{ لقد أرسلنا رسلنا } اى الملائكة الى الانبياء او الانبياء الى الامم وهو الاظهر كما فى الارشاد { بالبينات } بحجتهاى روشن كه معجزاتست باشريعتهاى واضحه، فان قلت لمعجزات يخلقها الله على يدى مدعى النبوة كاحياء الموتى وقلب العصا واليد البيضاء وشق القمر من غير نزول الملك بها نعم معجزة القرءآن نزل بها الملك ولكن نزوله بها على كل رسول غير ثابت قلت معنى نزول الملك بها ان الله يخبره على لسانه بوقوع تلك المعجزة على يده { وانزلنا معهم الكتاب } اى جنس الكتب الشامل للكل لتبيين الحق وتمييز صواب العمل اى لتكميل القوة النظرية والعملية، قوله معهم يجعل على تفسير الرسل بالانبياء حالا مقدرة من الكتاب اى مقدرا كونه معهم والا فالانبياء لم ينزلوا حتى ينزل معهم الكتاب فالنزول مع الكتاب شأن الملائكة والانزال اليهم شأن الانبياء ولذا قدم الوجه الاول اذ لو كان المعنى لقد أرسلنا الانبياء الى الامم لكان الظاهر أن يقال وانزلنا اليهم الكتاب { والميزان } بالفارسية ترازو { ليقوم الناس بالقسط } ليتعاملوا بينهم بالعدل ايفاء واستيفاء ولا يظلم احد أحدا فى ذلك وانزاله انزال اسبابه والامر باعداده والا فالميزان من مصنوعات البشر وليس بمنزل من السماء (روى) ان جبريل عليه السلام نزل بالميزان نفسه فدفعه الى نوح عليه السلام وقال مر قومك يزنوا به يعنى تاتسويه حقوق كنند بدان درميان يكديكر بوقت معاملات، وقال الامام الغزالىرحمه الله أتظن ان الميزان المقرون بالكتاب هو ميزان البر والشعير والذهب والفضة ام تتوهم انه هو االطيار والقبان ما أبعد هذا الحسبان واعظم هذا البهتان فاتق الله ولاتتعسف فى التأويل واعلم يقينا ان هذا الميزان هو ميزان معرفة الله ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله وملكه وملكوته ليتعلم كيفية الوزن به من انبيائه كما تعلموا من ملائكته فالله هو المعلم الاول والثانى جبرآئيل والثالث الرسول والخلق كلهم يتعلمون من الرسول مالهم طريق فى المعرفة سواه والكل عبارته بلا تغيير وليت شعرى ما دليله على ماذهب اليه من العدول عن الظاهر كذا فى بحر العلوم.
يقول الفقير لعل دليله قوله تعالى { شهد الله انه لا اله الاهو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط } اى حاكما بالعدل او مقيما للعدل فى جميع اموره فاذا كان الله قائما بالعدل فى جميع الامور كان الواجب على العباد أن يقوموا به ايضا ولن يقوموا به حقيقة الا بعد العلم الشامل والمعرفة الكاملة وهى معرفة اللة فهى الميزان الكلى وماعداه من جميع الامور مبنى عليه وموزون به { وانزلنا الحديد } قيل نزل آدم عليه السلام من الجنة ومعه خمسة اشياء من حديد الاول السندان وهو سندان الحداد بالفتح كما فى القاموس واياه عنى الشيخ سعدى فى قوله
جو سندان كسى سخت رويى تبرد كه خايسك تأديب بر سر نخورد
والثانى الكلبتان وهو ما يأخذ به الحداد الحديد المحمى كما فى القاموس والثالث الميقعة بكسر الميم بعدها ياء مثناة تحتانية اصله موقعة قال فى القاموس الميقعة خشبة القصار يدق عليها والمطرقة والمسن الطويل وقد وقعته بالميقعة فهو وقيع حددته بها والرابع المطرقة وهى آلة الطرق اى الضرب والخامس الابرة وهى مسلة الحديد وروى ومعه المر والمسحاة قال فى القاموس المر بالفتح المسحاة وهى ماسحى به اى قشر وجرف وفى الحديث "ان الله أنزل اربع بركات من السماء الى الارض أنزل الحديد والنار والماء والملح" عن ابن عباس رضى الله عنهما ثلاثة اشياء نزلت مع آدم عليه السلام الحجر الاسود كان اشد بياضا من الثلج وعصا موسى وكانت من آس الجنة طولها عشرة اذرع والحديد وعن الحسنرحمه الله وانزلنا الحديد خلقناه كقوله تعالى { وأنزل لكم من الأنعام } وذلك ان اوامره وقضاياه واحكامه تنزل من السماء قال بعضهم واخرجنا الحديد من المعادن لان العدل انما يكون بالسياسة والسياسة مفتقرة الى العدة والعدة مفتقرة الى الحديد واصل الحديد ماء وهو منزل من السماء { فيه } اى فى الحديد { بأس شديد } وهو القتال به او قوة شديدة يعنى السلاح للحرب لان آلات الحرب انما تتخذ منه وبالفارسية كارزار سخت يعنى آلتها كه دركار زار بكار آيداز وسازند خواه از براى دفع دشمن جون سنان ونيزه وشمشبر وبيكان وخنجر وامثال آن وخواه براى حفظ نفس خود جون زره وخود وجوشن وغير آن.
وفيه اشارة الى ان تمشية قوانين الكتاب واستعمال آلة التسوية يتوقفان على دال صاحب سيف ليحصل القيام بالقسط وان الظلم من شيم النفوس والسيف حجة الله على من عنده ظلم { ومنافع للناس } كالسكين والفأس والمر والابرة ونحوها وما من صنعة الا والحديد او مايعمل بالحديد آلتها وفيه اشارة الى ان القيام بالقسط كما يحتاج الى القائم بالسيف يحتاج ايضا الى مابه قوام التعايش من الصنائع وآلات المحترقة والى سيف الجذبة المتخذ من حديد القهر اذ لابد لكل تجلى جلالى من كون التجلى الجمالى فيه وبالعكس وهم الاولياء وهم يميلون الى الحق بكثرة الالطاف والاعطاف الربانية كما قال تعالى { يابنى اسرئيل اذكروا نعتمى التى انعمت عليكم وانى فضلتكم على العالمين } { وليعلم الله من ينصره ورسله } عطف على محذوف يدل عليه ماقبله فانه حال متضمنة للتعليل كانه قيل ليستعملوه وليعلم الله علما يتعلق به الجزآء من ينصره ورسله باستعمال السيوف والرماح وسائر الاسلحة فى مجاهدة اعدآئه { بالغيب } حال من فاعل ينصر اى غائبين عنه تعالى كما قال ابن عباس رضى الله عنهما ينصرونه ولايبصرونه وانما يحمد ويثاب من أطاع بالغيب من غير معاينة للمطاع او من مفعوله اى حال كونه تعالى غائبا عنهم غير مرئى لهم { ان الله قوى } على هلاك من اراد اهلاكه { عزيز } لايقتصر الى نصرة الغير وانما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستجيبوا ثواب الامتثال فيه والقوة عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للضعف وهى فى حق الله بمعنى القدرة وهى الصفة التى بها يتمكن الحى من الفعل وتركه بالارادة والعزة الغلبة على كل شىء قال الزروقىرحمه الله القوى هو الذى لايلحقه ضعف فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله فلا يمسه نصب ولا تعب ولايدركه قصور ولا عجز فى نقض ولا ابرام وخاصية هذا الاسم ظهور القوة فى الوجود فما تلاه ذو همة ضعيفة الا وجد القوة ولا ذو جسم ضعيف الا كان له ذلك لو ذكره مظلوم بقصد اهلاك الظالم ألف مرة كان له ذلك وكفى أمره وخاصية الاسم العزيز وجود الغنى والعز صورة او معنى فمن ذكره اربعين يوما فى كل يوم اربعين مرة اعانه الله واعزه فلم يحوجه لأحد من خلقه وفى الاربعين الادريسية ياعزيز المنيع الغالب ملى امره فلا شىء يعادله قال السهرودىرحمه الله من قرأه سبعة أيام متواليات كل يوم ألفا اهلك خصمه وان ذكره فى وجه العسكر سبعين مرة ويشير اليهم بيده فانهم ينهزمون