التفاسير

< >
عرض

ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ
٢٠
-الحديد

روح البيان في تفسير القرآن

{ اعلموا } بدانيد اى طالبان دنيا { انما الحياة الدنيا } لفظ الحياة زآئدة والمضاف مضمر اى امور الدنيا ويجوز أن تجعل الحياة الدنيا مجازا عن امورها بعلاقة اللزوم وفى كشف الاسرار الحياة القربى فى الدار الاولى وبالفارسية زندكانىء اين سراى، وماصلة فان المقصود الحياة فى هذه الدار فكل ماقبل الموت دنيا وكل ماتأخر عنه اخرى { لعب } اى عمل باطل تتعبون فيه أنفسكم اتعاب اللاعب بلا فائدة

بازبجه ايست طفل قريب اين متاع دهر بى عقل مرد مانكه بد ومبتلا شوند

{ ولهو } تلهون به أنفسكم وتشغلونها عما يهمكم من اعمال الآخرة { وزينة } من الملابس والمراكب والمنازل الحسنة تزينون بها { وتفاخر بينكم } بالانساب والاحساب تتفاخرون بها والفخر المباهاة فى الاشياء الخارجة عن الانسان كالمال والجاه ويعبر عن كل نفيس بالفاخر كما فى المفردات { وتكاثر فى الاموال والاولاد } بالعدد والعدد يعنى ومباهاتست بكثرت اموال واولاد لاسيما التطاول بها على اولياء الله، وبدانيد كه در اندك زمانى آن بازى برطرف شود ولهو وفرح يغم وترح مبدل كردد وريشها از همه فروريزد وتفاخر وتكاثر جون شراره آتش نابود شودت، وقيل لعب كلعب الصبيان وزينة كزينة النسوان وتفاخر كتفاخر الاقران وتكاثر كتكاثر الدهقان قال على لعمار رضى الله عنهما لاتحزن على الدنيا فان الدنيا ستة اشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح فأكبر طعامها العسل وهو ريقة ذبابة واكبر شرابها الماء ويستوى فيه جميع الحيوان واكبر الملبوس الديباج وهو نسج دودة واكبر المشموم المسك وهو دم ظبية واكبر المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال واكبر المنكوح النساء وهو مبال فى مبال وفى الحديث "مالى وللدنيا انما مثلى ومثل الدنيا كمثل راكب قام فى ظل شجرة فى يوم صائف ثم راح وتركها"

جهان اى بسر ملك جاويد نيست زدنيا وفادار اميد نيست

{ كمثل غيث } محل الكاف النصب على الحالية من الضمير فى لعب لان فيه معنى الوصف اى تثبت لها هذه الاوصاف مشبهة غيثا او خبر متبدأ محذوف اى هى كمثل او خبر بعد خبر للحياة الدنيا والغيث مطر محتاج اليه بغيث الناس من الجدب عند قوله المياه فهو مخصوص بالمطر النافع بخلاف المطر فانه عام { اعجب الكفار } اى الحراث قال الازهرى العرب تقول للزراع كافر لانه يكفر اى يستر بذره بتراب الارض والكفر فى اللغة التغطية ولهذا يسمى الكافر كافر لانه يغطى الحق بالباطل والكفر القبر لسترها الناس وفى الحديث "اهل الكفور اهل القبور" والليل كافر لستره الاشخاص { نباته } اى النبات الحاصل منه والمراد الكافرون بالله لانهم اشد اعجابا بزينة الدنيا ولان المؤمن اذا رأى معجبا انتقل فكره الى قدرة صانعه فأعجب بها والكافر لايتخطى فكره عما احسن به فيستغرق فيه اعجابا وقد منع فى بعض المواضع عن اظهار الزينة صونا لقلوب الضعفاء كما فى الاعراس ونحوها { ثم يهيج } اى يجف بعد خضرته ونضارته بآفة سماوية او ارضية يقال هاج النبت يهيج هيجا وهياجنا وهياجا بالكسر يبس والهائجة ارض يبس بقلها او اصفر واهاجه أيبسه وأهيجها وجدها هائجة للنبات { فتراه مصفرا } بعد ما رأيته ناضرا مونقا وانما لم يقل فيصفر ايذانا بأن اصفراره مقارن وانما المرتب عليه رؤيته كذلك { ثم يكون } بس كردد بعد از زردى { حطاما } درهم شكسته وكوفته وريزه ريزه شده:
قال فى القاموس الحطم الكسر او خاص باليابس فالآية تحقير لامور الدنيا اعنى مالا يتوصل به الى الفوز الآجل ومنه المثل وببيان انها امور خيالية اى باطلة لاحقيقة لها وعن على رضى الله عنه الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا قليلة النفع سريعة الزوال لايركن اليها العقلاء فضلا عن الاطمئنان بها وتمثيل لحالها فى سرعة تقضيها وقلة نفعها بحال النبات المذكور زينة الحياة الدنيا هى زينة الله الا انها تختلف بالقصد وهى محبوبة بالطبع فاذا تحرك العبد اليها بطبعه كانت زينة الحياة الدنيا فذم بذلك وان كانت غير محرمة شرعا واذا تحرك اليها بأمر من ربه كانت زينة الله وحمد بها وذلك لان أمر الله وكل مايرجع اليه جد كله والحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر وفخر الانسان على مثله انما هو من جهله بحقيقته فهذا سبب الذم قال بعض الكبار الشهوات سبع وهى ماذكر فى قوله تعالى
{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث } وقد انزلها الله الى خمس فى هذه الآية وهى { اعلموا انما الحياة الدينا } الخ ثم أنزل هذه الخمس الى أمرين فى آية اخرى كما قال فى سورة محمد { انما الحياة الدنيا لعب ولهو } ثم جعل هذين الامرين امرا واحدا فى قوله تعالى { فأما من خاف ماقم ربه ونهى النفس عن الهوى } فالهوى جامع لانواع الشهوات فمن تخلص من الهوى من كل قيد وبرزخ بلغ مسالك الوصول الى المطلب الا على والمقصد الاقصى { وفى الآخرة عذاب شديد } لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة وقدم ذكر العذاب لانه من نتائج الانهماك فيما فصل من احوال الحياة الدنيا { ومغفرة } عظيمة كائنة { من الله ورضوان } كثير يقادر قدره لمن أعرض عنها وقصد بها الآخرة بل الله تعالى فان الدنيا والآخرة حرامان على اهل الله

اى طلب دنيا توبسى مغرورى وى مائل عقبى تويكى مزدورى
وى آنكه زميل هردو علام دروى تو طالب نور بلكه عين نورى

وفيه اشارة الى فضل النية الحسنة وانها تحيل المباح ونحوه طاعة قال بعض الكبار من استقامت سريرته وصلحت نيته أدرك جميع ماتمناه من الاعمال الصالحة وفى الخبر "من نام على طهارة وفى عزمه انه يقوم من الليل فأخذ الله بنفسه الى الصباح كتب الله له قيام ليله" وورد مثل ذلك فيمن خرج لجهاد او حج وتأمل الطباخ والخباز يقوم من الليل يهيىء الطعام والخبز للأكلين وهم نائمون وهو طالب للربح ناسيا حاجة الناس ولو كان ذا بصيرة لفعل ذلك بقصد مصالح العباد وجعل ربحه ونفعه بحكم البيع والحاصل ان اهل الكسب سواء كانوا من اهل السوق او من غيرهم ينبغى أن تكون نيتهم السعى فى مصالح العباد والتقوى بكسبهم على طاعة الله حتى يكونوا مأجورين فى ذلك ومن استرقه الكون بحكم مشروع كالسعى فى مصالح العباد والشكر لاحد من المخلوقين من جهة نعمة اسداها اليه فهو لم يبرح عن عبوديته لله تعالى لانه فى ادآء واجب اوجبه الحق عليه وتعبد العبد لمخلوق عن أمر الله لايقدح فى العبودية بخلاف من استرقه الكون لغرض نفسى ليس للحق فيه رآئحة امر فان ذلك يقدح عبوديته لله ويجب عليه الرجوع الى الحق تعالى قال بعض الكبار من ذم الدنيا فقد عق امه لان جميع الانكاد والشرور التى ينسبها الناس الى الدنيا ليس هو فعلها وانما هو فعل اولادها لان الشر فعل المكلف لا فعل الدنيا فهى مطية العبد عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر فهى تحب أن لايشقى أحد من اولادها لانها كثيرة الحنو عليهم وتخاف أن تأخذهم الضرة الاخرى على غير أهبة مع كونها ماولدتهم ولا تعبت فى تربيتهم فمن عقوق اولادها كونهم ينسبون جميع افعال الخير الى الآخرة ويقولون اعمال الآخرة والحال انهم ماعملوا تلك الاعمال الا فى الدنيا فللدنيا أجر المصيبة التى فى اولادها ومن اولادها فمن أنصف من ذمها بل هو جاهل بحق امه ومن كان كذلك فهو بحق الآخرة اجهل وفى الحديث "اذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله اعصانا لربه" وقال بعضهم طلب الثواب على الاعمال بحسن النيات والرغبة فيه لايختص بالعامة بل لايتحاشى عنه الكمل لعلمهم ان الله تعالى أنشأهم على امور طبيعية وروحانية فهم يطلبون ثواب ماوعد الله به ويرغبون فيه اثباتا للحكم الالهى فان المكابرة بالربوبية غير جائزة فهم مشاركون للعامة فى طلب الرغبة ويتميزون فى الباعث على ذلك فكان طلب العارفين ذلك لاعطاء كل ذى حق حقه ليخرجوا عن ظلم أنفسهم اذا وفوها حقها فمن لم يوف نفسه حقها فقد نزل عن درجة الكمال وكان غاشا لنفسه { وماالحياة الدنيا الا متاع الغرور } اى كالمتاع الذى يتخذ من نحو الزجاج والخزف مما يسرع فناؤه يميل اليه الطبع اول مارآه فاذا أخذه وأراد أن ينتفع به ينكسر ويفنى (حكى) انه حمل الى بعض الملوك قدح فيروزج مرصعا بالجواهر لم ير له نظير وفرح به الملك فرحا شديدا فقال لمن عنده من الحكماء كيف ترى هذا قال أراه فقرا حاضرا ومصيبة عاجلة قال وكيف ذلك قال ان انكسر فهو مصيبة لاجبر لها وان سرق صرت فقيرا اليه وقد كنت قبل أن يحمل اليك فى امن من المصيبة والفقر فاتفق انه انكسر القدح يوما فعظمت المصيبة على الملك وقال صدق الحكيم ليته لم يحمل الينا ثم كونها متاع الغرور والخدعة انما هو لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة الى الآخرة واما من اشتغل فيها بطلب الآخرة فهى له متاع بلاغ الى ماهو خير منها وهى الجنة فالدنيا غير مقصودة لذاتها بل لأجر الآخرة وفى الحديث "نعم المال الصالح للرجل الصالح" (وفى المثنوى)

مال راكذ بهر حق باشى حمول نعم مال صالح كفتش رسول

فما شغل العبد عن الآخرة فهو من الدنيا ومالا فهو من الآخرة قال بعض الكبار ورد خطاب الهى يقول فيه خلقت الخلق لينظروا الى مفاتيح الدنيا ومحاسن الناس فيؤديهم النظر فى مفاتيح الدنيا الى الزهد فيها ويؤديهم النظر فى محاسن الناس الى حسن الظن بهم فعكسوا القضية فنظروا الى محاسن الدنيا فرغبوا فيها ونظروا الى مساوى الناس فاغتابوهم (حكى) ان الشيخ أ الفوارس شاهين بن شجاع الكرمانىرحمه الله خرج للصيد وهو ملك كرمان فأمعن فى الطلب حتى وقع فى برية مقفرة وحده فاذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع لما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا اليه سلم عليه وقال له يا شاه ماهذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك انما أعطاك الله الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة الى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه اذ خرجت عجوز وبيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب ودفع باقيه الى الشاه فشربه فقال ماشربت شيأ ألذ منه ولا أبرد ولا اعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب هذه الدنيا وكلها الله الى خدمتى فما احتجت الى شىء الا أحضرته الى حين يخطر ببالى اما بلغك ان الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها يادنيا من خدمنى فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه فلما رأى ذلك تاب واجتهد الى ان كان من اهل الله تعالى فان قلت ان الله تعالى خلق للانسان جميع مافى الارض ولا ينبغى للعروس أن تجمع مانثر عليها بطريق الاعزاز والاكرام فمن عرف شأنه الجليل مانظر الى الامر الحقير القليل بل كان من اهل المروءة والهمة العالية فى الاعراض عما سوى الله تعالى والاقبال والتوجه الى الله تعالى