التفاسير

< >
عرض

كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٥
كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ كمثل الذين من قبلهم } خبر متبدأ محذوف تقديره مثلهم اى مثل المذكورين من اليهود والمنافقين وصفتهم العجيبة وحالهم الغريبة كمثل أهل بدر وهم مشركوا اهل مكة او كمثل بنى قينقاع على ماقيل انهم اخرجوا قبل بنى النضير وبنوا قينقاع مثلثة النون والضم اشهر كانوا اشجع اليهود واكثرهم اموالا فلما كانت وقعة بدر اظهروا البغى والحسد ونبذوا العهد كبنى النضير فأخرجهم رسول الله من المدينة الى الشأم اى لان قريتهم كانت من اعمالها ودعا عليهم فلم يدر الحول عليهم حتى هلكوا اجمعون وقد عرفت قصتهم فى الجلد الاول { قريبا } انتصابه بمثل اذ التقادير كوقوع مثل الذين الخ يعنى بدلالة المقام لا لاقتضاء الاقرب اى فى زمان قريب قال مجاهد كانت وقعة بدر قبل غزوة بنى النضير بستة اشهر فلذلك قال قريبا فتكون قبل وقعة أحد وقيل بسنتين فتكون تلك الغزوة فى السنة الرابعة لان غزوة بنى النضير كانت بعد أحد وهى كانت بعد بدر بسنة { ذاقوا وبال امرهم } قال الراغب الوبل والوابل المطر الثقيل القطار ولمراعاة الثقل قيل للامر الذى يخاف ضرره وبال وطعام وبيل والامر واحد الامور لا الاوامر اى ذاقوا سوء عاقبة كفرهم فى الدنيا وهو عذاب القتل ببدر وكانت غزوة بدر فى رمضان من السنة الثانية من الهجرة قبل غزوة بنى النضير { ولهم } فى الآخرة { عذاب أليم } مؤلم لايقادر قدره حيث يكون مافى الدنيا بالنسبة اليه كالذوق بالنسبة الى الاكل والمعنى ان حال هؤلاء كحال اولئك فى الدنيا والآخرة لكن لاعلى ان حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك واما حال المنافقين فهو مانطق به قوله تعالى { كمثل الشيطان } فان خبر ثان للمبتدأ المقدر مبين لحالهم متضمن لحال اخرى لليهود وهى اغترارهم بمقالة المنافقين اوله وخيبتهم آخرا وقد اجمل فى النظم الكريم حيث اسند كل من الخبرين الى المقدر المضاف الى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند اليه بخصوصة ثقة بأن السامع يرد كلا من المثلين الى مايماثله كأنه قيل مثل اليهود فى حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم ومثل المنافقين فى اغرآئهم اياهم على القتال حسبما حكى عنهم كمثل الشيطان { اذ قال للانسان اكفر } قول الشيطان مجاز عن الاغوآء والآغراء اى اغراء على الكفر اغرآء الآمر المأمور على المأمور به { فلما كفر } الانسان المذكور اطاعة لاغوآئه وتبعا لاهوآئه { قال } الشيطان { انى بريىء منك } اى بعيد عن عملك وأملك غير راض بكفرك وشركك وبالفارسية من بيزارم ازتو، يقال برىء يبرأ فهو بريىء واصل البرء والبرآءة والتبرى التفصى مما يكره مجاورته قال العلماء ان أريد بالانسان الجنس فهذا التبرى من الشيطان يكون يوم القيامة كما ينبىء عنه قوله تعالى { انى اخاف الله رب العالمين } وان أريد ابو جهل على أن يكون اللام للعهد فقوله تعالى { اكفر } اى دم على الكفر.
بس جون برآن ثبات ورزيد ونهاك شرك درزمين دل او استحكام يافت، قال انى الخى عبارة عن قول ابليس له يوم بدر لاغالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال انى بريىء منكم انى أرى مالاترون انى أخاف الله والله شديد العقاب يعنى لما قاتلوا ورأى ابليس جبرآئيل مع محمد عليهما السلام خافه فتبرأ منهم وانهزم قال بعضهم هذا من كذبات اللعين وانه لو خاف حقيقة وقال صدقا لما استمر على ما ادى الى الخوف بعد ذلك كيف وقد طلب الانظار الى البعث للاغوآء وقال أبو الليث قال ذلك على وجه الاستهزآء ولا بعد ان يقول له ليوقعه فى الحسرة والحرقة انتهى، يقول الفقير الظاهر ان الشيطان يستشعر فى بعض المواد جلال الله تعالى وعظمته فيخافه حذرا من المؤآخذة العاجلة وان كان منظرا ولا شك ان كل احد يخاف السطوة الالهية عند طهور اماراتها ألا ترى الى قوله تعالى
{ وظنوا انهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين } على ان نحو قاطع الطريق وقاتل النفس ربما فعل ما فعل وهو خائف من الأخذ