التفاسير

< >
عرض

لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ
٧٠
-الواقعة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لو نشاء جعلناه اجاجا } ملحا زعاقا لايمكن شربه وحذف اللام فى الشرطية الاولى للفرق بين المطعوم والمشروب فى الاهمية وصعوبة الفقد يعنى ان امر المطعوم ههنا مع اثباتها مقدم على المشروب وان الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل ان المشروب انما يحتاج اليه تبعا للمطعوم { فلولا تشكرون } فهلا تشكرون ماذكر جميعا من المطعوم والمشروب بتوحيد منعمه واطاعة امره او فلولا تشكرون على ان جعلناه عذبا وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان تحت العرش بحرا تنزل منه ارزاق الحيوانات يوحى الله اليه فيمطر ماشاء من سماء الى سماء حتى ينتهى الى سماء الدنيا ويوحى الى السماء ان غربليه فتغربله فليس من قطرة تقطر الا معها ملك يضعها موضعها ولا ينزل من السماء قطرة الا بكيل معلوم ووزن معلوم الا ماكان من يوم الطوفان فانه نزل بغير كيل ولا وزن وقال بعض الحكماء ان المطر يأخذه قوس الله من البحر الى السحاب ثم ينزل من السحاب الى الارض قال بعضهم هو أدخل فى القدرة لان ماء البحر مر فيصعد ملحا وينزل عذبا وفى الآية اشارة الى ان بعض بلاد العرب ليس لها آبار ولا انهار جارية فلا يشرب اهلها الا من المطر فى المصانع فمنها القدس الشريف وينبع وجدة المحروسة ونحوها وللماء العذب مزيد فضل فى هذه البلاد ولذا امتن الله به على العباد وفيها اشارة الى ماء معرفة والعلم الالهى فانه ليس بالكسب والاجتهاد بل بمحض عطاء الله تعالى ولو شاء الله لجهل الماء العذب الجارى من مشرب الكشف والشهود ماء ملحا جاريا من مشرب الحجاب والجهالة والضلالة فلا بد من الشكر على نعم المعارف والحقائق والحكم.
واعلم ان من حفر بئرا فاما أن يصل الى الماء او لا فان وصل فاما أن يكون ذلك الماء مالحا او عذبا فعلى تقدير كونه عذبا ليس كالمطر الحاصل بلا اسباب فانه طيب طاهر خالص فهذا مثل علم علماء الرسوم ومثل علم علماء الحقيقة فان الانبياء والاولياء ملهمون من عند الله تعالى ولا خطأ فى لوحى والالهام اصلا ولذا تقول ان علم الصوفية هو العلم الصواب كله فعلمهم تذكرى ليس لهم احتياج الى ترتيب المقدمات بخلاف علماء الرسوم فان علمهم تفكرى هتاج الى ذلك ولا بد لطالب الفيض من تهيئة المحل قبل وروده ألا ترى الى صاحب الحرث فانه يشتغل بتهيئة الارض والقاء البذر ولا يدرى من ينزل المطر فاذا نزل أصاب محزه، ثم اعلم ان الروح ينزل بالمطر وله تعين فى كل نشأة بما يناسبه فعند تمام الخلقة فى الرحم ينفخ الله تعالى الروح وهو عبارة عن تعين الروح وظهوره لكن عبر عنه بالنفخ لان العقل قاصر عن دركه وكان عليه السلام يكشف رأسه عند نزول المطر ويقول حديث عهد بربه فالروح اى روح كان سبب للحياة مطلقا فينبغى تلقى التجليات الواردة من قبل الحق بهيئة المحل كما ان النبى عليه السلام كشف رأسه وهيأ محل نزول المطر وذلك لان المطر ينزل من العلو فلقى على أعلى شىء فى الانسان وهو الرأس