التفاسير

< >
عرض

وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ
٢٧
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٨
-الرحمن

روح البيان في تفسير القرآن

{ ويبقى وجه ربك } اى ذاته ومنه كرم الله وجهه اى ذاته فالوجه العضو المعروف استعير للذات لانه اشرف الاعضاء ومجمع المشاعر وموضع السجود ومظهر آثار الخشوع قال القاضى ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها باسرها فانية فى حد ذاتها الا وجه الله الذى يلى جهته انتهى قال سعدى المفتى فى حاشية هذا المحل هذا اشارة الى وجه آخر وهو أن يكون الوجه بمعنى القصد اى مايقصد وينوى به الله والجهات بمعنى المقاصد وفى العبارة نوع تسامح وقوله يلى جهته اى مقصده والاضافة للبيان اى يتوجه اليه انتهى وقال ابن الشيخ اشارة الى ان الوجه يجوز أن يكون كناية عن الجهة بناء على ان كل جهة لاتخلو عن وجهه يتوجه اليها كما ذكر فى قوله فى جنب الله اى كل من عليها من الثقلين واما اكتسبوه من الاعمال هالك الا ماتوجهوا به جهة الله وعملوه ابتغاء لمرضاته انتهى وقال الشيخ ابن نور الدينرحمه الله الماهيات تنقسم الى ثلاثة اقسام واجب الوجود وممتنع الوجود وممكن الوجود اما الواجب فهو وجود بحت واما الممتنع فهو عدم محض واما الممكن فهو مركب منهما وذلك لان له وجودا وماهية عارضة على وجوده فما هيته امر اعتبارى معدوم فى الخارج لاقبل الوجود فيه من حيث هو هو ووجوده موجود لايقبل العدم من حيث هو هو فكان الممكن موجودا ومخلوقات من وجود وعدم وهذه الجمعية تقبل الوجود والعدم ومن هذا ظهر حقيقة ماقال البيضاوى ولو استقريت الخ وما قاله الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر فى تفسير قوله تعالى { كل شىء هالك الا وجهه } } حيث قال الضمير راجع الى الشىء انتهى { ذو الجلال والاكرام } صفة وجه اى ذو الاستغناء المطلق او العظمة فى ذاته وصفاته وذو الفضل التام وهذه من عظائم صفاته تعالى ولقد قال عليه السلام "ألظوا بيا ذا الجلال ولا كرام" ، يعنى ملازم بكوبيد ياذا الجلال والاكرام وفى تاج المصادر الالظاظ ملازم كرفتن ودائم شدن باران، والالحاح ايضا وفى القاموس اللظ اللزوم والالحاح وعنه عليه السلام انه مر برجل وهو يصلى ويقول ياذ الجلال والاكرام فقال "استجيب لك الدعاء" الدعاء بهاتين الكلمتين مرجو الاجابة وفى وصفه تعالى بذلك بعد ذكر فناء الخلق وبقائه تعلى ايذان بأنه تعالى يفيض عليهم بعد فنائهم ايضا آثار لطفه وكرمه حسبما ينبى عنه قوله تعالى { فبأى آلاء ربكما تكذبان } فان احياءهم بالحياة الابدية واثباتهم بالنعيم المقيم اجل النعماء واعظم الآلاء قال الطيبى كيف افرد الضيمر فى قوله { وجه ربك } وثناه فى ربكما والمخاطب واحد قلت اقتضى الاول تعميم الخطاب لكل من يصلح للخطاب لعظم الامر وفخامته فيندرج فيه الثقلان اندراجا اوليا ولا كذلك الثانى فتركه على ظاهره وفى قوله { كل من عليها فان } الى فناء كل من على ارض البشرية اما بالموت الطبيعى منغسما فى بحر الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية واما بالموت الارادى منسلخا عن الصفات البشرية ملتبسا بالصفات الروحانية وتغليب من اشارة الى ذوى العقول السليمة عن آفات القوة الوهمية والخيالية فانهم بذكاء فطرتهم وبقاء طينتهم يفنون عن الاحكام الطبيعية ويبقون بالتجليات الالهية وبقوله ويبقى وجه الخ اشارة الى فناء الكثرة النسبية الاسمائية وبقاء الوحدة الحقيقية الذاتية الموصوفة بالصفة الجلالية القهرية والجمالية اللطيفة { فبأى آلاء ربكما تكذبان } مما ذكرنا من افناء الحياة المجازية وابقاء الحياة الحقيقية واظهار الصفة اللطيفة فى حق مستحقى اللطف واظهار الصفة القهرية فى حق مستحقى القهر لعلمه المحيط باستحقاقها وقال بعضهم لو نظرت بنظر التحقيق فى الكون واهله لرأيت حقيقة فنائه وفناء اهله وان كان فى الظاهر على رسم الوجود لان من يكون قيامه بغيره فهو فان فى الحقيقية اذ لا يقوم بنفسه ولا نفس له فى الحقيقية فان الوجود الحقيقى وجود القدم لذلك اثنى على نفسه بقوله { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام } (قال الشيخ المغربى

سايه هستى ميناميد ليك اندر اصل نيست نيست را ازهست بشناختى يابى نجات

(وقل المولى الجامى)

تو درميانه هيج نه هرجه هست اوست هم خود الست كويد وهم خود بلى كند

وفى ذكر وجهه الباقى تسلية لقلوب العشاق اى أنا أبقى لكم ابدا لا تغتموا فان لكم ماوجدتم فى الدنيا من كشف جمالى ويتسرمد ذلك لكم بلا حجاب ادبا وفى ذكر الجلال تهييج لاهل المحبة والهيبة وفى كاف الوحدة اشارة الى حبيبه عليه السلام يعنى كشف الوجه باق لك ابدا اريتك وجهى خاصة ثم العشاق اتباع لك فى النظر الى وجهى فاول الكشف لك ثم للعموم، واعلم ان وجود الباقى جميعه وجه وبين التجليات تفاوت وفى الحديث "ان الله يتجلى لابى بكر خاصة ويتجلى للمؤمنين عامة"