التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
-المجادلة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا ايها الذين آمنوا } يعنى المخلصين { اذا قيل لكم } من اى قائل كان من الاخوان { تفسحوا } التفسح جاى فراخ كردن وفراخ نشتن در مجلس، وكذا الفسح لكن التفسح يعدى بفى والفسح باللام اى توسعوا ليفسح بعضكم عن بعض ولا تتضاموا من قولهم افسح اعنى اى تنح وأنت فى فسحة من دينك اى فى وسعة ورخصة وفلان فسيح الخلق اى واسع الخلق { فى المجالس } قال فى الارشاد متعلق بقيل.
يقول الفقير الظاهر انه متعلق بقوله { تفسحوا } لأن البيهقى صرح فى تاج المصادر بان التفسح يعدى بفى على ما أشرنا اليه آنفا { فافسحوا } بس جاى كشاده كنيد بر مردم { يفسح الله لكم } اى فى كل ماتريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغيرها فان الجزآء من جنس العمل والآية عامة فى كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سواء كان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يتضامون تنافسا فى القرب منه عليه السلام وحرصا على استماع كلامه او مجلس حرب وكانوا يتضامون فى مراكز الغزاة ويأتى الرجل الصف ويقول تفسحوا ويأبون لحرصهم على الشهادة او مجلس ذكر او مجلس يوم الجمعة وان كل واحد وان كان أحق بمكان الذى سبق السبق اليه لكنه يوسع لاخيه مالم يتأذ لذلك فيخرجه الضيق من موضعه وفى الحديث
"لايقيمن احدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا" وفى رواية "لايقيمن احدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا" وقيل ان رجلا من الفقرآء دخل المسجد وأراد أن يجلس بجنب واحد من الاغنياء فلما قرب منه قبض الغنى اليه ثوبه فرأى رسول الله عليه السلام ذلك فقال للغنى "أخشيت أن يعديه غناك ويعديك فقره" وفيه حث على التواضع والجلوس مع الفقرآء والتوسعة لهم فى المجالس وان كانوا شعثا غبرا { واذا قيل انشزوا } يقال نشز الرجل اذا نهض وارتفع فى المكان نشزا والنشز كالفلس وكذا النشز بفتحتين المكان المرتفع من الارض ونشز فلان اذا قصد نشزا ومنه فلان عن مقره وقلب ناشز ارتفع عن مكانه رعبا والمعنى واذا قيل لكم قوموا للتوسعة على المقبلين اى من جاء بعدكم { فانشزوا } فارتفعوا وقوموا يعنى اذا كثرت المزاحمة وكانت بحيث لاتحصل التوسعة بتنحى احد الشخصين عن الآخر حال قعود الجماعة وقيل قوموا جميعا تفسحوا حال القيام فانشزوا ولاتثاقلوا عن القيام او اذا قيل لكم قوموا عن مواضعكم فانتقلوا منها الى موضع آخر لضرورة داعية اليه اطيعوا من أمركم به وقوموا عن مجالسكم وتوسعوا لاخوانكم ويؤيده انه عليه السلام كان يكرم أهل بدر فأقبلت جماعة منهم فلم يوسعوا لهم فقال عليه السلام "قم يافلان ويافلان" فأقام من المجلس بعدد المقبلين من اهل بدر فتغامز به المنافقون أنه ليس من العدل أن يقيم أحدا من مجلسه وشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف رسول الله عليه السلام الكراهية فى وجوههم فانزل الله الاية فالقائل هو الرسول عليه السلام ويقال واذا قيل انشزوا اى انهضوا عن مجلس رسول الله اذا امرتم بالنهوض عنه فانهضوا ولا تملوا رسول لله بالارتكان فيه او انهضوا الى الصلاة او الى الجهاد او الشهادة أو غير ذلك من اعمال الخير فانهضوا ولا تتنبطوا ولا تفرطوا فالقائل يعم الرسول وغيره { يرفع الله الذين آمنوا منكم } جواب للامر اى من فعل ذلك طاعة للامر وتوسعة للاخوان يرفعهم الله بالنصر وحسن الذكر فى الدنيا والايوآء الىغرف الجنان فى الآخرة لان من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه فالمراد الرفعة المطلقة الشاملة للرفعة الصورية والمعنوية { والذين اوتوا العلم } اى ويرفع العلماء منهم خاصة فهو من عطف الخاص على العام للدلالة على علو شأنهم وسمو مكانهم حتى كانهم جنس آخر { درجات } اى طبقات عالية ومراتب مرتفعة بسبب ماجمعوا من العلم والعمل فان العلم لعلو درجته يقتضى للعمل المقرون به مزيد رفعة لايدرك شاؤه العمل العارى عنه وان كان فى غاية الصلاح ولذا يقتدى بالعالم فى افعاله ولا يقتدى بغيره فعلم من هذا التقرير انه لاشركة للمعطوف عليه فى الدرجات كما قال ابن عباس رضى الله عنهما ثم الكلام عند قوله منكم وينتصب الذين اوتوا العلم بفعل مضمر اى ويرفعهم درجات وانتصاب درجات اما على اسقاط الخافض اى الى درجات او على المصدرية اى رفع درجات فحذف المضاف او على الحالية من الموصول اى ذوى درجات { والله بما تعملون } اى بعملكم او بالذى تعملونه { خبير } علام لايخفى عليه شىء منه لاذاته جنسا او نوعا ولا كيفيته اخلاصا او نفاقا او رياء او سمعة ولا كميته قلة او كثرة فهو خبير بتفسحكم ونشزكم ونيتكم فيهما فلا تضيع عند الله وجعله بعضهم تهديدا لمن لم يمتثل بالامر او استكرهه فلا بد من التفسح والطاعة وطلب العلم الشريف ويعلم من الآية سر تقدم العالم على غيره فى المجالس والمحاضر لان الله تعالى قدمه واعلاه حيث جعل درجاته عالية وفى الحديث "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" اى فضل العالم الباقى بالله على العابد الفانى فى الله كما فى التأويلات النجمية وقال فى عين المعانى المراد علم المكاشفة فى ماورد فضل العالم على العابد كفضلى على امتى اذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطا له اذ العمل انما يتعد به اذا كان مقرونا بعلم المعاملة قال بعضهم المتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدرو ولا يقطع المسافة

علم جندانكه بيشترتى خوانى جون عمل درتونيست نادانى

وحيث يمدح العلم فالمراد به العلم المقرون بالعمل

رفعت آدمى بعلم بود هر كرا علم بيش رفعت بيش
قيمت هركسى بدانش اوست سازدافزسون بعلم قيمت خويش

(وقال بعضهم)

مرابتجربه معلوم كشت آخر حال كه عزمرد بعلم است وعز علم بمال

وعن بعض الحكماء ليت شعرى اى شىء ادرك من فاته العلم واى شىء فات من ادرك العلم وكل علم لم يوطد بعمل فالى ذل يصير وعن الزهرى رضى الله عنه العلم ذكر فلا يحبه الا ذكروة الرجال قال مقاتل اذا انتهى المؤمن الى باب الجنة يقال له لست بعالم ادخل الجنة بعملك ويقال للعالم قف على باب الجنة واشفع للناس وعن أبى الدردآء رضى الله عنه قال لأن أعلم مسألة احب الى من أن أصلى مائة ركعة ولأن أعلم مسألة أحب الى من أن أصلى ألف ركعة قال ابو هريرة وابو ذر رضى الله عنهما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اذا جاء الموت طالب العلم على هذه الحال مات وهو شهيد" واعلم ان جميع الدرجات اما باعتبار تعدد اصحابها فان لكل عالم ربانى درجة عالية او باعتبار تعددها لقوله عليه السلام "بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجة حضر الجواد المضمر سبعين سنة" الحضر بضم الحاء المهملة ارتفاع الفرس فى عدوه والجواد الفرس السريع السير وتضمير الفرس ان تعلفه حتى سمن ثم ترده الى القوت وذلك فى اربعين يوما والمضمار الموضع يضمر فيه الخيل وغاية الفرس فى السباق