التفاسير

< >
عرض

فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
١٣
-الرحمن

روح البيان في تفسير القرآن

{ فبأى آلاء ربكما تكذبان } الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى { للانام } لعمومه لهما واشتماله عليهما وسينطق به قوله تعالى { ايها الثقلان } وكذا فى ذكر ابوى الفريقين بقوله { خلق الانسان } خلق الجان اشعار بأن الخطاب لهما جميعا والآلاء النعم واحدها الى والى والو والى والى كما فى القاموس فى بحر العلوم الآلاء النعم الظاهرة والباطنة الواصلة الى الفريقين وبهذا يظهر فساد ماقيل من ان الآلاء هى النعم الظاهرة فحسب والنعماء هى النعم الباطنة والصواب انهما من الالفاظ المترادفة كالأسود والليوث والفلك والسفن وفى التأويلات النجمية الآلاء هى النعمة الظاهرة والنعماء الباطنة والآيات المتوالية تدل على هذا لانها نعمة ظاهرة بالنسبة الى اهل الظاهر ومعنى تكذيبهم بالآلاء كفرهم بها والتعبير عن الكفر بالتكذيب لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الايمان والشكر شهادة منها بذلك فكفرهم بها تكذيب بها لامحالة اى فاذا كان الامر كما فصل فبأى فرد من افراد آلاء مالككما ومربيكما بتلك الآلاء تكذبان مع ان كلا منها ناطق بالحق شاهد بالصدق فالاستفهام للتقرير اى للحمل على الاقرار بتلك النعم ووجوب الشكر عليها (روى) عن جابر رضى الله عنه انه قال قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها قال "مالى أراكم سكوتا للجن كانوا احسن منكم ردا ماقرأت عليهم هذه الآية مرة { فبأى آلاء ربكما تكذبان } الا قالوا ولا بشىء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد" قال فى بحر العلوم وفيه دلالة بينة على ان الآلاء أراد بها النعم المطلقة الشاملة للظاهرة والباطنة لا المقيدة بالظاهرة كما سبق اليه بعض الاوهام انهى قال فى آكام المرجان دلت الآية على ان الجن كلهم مكلفون ولا خلاف فيه بين اهل النظر وزعمت الحشوية انهم مضطرون الى افعالهم وانهم ليسوا مكلفين والدليل على انهم مكلفون مافى القرءآن من ذم الشياطين ولعنهم والتحذير من غوآئلهم وشرهم وذلك ما اعده الله لهم من العذاب وهذه الخصال لايفعلها الله الا لمن خالف الامر والنهى وارتكب الكبائر وهتك المحارم مع تمكنه من ان لايفعل ذلك وقدرته على فعل خلافه ويدل على ذلك ايضا انه كان من دين النبى عليه السلام لعن الشياطين والبيان عن حالهم وانهم يدعون الى الشر والمعاصى ويوسوسون بذلك وتكرار هذه الآية فى هذه الصورة لطرف الغفلة وتأكيد الحجة وتذكير النعمة وتقرير الكرامة من قوله كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وكقولك لرجل احسنت اليه بأنواع الايادى وهو ينكرها الم تكن فقيرا فأغنيتك افتنكر هذا ألم تكن عريانا فكسوتك أفتنكر هذا الم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا وقال الشاعر

لاتقطعن الصديق ماطرفت عيناك من قول كاشح أشر
ولا تملن من زيارته زره وزره زر ثم زر وزر

وقال فى برهان القرءآن تكررت الآية احدى وثلاثين مرة ثمان منها ذكرها عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم ثم سبع منها عقيب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد ابواب جهنم وحسن ذكر الآلاء عقيبها لان فى خوفها ودفعها نعما توازى النعم المذكورة او لانها حلت بالاعداء وذلك يعد من اكبر النعماء وبعد هذه السبع ثمان فى وصف الجنات واهلها على عدد ابواب الجنة وثمان اخرى بعدها للجنتين دونهما فمن اعتقد الثمانى الاولى وعمل بموجبها استسحق كلتا الثمانيتين من الله ووقاه السبع السابقة، يقول الفقير من لطائق اسرار هذا المقام ان لفظ ال فى اول اسم الرحمن المعنون به هذه السورة الجليلة دل على تلك الاحدى والثلاثين