التفاسير

< >
عرض

يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ
٣٣
-الرحمن

روح البيان في تفسير القرآن

{ يامعشر الجن والانس } هما الثقلان خوطبا باسم جنسهما لزيادة التقرير ولان الجن مشهورون بالقدرة على الافاعيل الشاقة فخوطبوا بما ينبىء عن ذلك لبيان أن قدرتهم لا تفى بما كلفوه والمعشر الجماعة العظيمة سميت به لبلوغه غاية الكثرة فان العشر هو العدد الكامل الكثير الذى لا عدد بعده الا بتركيبة بما فيه من الآحاد تقول احد عشر واثنا عشر وعشرون وثلاثون اى اثنتا عشرات وثلاث عشرات فاذا قيل معشر فكأنه قيل محل العشر الذى هو الكثرة الكاملة وقدم الجن على الانس فى هذه الآية لتقدم خلقه والانس على الجن فى قوله تعالى { لئن اجتمعت الانس والجن } لفضله فان التقديم يقتضى الافضلية قال ابن الشيخ لما بين الله تعالى انه سيجيىء وقت يتجرد فيه لمحاسبتهم ومجازاتهم وهددهم بما يدل على شدة اهتمامه بها كان مظنة ان يقال فلم ذلك مع ماله من كمال الاهتمام به فأشار الى جوابه بما محصوله انهم جميعا فى قبضة قدرته وتصرفه لايفوته منهم احد فلم يتحقق باعث يبعثه على الاستعجال لان مايبعث المستعجل انماهو خوف الفوت وحيث لم يخف ذلك قسم الدهر كله الى قسمين احدهما مدة ايام الدنيا والآخر يوم القيامة وجعل المدة الاولى ايام التكليف والابتلاء والمدة الثانية للحساب والجزآء وجعل كل واحدة من الدارين محل الرزايا والمصائب ومنبع البلايا والنوآئب ولم يجعل لواحد من الثقلين سبيلا للفرار منهما والهرب مما قضاه فيهما فقوله { يامعشر الجن } متعلق بقوله { سنفرغ لكم } فكانا بمنزلة كلام واحد { ان استطعتم } لم يقل ان استطعتما لان كل واحد منهما فريق كقولهم فاذا هم فريقان يختصمون اى كل فريق منهم يختصم فجمع الضمير هنا نظرا الى معنى الثقلين وثناه فى قوله { يرسل عليكما } كما سيأتى نظرا الى اللفظ اى ان قدرتم على { أن تنفذوا من اقطار السموات والارض } قال فى القاموس النفاذ جواز الشىء عن الشىء والخلوص منه كالنفوذ ومخالطة السهم جوف الرمية وخروج طرفه من الشق الآخر وسائره فيه كالنفذ ونفذهم جازهم وتخلفهم كأنفذهم والنافذ الماضى فى جميع اموره انتهى والاقطار جمع قطر بالضم وهو الجانب والمعنى أن تخرجوا من جوانب السموات والارض هاربين من الله فارين من قضائه { فانفذوا } فاخرجوا منها وخلصوا انفسكم من عقابى وهو امر تعجيز ولمراد انهم لايفوتونه ولا يعجزونه حتى لايقدر عليهم { لاتنفذون } لاتقدرون على النفوذ { الا بسلطان } اى بقوة وقهر وانتم من ذلك بمعزل بعيد (روى) ان الملائكة تنزل فتحيط بجميع الخلائق فيهرب الانس والجن فلا يأتون وجها الا وجدوا الملائكة احاطت به فتقول لهم الملائكة ذلك فكما لايقدر احد على الفرار يوم القيامة كذلك لايقدر فى الدنيا فيدركه الموت والقضاء لامحالة