التفاسير

< >
عرض

وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٣٢
-القمر

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر } وفى الآيات ا شارة الى ثمود النفس الامارة بالسوء ومعاملتها مع نذير القلب فانه يدعوها الى الانسلاخ عن الصفات البشرية والتلبس بالصفات الروحانية وهى تدعى المجانسة معه اذ النفس والروح بل النفس اخت القلب من جانب ايسر البطن وكذا تدعى تقدم رتبتها على القلب وتصرفها فى القالب ومايحتوى عليه من القوى البشرية والطبيعية وتأخر رتبة القلب لانه حصل بعد ازدواج الروح مع النفس فبسبب تقدم رتبة النفس على القلب استنكفت النفس عن اتباعه وامتثال لاوامره وماعرفت ان تقدم الشرف والحسب اعلى وأفضل من تقدم الشرف والنسب ولذا قالت الحكماء توانكرى بهزست نه بما وبزركى بعقلست نه بسال وقال بعضهم

وما ينفع الاصل من هاشم اذا كانت النفس من باهله

وهى قبيلة عرفت بالدناءة والخساسة جدا فخطأت النفس نذير القلب مع ان الخاطئة نفسها وامتحنته باخراج الناقة وذلك ان حقيقة النفس واحدة غير متعددة لكن بحسب توارد الصفات المختلفة عليها تسمى بالاسماء المختلفة فاذا توجهت الى الحق توجها كليا تسمى بالمطمئنة واذا توجهت الى الطبيعة البشرية توجها كليا تسمى بالامارة واذا توجهت الى الحق تارة والى الطبيعة اخرى تسمى اللوامة فثمود النفس الامارة طلبت على جهة المكر والاستكبار من صالح رسول القلب المرسل من حضرة الروح أن يظهر ناقة النفس المطمئنة من شاهق جبل النفس الامارة بان يبدل صفتها من الامارية الى الاطمئنان فسأل صالح رسول القلب من حضرة الروح مسؤلها فأجابته اظهارا للقدرة والحكمة حتى غلبت انوار الروح وانطمست ظلمة النفس كما ينطمس عند طلوع الشمس ظلام الليل وكان للنفس المطمئنة شرب خاص من المعارف والحقائق كما كان للنفس الامارة شرب خاص من المشارب الجسمانية فنادى الهوى واعوانه بعضهم بعضا باستخلاص النفس الامارة من استيلاء نور الروح عليها مخافة أن ينغمس الهوى ايضا تحت هذا النور فتعاطى بعض اصحاب الهوى ذلك وكانت النفس الامارة ما تمكنت من مقام الاطمئنان تمكنا مستحكما بحيث لاتتأثر بل كان لها بقية تلوين فقتلوها بابطال طمأنينتها فرجعت القهقرى فانقهرت النفس والهوى تحت صيحة القهر وصارت متلاشية فى حضرة القهر والخذلان محترقة بنار القطيعة والهجران كما قال { فكيف كان عذابى ونذر } فمن كان اهل الذكر والقرءآن اى الشهود الجمعى يعتبر بهذا الفراق ويجتهد الى أن يصل الى نهاية الاطمئنان على الاطلاق فان النفس وان تبدلت صفتها الامارية الى المطمئنة لايؤمن مكرها وتبدلها من المطمئنة الى الامارية ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشؤمة الى طبعها وجبلتها كما كان حال بلعام وبرصيصا ولذا قال عليه السلام "لاتكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك" وقال الجنيد قدس سره لاتألف النفس الحق ابدا ألا ترى ان الذمى وان قبل الخراج فانه لايألف المسلم الفة مسلم وفرخ الغراب وان ربى من الصغر وعلم فانه لايخلو من التوحش فالنفس ليست بأهل الاصطناع والمعروف والملاطفة ابدا وانما شأنها تضييقها ومجاهدتها ورياضتها الى مفارقة الروح من الجسد (ولذا قال فى المثنوى)

اندرين ره مى خراش ومى تراش تادم آخر دمى فارغ مباش

ومنه يعلم سر قولهم ان ورد الاستغفار لايسقط بحال ولذا قال تعالى { فسبح بحمد ربك واستغفره } مع ظهور الفتح المطلق نسأل الله تعالى أن يجعلنا من العلماء العاملين والادباء الكاملين بسر النبى الامين