التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٢
-المجادلة

روح البيان في تفسير القرآن

{ الذين يظاهرون منكم } أيها المؤمنون فلا يلحق بهم الذمى لانه ليس من اهل الكفارة لغلبة جهة العبادة فيها فلا يصح ظهاره { من نسائهم } هذا شروع فى بيان الظهار فى نفسه وحكمه المترتب عليه شرعا بطريق الاستئناف والظهار لغة مصدر ظاهر الرجل اى قال لزوجته أنت على كظهر امى و الظهر العضو والجارحة ويعبر عن البطن بالظهر اى أنت على حرام كبطن امى فكنى عن البطن بالظهر الذى هو عمود البطن لئلا يذكر مايقارب الفرج تأدبا ثم قيل ظاهر من امرأته فعدى بمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الجاهلية من المرأة المظاهر منها اذ الظهار طلاق عندهم كما مر فى قولهم آلى منها لما ضمنه من معنى التباعد من الالية بمعنى الحلف وفى القرءآن واجنبنى وبنى أن نعبد الاصنام اى بعدنى واياهم من عبادة الاصنام فمعنى البعد انما هو الاجتناب ونحوه المتعدى بمن لان معنى الابتدآء الذى هو معنى من لايخلو عن البعد فان من معانى عن لا من ثم انه ألحق الفقهاء بالظهر نحو البطن والفخذ والفرج مما يحرم النظر اليها من الام فمن قال أنت على كبطن امى او فخذها او فرجها كان ظهارا بخلاف مثل اليد أو الرجل وكذا ألحقوا بالام سائر المحارم فلو وضع المظاهر مكان الام ذات رحم محرم منه من نسب كالخالة والعمة او رضاع او صهر كان ظهارا مثل أن يقول أنت عليه كظهر خالتى او عمتى او اختى نسبا او رضاعا او كظهر امرأة ابنى او أبى ولو شبهها بالخمر والخنزير أو الدم او الميتة او قتل المسلم او الغيبة والنميمة او الزنى او الربا او الرشوة فانه ظهار اذا نوى وفى أنت على كأمى صح نية الكرامة اى استحقاق البر فلا يقع طلاق ولا ظهار وصح نية الظهار بأن يقصد التشبيه بالام فى الحرمة فيترتب عليه احكام الظهار لاغير ونية الطلاق بأن يقصد ايجاب الحرمة فان لم ينو شيأ لغا وأنت على حرام كأمى صح فيه مانوى من ظهار او طلاق وايلاء ولو قال أنت امى او اختى او بنتى بدون التشبيه فهو ليس بظهار يعنى ان قال ان فعلت كذا فانت امى وفعلته فهو باطل وان نوى التحريم ولو قالت لزوجها أنت على كظهر امى فانه ليس بشىء.
وقال الحسن انه يمين وفى ايراد منكم مع كفاية من نسائهم مزيد توبيخ للعرب وتقبيح لعادتهم فى الظهار فانه كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الامم فلا يليق بهم بعد الاسم أن يراعوا تلك العادة المستهجنة فكأنه قيل منكم على عادتكم القبيحة المستنكرة ويحتمل أن يكون لتخصيص نفع الحكم الشرعى للمؤمنين بالقبول والاقتدآء به اى منكم أيها المؤمنون المصدقون بكلام الله المؤتمرون بأمر الله اذا الكافرون لايستمعون الخطاب ولا يعلمون بالصواب وفى من نسائهم اشارة الى أن الظهار لايكون فى الامة ومن ذلك قالوا ان للظهار ركنا وهو التشبيه المذكور وشرطا وهو أن يكون المشبه منكوحة حتى لايصح من الامة واهلا وهو من كان من اهل الكفارة حتى لايصح للذمى والصبى والمجنون وحكما وهو حرمة الوطىء حتى يكفر مع بقاء اصل الملك { ماهن امهاتهم } خبر للموصول اى مانساؤهم امهاتهم على الحقيقة فهو كذب بحت يعنى ان من يقول لامرأته أنت على كظهر أمى ملحق فى كلامه هذا للزوج بالام وجاعلها مثلها وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين وكانوا يريدون بالتشبيه الحرمة فى المظاهر منها كالحرمة فى الام تغليظا وتشديدا فان قيل فحاصل الظهار مثلا أنت محرمة على كما حرمت على امى وليس فيه دعوى الامومة حتى تنفى وتثبت للوالدات يقال ان ذلك التحريم فى حكم دعوى الامومة او أن المراد نفى المشابهة لكن نفى الامومة للمبالغة فيه { ان } نافية بمعنى ما { امهاتهم } فى الحقيقة والصدق { الا اللائى } جمع التى اى النساء اللاتى { ولدنهم } اى ولدن المظاهرين فلا تشبه بهن فى الحرمة الا من ألحقها الشرع بهن من ازواج النبى عليه السلام والمرضعات ومنكوحات الآباء لكرامتهن وحرمتهن قد خلى بذلك فى حكم الامهات واما الزوجات فأبعد شىء من الامومة فلا تلحق بهن بوجه من الوجوه { وانهم } اى وان المظاهرين منكم { ليقولن } بقولهم ذلك { منكرا من القول } على ان مناط التأكيد ليس صدور القول عنهم فان أمر محقق بل كونه منكرا اى عند الشرع وعند العقل والطبع ايضا كما يشعر به تنكيره وذلك لان زوجته ليست بامه حقيقة ولا ممن ألحقه الشرع بها فكان التشبيه بها الحاقا لأحد المتباينين بالآخر فكان منكرا مطلقا غير معروف { وزورا } اى كذبا باطلا منحرفا عن الحق فان الزور بالتحريك الميل فقيل للكذب زور بالضم لكونه مائلا عن الحق قال بعضهم ولعل قوله وزورا من قبيل عطف السبب على المسبب فان قلت قوله أنت على كظهر امى انشاء لتحريم الاستمتاع بها وليس بخبر والانشاء لايوصف بالكذب قلت هذا الانشاء يتضمن الحاق الزوجة المحللة بالام المحرمة ابدا وهذا الحاق مناف لمقتضى الزوجية فيكون كاذبا وعن أبى بكر رضى الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ألا أنبئكم باكبر الكبائر" قلنا بلى يارسول الله قال "الاشراك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس وقال "ألا وقول الزور وشهادة الزور الا وقول الزور وشهادة الزور الا وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يقولها حتى قلت لايسكت رواه البخارى قال بعضهم لما كان مبنى طلاق الجاهلية الامر المنكر الزور لم يجعله الله طلاقا ولم تبق الحرمة الا الى وقت التكفير وقال الظهار الذى هو من طلاق الجاهلية ان كان فى الشرع بمقدار من الزمان اولا طلاقا كانت الآية ناسخة والا فلا لان النسخ انما يدخل فى الشرآئع وما قال عليه السلام انها حرمت فلا يعين شيأ من الطرفين الا أن بعض المفسرين جعله مؤيدا للوجه الاول { وان الله لعفو غفور } اى مبالغ فى العفو والمغفرة لما سلف منه على الاطلاق على المذهب الحق او بالمناب عنه على مذهب الاعتزال وذلك ان مادون الشرك حكمه موكول الى مشيئة الله ان شاء يغفره وان لم يتب العبد عنه وان شاء يغفره بعد التوبة واما اذا لم يتب عنه فعذبه عليه فانما يعذبه على حسب ذنبه لكن الظاهر هنا الحث على التوبة لكون الكلام فى ذم الظهار وانكاره