب وتمام التفضيل سبق فى حمعسق فى نظير الآية { والفواحش } وما فحش من الكبائر خصوصا الزنى والقتل بغير حق وغيرهما فهو من قبيل التخصيص بعد التعميم قال الراغب الفحش والفحشاء والفاحشة ماعظم قبحه من الافعال الاقوال { الا اللمم } اللمم مقاربة المعصية ويعبر به عن الصغيرة من قولك الممت بكذا اى نزلت به وقاربته من غير مواقعة وألم الغلام قارب البلوغ والاستثناء منقطع لان المراد باللمم الصغائر وهى لاتدخل فى الكبائر والمعنى الا ماقل و صغر فانه مغفور ممن يجتنب الكبائر يعنى ان الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنب الكبائر قال تعالى { ان الحسنات يذهبن السيئات } وقال ان تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقيل هى النظر بلا تعمد فان أعاد النظر فليس بلمم وهو مذنب والغمزة والقبلة كما روى ان نبهان التمار أتته امرأة لتشترى التمر فقال لها ادخلى الحانوت فعانقها وقبلها فقالت المرأة خنت اخاك ولم تصب حاجتك فندم وذهب الى رسول الله عليه السلام فنزلت وقيل هى الخطرة من الذنب اى ماخطره من الذنب على القلب بلا عزم. وازقوت بفعل نيابد. وقيل كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا ولا عذابا وقال بعضهم اللمم والالمام مايعمله الانسان الحين بعد الحين ولايكون له عادة ولا اقامة عليه قال محمد بن الحنفية كل ماهممت به من خير وشر فهو لمم دليله قوله عليه السلام "ان للشيطان وللملك لمة فلمة الشيطان الوسوسة ولمة الملك الالهام" وقال ابن عباس رضى الله عنهما معناه ا لا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب ولم يثبت عليها فان الله يقبل توبته ويؤيده قوله عليه السلام "ان تغفر اللهم فاغفر جما واى عبد لك لا الما" فالاستثناء على هذا متصل وقال ابن عباس رضى الله عنهما ما رأيت اشبه باللمم مما نقله ابو هريرة رضى الله عن رسول الله عليه السلام "ان الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق وزنى الشفتين القبلة وزنى اليدين البطش وزنى الرجلين المشى والنفس تتمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك كله او يكذبه فان تقدم فرجه كان زانيا والا فهو اللمم" وفى الاسئلة المقحمة الذنوب كلها كبائر على الحقيقة لان الكل تتضمن مخالفة امر الله تعالى لكن بعضها اكبر من بعض عند الاضافة ولا كبيرة اعظم من الشرك واما اللمم فهو من جملة الكبائر والفواحش ايضا الا ان الله تعالى أراد باللمم الفاحشة التى يتوب عنها مرتكبها ومجترحها وهو قول مجاهد والحسن وجماعة من الصحابة منهم ابو هريرة رضى الله عنه { ان ربك واسع المغفرة } حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر فالجملة تعليل لاستثناء اللمم وتنبيه على ان اخراجه من حكم المؤاخذة به ليس لخلوه عن الذنب فى نفسه بل لسعة المغفرة الربانية.
وفى التأويلات النجمية كبائر الاثم ثلاث مراتب محبة النفس الامارة بالسوء ومحبة الهوى النافخ فى نيران النفس ومحبة الدنيا التى هى رأس كل خطيئة ولكل واحدة من هذه المحبات الثلاث فاحشة لازمة غير منفكة عنها اما فاحشة محبة النفس الامارة بالسوء فماوفقة الطبيعة ومخالفة الشريعة واما فاحشة محبة الهوى فحب الدنيا وشهواتها واما فاحشة محبة الدنيا فالاعراض عن الله والاقبال على ماسواه قوله الا اللمم اى الميل اليسير الى النفس والهوى والدنيا بحسب الضرورة البشرية من استراحة البدن ونيل قليل من حظوظ الدنيا بحسب الحقوق لابحسب الحظوظ فان مباشر الحقوق مغفور ومبادر الحظوظ مغرور كما قال ان ربك واسع المغفرة ومن سعة غفرانه ستر ظلمة الوجود المجازى بنور الوجود الحقيقى بالفناء عن ناسوتيته والبقاء بلا هوتيته انتهى قال بعض الكبار من استرقه الكون بحكم مشروع كالسعى فى مصالح العباد والشكر لاحد من المخلوقين من جهة نعمة اسداها اليه فهو لم يبرح عن عبوديته لله تعالى لانه فى ادآء واجب اوجبه الحق عليه واما تعبد العبد فمخلوق عن امر الله لايقدح فى العبودية بخلاف من استرقه الكون لغرض نفسى ليس للحق فيه رآئحة ا مر فان ذلك يقدح فى عبوديته لله تعالى ويجب عليه الرجوع الى الحق تعالى وقال بعض العارفين من المحال ان يأتى مؤمن معصية توعد ا لله عليها بالعقوبة فيفرغ منها الا ويجد فى نفسه الندم على وقوعها منه وقد قال صلى الله عليه وسلم
"الندم توبة" وقد قام بهذا المؤمن الندم فهو تائب بلا شك فسقط حكم الوعيد لهذا الندم فانه لابد للمؤمن أن يكره المخالفة ولا يرضى بها فهو من كونه كارها لها ومؤمنا بأنها معصية ذو عمر صالح وهو من كونه فاعلا لها ذو عمل سيىء فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وقد قال تعالى فيهم عسى الله أن يتوب عليهم يعنى ليتوبوا والله غفور رحيم انتهى فعلى العاقل أن يندم على المعاصى الواقعة منه ولا يغتر بالرب الكريم وان كان الله واسع المغفرة فانه تعالى شديد البطش والاخذ نسأل الله العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة { هو } تعالى { اعلم } منكم { بكم } اى بأحوالكم يعلمها { اذ أنشأكم } اى خلقكم فى ضمن انشاء أبيكم آدم عليه السلام { من الارض } انشاء اجماليا { واذا أنتم اجنة } ووقت كونكم اجنة { فى بطون امهاتكم } على اطوار مختلفة مترتبة لايخفى عليه حال من أحوالكم وعمل من أعمالكم التى من جملتها اللمم الذى لولا المغفرة الواسطة لاصابكم وباله وضروره والاجنة جمع جنين مثل اسرة وسرير والجنين الولد مادام فى البطن وهو فعيل بمعنى مفعول اى مدفون مستتر والجنين الدفين فى الشىء المستتر فيه من جنة اذا ستره واذا خرج من بطن امه لايسمى الا ولدا او سقطا وفى الاشباه هو جنين مادام فى بطن امه فاذا انفصل ذكرا فصبى ويسمى رجلا كما فى آية الميراث الى البلوغ فغلام الى تسعة عشر فشاب الى أربعة وثلاثين فكهل الى احد وخمسين فشيخ الى آخر عمره هذا فى اللغة وفى الشرع يسمى غلاما الى البلوغ وبعده شابا وفتى الى ثلاثين فكهل الى خمسين وشيخ وتمامه فى ايمان البزازية فان قيل الجنين اذا كان اسما له مادام فى البطن فما فائدة قوله تعالى فى بطون امهاتكم قلنا فائدته المبالغة فى بيان كمال علمه وقدرته فان بطون الامهات فى غاية الظلمة ومن علم حال الجنين فيها لايخفى عليه شىء من أحواله { فلا تزكوا أنفسكم } الفاء لترتيب النهى عن تزكية النفس على ماسبق من أن عدم المؤآخذة باللمم ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره عنكم اى اذا كان الامر كذلك فلا تثنوا عليها بالطهارة من المعصية بالكلية او بما يستلزمها من زكاء العمل ونماء الخير بل اشكروا الله تعالى على فضله ومغفرته وبالفارسية بس ستايش مكنيد نفسهاى خودرا به بى كناهى وبسيارى خيروخوبى اوصاف. وقال الحسن رحمه ا لله علم الله من كل نفس ماهى صانعة والى ماهى صائرة فلا تزكوا أنفسكم ولا تطهروها من الآثام ولا تمدحوها بحسن الاعمال لان كل واحد من التخلية والتحلية انما يعتد به اذا كان خالصا لله تعالى واذا كان هو أعلم بأحوالكم منكم فأى حاحة الى التزكية

همان به كرآبستن كوهرى كه همجون صدف سر بخود در برى
اكر مسك خالص ندارى مكوى وكرهست خود فاش كردد ببوى
منه آب زر جان من بربشيز كه صراف دانا نكيرد بجيز

واما من زكاه الغير ومدحه فقد ورد فيه (احثوا فى جه المداحين) اى الذين يمدحون بما ليس فى الممدوح (التراب) على حقيقته او هو مجاز عن ردهم عن المدح لئلا يغتر الممدوح فيتجبر وقيل المراد به أن لا يعطوهم شيأ لمدحهم او معناه الامر بدفع المال اليهم لينقطع لسانهم ولا يشتغلوا بالهجو وفيه اشارة الى أن المال حقير فى الواقع كالتراب قال ابو الليث فى تفسير المدح على ثلاثة اوجه الاول أن يمدحه فى وجهه فهو الذى نهى عنه والثانى أن يمدحه بغير حضرة ويعلم انه يبلغ فهذا ايضا ينهى عنه ومدح فى حال غيبته وهو لايبالى بلغه او لم يبلغه ومدح يمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذا انتهى (وفى المثنوى)

خلق مادر صورت خود كرد حق وصف مااز وصف او كيرد سبق
جونكه آن خلاق شكر وحمد جوست آدمى را مدح جويى نيز خوست
خاصه مرد حق كه در فضلست جست برشود زان باد جون خيك درست
ور نه باشد اهل زان باد دروغ خيك بدريدست كى كيرد فروغ

واما المدح بعد الموت فلا بأس به اذا لم يجاوز الحد كالروافض فى مدح اهل البيت { هو اعلم بمن اتقى } المعاصى جميعا وهو استئناف مقرر للنهى ومشعر تأن فيهم من يتقيها بأسرها وقيل كان ناس يعملون اعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت وهذا اذا كان بطريق الاعجاب او الرياء فأما من اعتقد أن ماعمله من الاعمال الصالحة من الله تعالى وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم فان المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر
وفى التأويلات النجمية يشير به الى أن علم الانسان بنفسه علم اجمالى وعلمه تعالى به تفصيلى والعلم التفصيلى اكمل واشمل من العلم الاجمالى و ايضا علم الانسان بنفسه علم مقيد قواه البشرية وهو متناه بحسب تناهى قواه البشرية وعلمه تعالى به علم مطلق اذ علمه عين ذاته فى مقام الواحدية غير ذاته فى مقام الواحدية والعلم المطلق أحوط وأجمع من العلم المقيد وايضا الانسان مخلوق على صورة الله كما قال عليه السلام
"ان الله خلق آدم على صورته" وفى رواية اخرى على صورة الرحمن والله تعالى عالم بصورته المنزهة عن الشكل المقدسة عن الهيئة والانسان غير عالم بها على كيفية علم الله اذلا يعلم الله الا الله كما قال { وما قدروا الله حق قدره } اللهم الا أن يفنى عن علمه المقيد ويبقى بعلمه المطلق هذا هو تحقيق اعلمية الحق تعالى وقوله { وهو اعلم بمن اتقى } اى بمن اتقى بالله عما سواه بحيث جعل الله تعالى وقاية نفسه لينسب كل مايصدر عنه من العلم والعمل اليه فانه هو المؤثر فى الوجود ومنه كل فيض وفضل وخير وجود