التفاسير

< >
عرض

لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
١٤
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ لايقاتلونكم } اى اليهود والمنافقون بمعنى لايقدرون على قتالكم ولايجترئون عليه { جميعا } اى مجتمعين متفقين فى موطن من المواطن { الا فى قرى } جمع قرية وهى مجتمع الناس للتوطن { محصنة } محكمة بالدروب والخنادق وما اشبه ذلك قال الراغب اى مجعولة بالاحكام كالحصون { او من ورآء جدر } دون أن يحضروا لكم ويبارزوكم اى يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم جمع جدار وهو كالحائط الا ان الحائط يقال اعتبارا بالاحاطة بالمكان والجدار يقال اعتبار بالنتو والارتفاع ولذا قيل جدر الشجر اذا خرج ورقه كأنه حمص وجدر الصبى اذا خرج جدرية تشبيها بجدر الشجر { بأسهم بينهم شديد } استئناف سيق لبيان ان ماذكر من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم فى انفسهم فان بأسهم وحربهم بالنسبة الى اقرانهم شديد وانما ضعفهم وجبنهم بالنسبة اليكم بما قذف الله فى قلوبهم من الرعب وايضا ان الشجاع يجبن والعزيز يذل اذا حارب الله ورسوله قال فى كشف الاسرار اذا أراد الله نصرة قوم استأسد أرنبهم واذا أراد الله قهر قوم استرنب اسدهم

اكر مردى ازمردى خود مكوى نه هرشهسوارى بدر برى كوى

ان قيل ان البأس شدة الحرب فما الحاجة الى الحكم عليه بشديد أجيب بأنه أريد من البأس هنا مطلق الحرب فاخبر بشدته لتصريح الشدة او أريد المبالغة فى اثبات الشدة لبأسهم مبالغة فى شدة بأس المؤمنين لغلبته على بأسهم بتأييد الله ونصرته لهم عليهم والظرف متعلق بشديد والتقديم للحصر ويجوز أن يكون متعلقا بمقدر صفة او حالا اى بأسهم الواقع بينهم او واقعا بينهم فقولهم الظرف الواقع بعد المعرفة يكون حالا البتة ليس بمرضى فان الامرين جائزان بل قد ترجح الصفة { تحسبهم } يا محمد او يأكل من يسمع ويعقل { جميعا } مجتمعين متفقين ذوى ألفة واتحاد { وقلوبهم شتى } اى والحال ان قلوبهم متفرقة لا الفة بينها فهم بخلاف من وصفهم بقوله { ولكن الله ألف بينهم } جمع شتيت كمرضى ومريض وبالفارسية براكنده وبريشان، يقال شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت وجاؤا اشتاتا اى متفرقين فى النظام وفى الآية تشجيع لقلوب المؤمنين على قتالهم وتجسير لهم وان اللائق بالمؤمن الاتفاق والاتحاد صورة ومعنى كما كان المؤمنون متفقين فى عهد النبى عليه السلام ويقال الاتفاق قوة والافتراق هلكة والعدو ابليس يظفر فى الافتراق بمراده قال سهل أهل الحق مجتمعون ابدا موافقون وان تفرقوا بالابدان وتباينوا بالظواهر واهل الباطن متفرقون ابدا وان اجتمعوا بالابدان وتوافقوا بالظواهر لان الله تعالى يقول { تحسبهم } الخ { ذلك بأنهم } اى ماذكر من تشتت قلوبهم بسبب انهم { قوم لايعقلون } اى لايعقلون شيأ حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون فى تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وتشتت القلوب يوهن قواهم لان صلاح القلب يؤدى الى صلاح الجسد وفساده الى فساده كما قالوا كل اناء يترشح بما فيه علم ان الله تعالى ذم الكفار فى القرءآن بكل من عدم الفقه والعلم والعقل قال الراغب الفقه هو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم والعلم ادراك الشىء بحقيقته وهو نظرى وعملى وايضا عقلى وسمعى والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذى يستفيده الانسان بتلك القوة عقل ولهذا قال امير المؤمنين على رضى الله عنه، وان العقل عقلان، فمسموع ومطبوع، ولاينفع مطبوع، اذا لم يك مسموع، كما لاتنفع الشمس، وضوء العين ممنوع، والى الاول أشار عليه السلام بقوله "ماخلق الله شيأ اكرم عليه من العقل" والى الثانى أشار بقوله "ماكسب احد شيئا افضل من عقل يهديه الى هدى او يرده عن ردى" وهذا العقل هو المعنى بقوله { ومايعقلها الا العالمون } وكل موضع ذم الكفار بعدم العقل فاشار الى الثانى دون الاول وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل فاشارة الى الاول انتهى.
وفى الحديث
"العقل نور فى القلب يفرق به بين الحق والباطل" وعن انس رضى الله عنه قيل يارسول الله الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب قال "وما من آدمى الا له ذنوب وخطايا يقترفها فمن كان سجيته العقل وغريزته اليقين لم تضره ذنوبه" قيل كيف ذلك يارسول الله قال "لانه كلما اخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فيمحو ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة" وعنه ايضا رضى الله عنه أتى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا فى الثناء بخصال الخير فقال رسول الله "كيف عقل الرجل" فقالوا يارسول الله نخبرك عنه باجتهاده فى العبادة واصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال نبى الله "ان الأحمق يصيب بحمقه اعظم من فجور الفاجر وانما يرتفع العباد غدا فى الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم" قال على بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فاذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل اليها فسمعه اعرابى فقال هذا الكلام يقطر عسله وقال بعضهم اذا كمل العقول نقص الفضول اى لان العقل يعقله ويمنعه عما لا يعنيه كل شىء اذا كثر رخص غير العقل فانه اذا كثر غلا وقال اعرابى لو صور العقل لاضلمت معه الشمس ولو صور الحمق لاضاء معه الليل فالعقل انور شىء والحمق اظلمه وقيل العاقل يعيش بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته اى ففى العقل قوة شجاعة الأسد ويعلم منه بالمقايسة ان فى الحمق ضعف حال الأرنب ونحوه

كشتى بى لنكر آمد مردشر كه زباد كر نيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان لنكرى در يوزه كن از عاقلان