التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٣
-الحديد

روح البيان في تفسير القرآن

{ هو الاول } السابق على سائر الموجودات بالذات والصفات لما انه مبدئها ومبدعها فالمراد بالسبق والاولية هو الذاتى لا الزمانى فان الزمان من جملة الحوادث ايضا { والآخر } الباقى بعد فنائهاحقيقة او نظرا الى ذاتها مع قطع النظر عن مبقيها فان جميع الموجودات الممكننة اذا انقطع النظر عن علتها فهى فانية

اول او اول بى ابتدا آخر او آخر بى انتها
بود ونبود اين جه بلندست وبست باشد واين نيز نباشد كه هست

{ والظاهر } وجود الكثرة دلائله الواضحة { والباطن } حقيقة فلا يحوم العقل حول ادراك كنهه وليس يعرف الله الا الله وتلك الباطنية سوآء فى الدنيا والآخرة فاضمحل مافى الكشاف من ان فيه حجة على من جوز ادراكه فى الآخرة بالحاسة وذلك فان كونه باطنا بكنه حقيقته لاينافى كونه مرئيا فى الآخرة من حيث صفاته { وهو بكل شىء عليم } لايعزب عن علمه شىء من الظاهر والخفى فان عليم صيغة مبالغة تدل على انه تعالى تام العلم بكل شىء جليه وخفيه وفى هذا المقام معان اخر هو الاول والذى تبتدأ منه الاسباب والآخر الذى تنتهى اليه المسببات اى اذا نظرت الى سلسلة الموجودات المتكونة بعضها من بعض وجدت الله مبدأ تلك السلسلة ومنتهاها تبتدىء منه سلسلة الاسبات وتنتهى اليه سلسلة المسببات ولذا قالوا لاتعتمد على الريح فى استوآء السفينة وسيرها وهذا شرك فى توحيد الافعال وجهل بحقائق الامور ومن انكشف له امر العالم كما هو عليه علم أن الريح لايتحرك بنفسه بل له محرك الى أن ينتهى الى المحرك الاول الذى لامحرك له ولا يتحرك هو فى نفسه ايضا بل هو منزه عن ذلك عما يضاهيه والظاهر اى الغالب على كل شىء والباطن اى العالم بباطن كلى شىء على أن يكون الظاهر من ظهر عليه اذا علاه وغلب والباطن من بطنه اذا علم باطنه ولم يرتضه الزمخشرى لفوات المطابقة بين الظاهر والباطن حينئذ (وروى) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال دخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته خادما فقال لها عليه السلام "ألا أدلك على ماهو خير لك من ذلك أن تقولى اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شىء منزل التوراة والانجيل والفرقان فالق الحب والنوى اعوذ بك من شر كل ذى شر أنت آخذ بناصيته أنت الاول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء وانت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء اقض عنى الدين واغننى من الفقر" عنى بالظاهر الغالب والباطن العالم ببواطن الاشياء يعنى انه الغالب الذى يغلب كلى شىء ولا يغلب عليه فيتصرف فى المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء اذ ليس فوقه أحد يمنعه والعالم ببواطن الاشياء فهو ملجأ والمنجى يلتجىء اليه كل ملتجىء لا ملجأ ولا منجى دونه اى غيره وقال الامام احتج كثير من العلماء فى اثبات أن الاله واحد بقوله { هو الاول } قالوا اول هو الفرد السابق ولهذا لو قال احد اول مملوك اشتريته فهو حر ثم اشترى عبدين لم يعتقا لان شرط كونه اولا حصول الفردية وهنا لم تحصل فلو اشترى بعد ذلك عبدا واحدا لم يعتق لان شرط الاولية كونه سابقا وههنا لم يحصل فثبت ان الشرط فى كونه اولا أن يكون فردا فكانت الآية دالة على أن صانع العالم واحد فرد وايضا هو الاول خارجا لانه موجد الكل والآخر ذهنا كما يدل عليه براهين اثبات الصانع او بحسب ترتيب سلوك العارفين فاذا نظرت الى ترتيب السلوك ولاحظت منازل السالكين السائرين اليه تعالى فهو آخر مايرتقى اليه درجات العارفين وكل معرفة تحصل قبل معرفته فهى مرقاة الى معرفته والمنزل الاقصى هو معرفة الله فهو آخر بالاضافة الى السلوك فى درجات الارتقاء فى باب المعارف الاول بالاضافة الى الوجود الخارجى فمنه المبتدأ اولا واليه المرجع آخرا وقال بعض الكمل هو بالاول باعتبار بدء السير نزولا والآخر باعتبار ختم السير عروجا الظاهر بحسب النظر الى وجود الحق والباطن بحسب النظر الى وجود الخلق وهذا ماقلوا ان ظاهر الحق باطن الخلق وباطن الخلق ظاهر الحق لان الهوية برزخ بينهما لايبغيان وبالنظر الى الحق هوية الهية وبالنظر الى الخلق هوية كونية وهذه مرتبة قاب قوسين وفوقها مرتبة او أدنى وتكلم يوما عند الشبلىرحمه الله فى الصفات فقال اسكتوا فان ثمة متاهات لايخرقها الاوهام ولاتحويها الافهام وكيف يمكن الكلام فى صفات من تجتمع فيه الاضداد من قوله { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } خاطبنا على قدر افهامنا.
وقال الراغب الاول هو الذى يترتب عليه غيره ويستعمل على اوجه اولها المتقدم بالزمان كقولك عبدالملك اولا ثم منصور والثانى المتقدم بالرياسة فى الشىء وكون غيره محتذيا به نحو الامير اولا ثم الوزير والثالث المتقدم بالوضع والنسبة كقولك للخارج من العراق القادسية اولا ثم فيد وهى قرية فى البادية على طريق الحاج وللخارج من مكة فيد اولا ثم القادسية والرابع المتقدم بالنظام الصناعى نحو أن يقال الأساس اولا ثم البناء واذا قيل فى صفة الله هو الاول فمعناه الذى لم يسبقه فى الوجود شىء والى هذا يرجع قول من قال هو الذى لايحتاج الىغيره ومن قال هو المستغنى بنفسه والظاهر والباطن فى صفة الله لايقال مزدوجين كالاول والآخر فالظاهر قيل اشارة الى معرفتنا البديهية فان الفطرة تقضى فى كل مانظر اليه الانسان انه تعالى موجود كما قال تعالى
{ وهو الذى فى السماء إله وفى الارض إله } ولذلك قال بعض الحكماء مثل طالب معرفته مثل من طوف الآفاق فى طلب ماهو معه والباطن اشارة الى معرفته الحقيقية وهى التى أشار اليها أبو بكر الصديق رضى الله عنه بقوله يامن غاية معرفته القصور عن معرفته وقيل ظاهر بآياته باطن بذاته وقيل ظاهر بأنه محيط بالاشياء مدرك لها باطن فى أن يحاط به كما قال { لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار } وقد روى عن أمير المؤمنين ما دل على تفسير اللفظين حيث قال تجلى لعباده من غير أن رأوه واراهم نفسه من غير أن تجلى لهم ومعرفة ذلك تحتاج الى فهم ثاقب وعقل واقد كما فى المفردات وايضا هو الاول فى عين آخريته والآخر فى عين اوليته والظاهر فى عين باطنيته والباطن فى عين ظاهريته من حيثية واحدة وباعتبار واحد فى آن واحد لاقتضاء ذاته المطلقة عن هذه الاعتبارات المختلفة والحيثيات المتنافرة المتابينة لاحاطته بالكل واستغنائه عن الكل قيل للعارف الربانى أبى سعيد الخراز قدس سره بم عرفت الله قال بجمعه بين الاضداد فتلا { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } ولا يتصور الجمع بين الاضداد الا من حيثية واحدة واعتبار واحد فىآن واحد وهو بكل شىء من الاولية والآخرية والظاهرية والباطنية عليم اذ علمه عين ذاته وذاته محيط بالاشياء كما قال { والله بكل شىء محيط } كما فى التأويلات النجمية.
قال الواسطىرحمه الله لم يدع للخلق نفسا بعد ما أخبر عن نفسه { هو الاول والآخر والظاهر والباطن } وقال ايضا من كان حظه من اسمه الاول كان شغله بما سبق ومن كان حظه من اسمه الآخر كان مربوطا بما يستقبل ومن كان حظه من اسمه الظاهر لاحظ عجائب قدرته ومن كان حظه من اسمه الباطن لاحظ ماجرى فى السر من انواره وقال ايضا حظوظ الانبياء عليهم السلام مع تباينها من اربعة اسماء وقيام كل فريق منهم باسم منها فمن جمعها كلها فهو أوسطهم ومن فنى عنها بعد ملابستها فهو الكامل التام وهى قوله { هو الاول } الخ وقال ايضا من ألبسه الاولية فالتجلى له فى الآخرية محال لانه لا يتجلى الا لمن فقده او كان بعيدا عنه فقر به وقال الجنيد قدس سره نفى القدم عن كل اول باوليته ونفى البقاء عن كل آخر بآخريته واضطر الخلق الى الاقرار بربوبيته بظاهريته وحجب الافهام عن ادراك كنهه وكيفيته بباطنيته وقال السدى هو الاول ببره اذ عرفك بتوحيده والآخر بجوده اذ عرفك التوبة عن ماجنيت والظاهر بتوفيقه اذ وفقك للسجود له والباطن بستره اذا عصيته يستر عليك وقال ابن عمر رضى الله عنه هو الاول بالخلق والآخر بالرزق والظاهر بالاحياء والباطن بالاماتة وايضا الاول بلا تأويل أحد والآخر بلا تأخير أحد والظاهر بلا اظهار أحد والباطن بلا ابطال أحد والاول القديم والآخر الرحيم والظاهر الحليم والباطن العليم والاول يكشف أحوال الدنيا حتى لايرغبوا فيها والآخر يكشف أحوال العقبى حتى لايشكوا فيها والظاهر على قلوب اوليائه حتى يعرفوه والباطن على قلوب اعدآئه حتى ينكروه والاول بالازلية والآخر بالأبدية والظاهر بالأحدية والباطن بالصمدية والاول بالهيبة والآخر بالرحمة والظاهر بالحجة والباطن بالنعمة والاول بالعطاء والآخر بالجزآء والظاهر بالثناء والباطن بالوفاء والاول بالهداية والآخر بالكفاية والظاهر بالولاية والباطن بالرعاية.
صاحب كشف الاسرار فرموده كه زبان رحمت ازروى اشارت ميكويد ا ى فرزند آدم خلق درحق توجهار كروه اند اول كروهى كه در اول حال ترابكار آيند جون بدر ومادر دوم جمعى كه در آخر زندكانى دست كيرند جون اولاد واحفاد سوم زمره كه آشكارا باتو باشند جون دوستان وياران، جهارم فرفه كه بنهان باتو معاش كنند جون زنان وكنيزان، رب العالمين ميفرمايد كه اعتماد برينها مكن وكار ساز خود ايشانرا مينداركه اول منم كه ترا از عدم بوجود آوردم آخر منم كه باز كشت توبمن خواهد بود ظاهر منم كه صورت توبخوبتر وجهى بيار استم باطن منم كه اسرار وحقايق درسينه تووديعت نهادم

اول وآخر تويى كيست حدوث وقدم ظاهر وباطن تويى جيست وجود وعدم
اول بى انتقال آخر بى ارتحال ظاهر بى جند وجون باطن بى كيف وكم

ويقال هو الاول خالق الاولين والآخر خالق الآخرين والظاهر خالق الآدميين وهم ظاهرون والباطن خالق الجن والشياطين وهم لايظهرون وقال الترمذى هو الاول بالتأليف والآخر بالتكليف والظاهر بالتصريف والباطن بالتعريف والاول بالانعام والآخر بالاتمام والظاهر بالاكرام والباطن بالالهام وقال بعض المحقيين من أهل الاصول هذا مبالغة فى نفى التشبيه لان كل من كان اولا لايكون آخرا وكل من كان ظاهرا لايكون باطنا فأخبر انه الاول والآخر الظاهر الباطن ليعلم انه لايشبه شيا من المخلوقات والمصنوعات وقال بعض المكاشفين هو الاول اذا كان هو ولم تكن صور العالم كما قال عليه السلام "كان الله ولاشىء معه" فهو متقدم عليها وهذا التقدم هو المراد بالاولية وهو الآخر اذا كان عين صور العالم عند ظهروها ولها التأخر فهو باعتبار ظهوره بها له الآخرية فالآخر عين الظاهر والباطن عين الاول هذا باعتبار التنزل من الحق الى الخلق واما باعتبار الترقى من الخلق الى الحق فالآخر عين الباطن والظاهر عين الاول وقال الامام الغزالىرحمه الله لاتعجبن من هذا فى صفات الله فان المعنى الذى به الانسان انسان ظاهر باطن فانه ظاهر ان استدل عليه بافعاله المرئية المحكمة باطن ان طلب من ادراك الحس فان الحس انما يتعلق بظاهر بشريته وليس الانسان انسانا ببشريته المرئية منه بل لو تبدلت تلك البشرية بل سائر اجزآئه فهو هو والاجزآء متبدلة ولعل اجزآء كل انسان بعد كبره غير الاجزآء التى كانت فيه عند صغره فانها تحللت بطول الزمان وتبدلت بامثالها بطريق الاعتدآء وهويته لم تتبدل فتلك الهوية باطنة عن الحواس ظاهرة للعقل بطريق الاستدلال عليها بآثارها وافعالها وقال الزروقى الاول الآخر هو الذى لامفتتح لوجوده لامختتم له بثبوت قدمه واستحالة عدمه وكل شىء منه بدأ واليه يعود وانما عطف الواو لتباعد مابين موقعى معناهما ومن عرف انه الاول غاب عن كل شىء به ومن عرف انه الآخر رجع بكل شىء اليه، وخاصية الآخر صفاء الباطن عما سواه تعالى فاذا واظب عليه انسان فى كل يوم مائة مرة خرج من قلبه سوى الحق والظاهر الباطن هو الواضح الربوبية بالدلائل المحتجب عن الكيفية والاوهام فهو الظاهر من جهة التعريف الباطن من جهة التكييف ومجراهما فى العطف مجرى الاسمين السابقين ومن عرف انه الظاهر لم يستدل بشىء عليه ورجع بكل شىء اليه ومن عرف انه الباطن استدل بكل شىء عليه ورجع به اليه وخاصية الظاهر اظهار نور الولاية على قلب قارئه اذا قرأه عند الاشراق وخاصية الباطن وجود النفس لمن قرأه فى اليوم ثلاث مرات فى كل ساعة زمانية ومن قال بعد صلاة ركعتين خمسا واربعين مرة { هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم } حصل له ماطلبه ايا كان وقال بعض الكبار حقيقة الاول هو الذى افتتح وجوده عن عدم وهذا منتف فى حق الحق بلا شك فهو الاول لا بأولية تحكم عليه ولاجل ذلك سمى نفسه الآخر ولو كانت اوليته مثل اولية الموجودات لم يصح أن يكن آخرا اذ الآخر عبارة عن انتهاء الموجودات المقيدة فهو الآخر لا بآخرية تحكم عليه اذ آخريته عبارة عن فناء الموجودات كلها ذاتا وصفة وفعلا فى ذاته وصفاته وافعاله تعالى بظهور القيامة واما غير الحق فله اولية تحكم عليه مثل قوله عليه السلام "اول ماخلق الله العقل" اى اول ماافتتح به من العدم الى الوجود العقل الذى هو نور محمد صلى الله عليه وسلم وله آخرية تحكم عليه مثل قوله عليه السلام "نحن الآخرون الأولون" وفى رواية السابقون يعنى الآخرون فى الظهور من حيث النشأة العنصرية الجسمانية الاولون فى العلم الالهى من حيث الظهور فى النشأة الروحانية ومن صلى فى اول الوقت من حيث اولية الحق المنزهة عن أن يتقدمها اولية لشىء فهو المصلى الصلاة لأول وقتها فتنسحب عبادة هذا المصلى من هناك الى وقت وجود هذا المصلى فمن بادر لأول هذا الوقت فقد حاز الخير بكلتى يديه وهو مشهد نفيس أشاروا فيه بتلك الاولية الى معنى اصطلحوا عليه لا الى مايتبادر لذهن غيرهم كما فى كتاب الجوهر للشعرانىرحمه الله .
يقول الفقير عمل الشافعىرحمه الله بقوله عليه لسلام
"اول الوقت رضوان الله فصلى الفجر فى اول وقته" وعمل ابو حنيفة رضى الله عنه بقوله تعالى { ومن الليل فسبحه وادبار النجوم } وفى الآية الآخرية وبالعكس ولكل وجهة بحسب الفناء والبقاء وقد أشير الى فىبعض الاسحار أن الكعبة وضعت عند الفجرة أى عند انفجار الصبح الصادق على مابينت وجهه فى كتاب الواردات الحقية نسأل الله النور