التفاسير

< >
عرض

ٱلرَّحْمَـٰنُ
١
عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ
٢
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ
٣
عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ
٤
-الرحمن

روح البيان في تفسير القرآن

{ الرحمن } مبتدأ خبره مابعده اى الذى له الرحمة الكاملة كما جاء فى بعض الدعاء رحمان الدنيا ورحيم الآخرة لانه عم الرزق فى الدنيا كما قيل

اديم زمين سفره عام اوست برين خوان يغما جه دشمن جه دوست

وخص المؤمنين بالعفو فى الآخرة وبالفارسية خداوند بخشايش بسياركه رحمت او همه جيز را رسيده، والرحمة فى الحقيقة العف والحنوا عنى الميل الروحانى ومنه الرحم لانعطافها الحسى على مافيها وأريد بها بالنسبة الى الله تعالى ارادة الخير والانعام لان عطف على احد اصابه بأحدهما قال الامام الغزالىرحمه الله الرحمن هو العطوف على العباد بالايجاد اولا وبالهداية الى الايمان واسباب السعادة ثانياً والاسعاد بالآخرة ثالثا والانعام بالنظر الى وجه الكريم رابعا انتهى ولما كانت هذه السورة الكاملة شاملة لتعداد النعم الدنيوية والاخروية والجسمانية والروحانية طرزها بطراز اسم الرحمن الذى هو اسم الذات المشتمل على جميع الاسماء والصفات ليسند اليه النعم المختلفة بعده ولما كان القرءآن اعظم النعم شأنا لانه مدار جميع السعادات ولذا قال عليه السلام "اشراف امتى حملة القرءآن" اى ملازموا قرآءته واصحاب الليل وقال "خيركم من تعلم القرءآن وعلمه" وفيه جميع حقائق الكتب السماوية وكان تعليمه من آثار الرحمة الواسعة واحكامها بدأبه فقال { علم } محمد صلى الله عليه وسلم { القرءآن } بواسطة جبريل عليه السلام وبواسطة محمد عليه السلام غيره من الامة (قال الكاشفى) يعنى آسان كردانيده مر اوارا آموختن وديكرا انرا آموزانيدن، قال ابن عطاءرحمه الله لما قال الله تعالى { وعلم آدم الآسماء كلها } أراد ان يخص امة محمد بخاصة مثله فقال { الرحمن علم القرءآن } اى الذى علم آدم الاسماء وفضله بها على الملائكة هو الذى علمكم القرءآن وفضلكم به على سائر الامم فقيل له متى علمهم قال علمهم حقيقة فى الازل واظهر لهم تعليمه وقت الايجاد وفيه اشارة الى أن تعليم القرءآن وان كان فى الصورة بواسطة جبريل من الوجه العام لكنه كان بلا واسطة فى المعنى من الوجه الخاص على ماسنريد وضوحا فى محله ان شاء الله تعالى وقال بعضهم { علم القرءآن } اى أعطى الاستعداد الكامل فى الازل لجميع المستعدين ولذلك قال { علم القرءآن } ولم يقل علم الفرقان كما فى قوله تعالى { تبارك الذى نزل الفرقان } فان الكلام الالهى قرءآن باعتبار الجمع والبداية وفرقان باعتبار الفرق والنهاية فهو بهذا المعنى لايتوقف على خلق الانسان وظهوره فى هذا العالم وانما الموقوف عليه تعليم البيان ولذا قدم تعليم القرءآن على خلق الانسان وخلقه على تعليم البيان انتهى وفى الآية اشارة الى أن التعليم والتسهيل انما هو من الله تعالىلا من المعلمين الحافظين وقد علم آدم الاسماء ووفقه لتعلمها وسهله باذنه وعلم داود صنعة الدرع كما قال وعلمناه صنعة لبوس لكم وعلم عيسى علم الطب كما قال { ويعلمه الكتاب والحكمة } وعلم الخضر العلم اللدنى ما قال { وعلمناه من لدنا علما } وعلم نبينا عليه السلام القرءآن واسرار الألوهية كما قال { وعلمك مالم تكن تعلم } وعلم الانسان البيان قال فى فتح الرحمن ومن الدليل على ان القرءآن غير مخلوق ان الله تعالى ذكره فى كتابه العزيز فى اربعة وخمسين موضعا مافيها موضع صرح فيه بلفظ الخلق ولا أشار اليه وذكر الانسان فى ثمانية عشر موضعا كلها يدل على خلقه وقد اقترنا فى هذه السورة على هذا النحو قاله المولى ابو السعودرحمه الله ثم قيل { خلق الانسان علمه البيان } تبيينا للمعلم وكيفية التعليم والمراد بخلق الانسان انشاؤه على ماهو عليه من القوى الظاهرة والباطنة والبيان هو التعبير عما فى الضمير قال الراغب البيان الكشف عن الشىء وهو أعم من النطق لان النطق مختص بالانسان وسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود واظهاره انتهى وليس المراد بتعليمه مجرد تمكين الانسان من بيان نفسه بل منه ومن فهم بيان غيره ايضا اذ هو الذى يدور عليه تعليم القرءآن والمراد به جنس الانسان الشامل لجميع اصنافه وافراده وفى بحر العلوم خلق الانسان اى آدم وعلمه الاسماء واللغات كلها وكان آدم يتكلم بسبعمائة الف لغة افضلها العربية انتهى.
يقول الفقير فيه اشارة الى ان الله تعالى قد تكلم بجميع اللغات سوآء كان التعليم بواسطة ام لا فان قلت كيف يتكلم الله باللغات المختلفة والكلام النفسى عار عن جميع الاكسية قلت نعم ولكنه فى مراتب التنزيلات والاسترسالات لابد له من الكسوة فالعربية مثلا كسوة عارضة بالنسبة الى الكلام فى نفسه وقد ذقنا فى انفسنا انه يجيىء الالهام والخطاب تارة باللفظ العربى واخرى بالفارسى وبالتركى مع كونه بلا واسطة ملك لان الاخذ عن الله لاينقطع الا يوم القيامة وذلك بلا واسطة وان كان الغالب واسطة الملك من حيث لايرى فاعرف ذلك