التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ
٢
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ هو الذى } اوست خداوندى كه ازروى اذلال { اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب } بيان لبعض آثار عزته واحكام حكمته اى امر باخراج اهل التوراة يعنى بنى النضير { من ديارهم } جمع دار والفرق بين الدار والبيت ان الدار دار وان زالت حوآئطها والبيت ليس بيت بعدما انهدم لان البيت اسم مبنى مسقف مدخله من جانب واحد بنى للبيتوتة سوآء كان حيطانه اربعة او ثلاثة وهذا المعنى موجود فى الصفة الا ان مدخلها واسع فيتناولها اسم البيت والبيوت بالمسكن اسم اخص والابيات بالشعر كما فى المفردات { لاول الحشر } اللام تتعلق باخرج وهى للتوقيت اى عند او حشرهم الى الشأم وفى كشف الاسرار اللام لام العلة اى اخرجوا ليكن حشرهم الشام اول الحشر والحشر اخراج جمع من مكان الى آخر وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط اذ كان انتقالهم من بلاد الشأم الى جانب المدينة عن اختيار منهم وهم اول من اخرج به جزيرة العرب الى الشأم فعلى هذا الوجه ليس الاول مقابلا للآخر وسميت جزيرة لانه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات قال الخليل بن احمد مبدأ الجزيرة من حفر أبى موسى الى اليمن فى الطول ومن رمل يبرين وهو موضع بحذآء الاحساء الى منقطع السماوة فى العرض والسماوة بالفتح موضع بين الكوفة والشأم او هذا اول حشرهم وآخر حشرهم اجلاء عمر رضى الله عنه اياهم من خيبر الى الشام وذلك حين بلغه الخبر عن النبى عليه السلام "لايبقين دينان فى جزيرة العرب" وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لان المحشر يكون بالشأم { ماظننتم } أيها المسلمون { ان يخرجوا } من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم { وظنوا } اى هؤلاء الكافرون ظنا قويا هو بمرتبة اليقين فانه لايقع الا بعد فعل اليقين او مانزل منزلته { انهم مانعتهم حصونهم من الله } الحصون جمع حصن بالكسر وهو كل موضع حصين لايوصل الى جوفه والقلعة الحصن الممتنع على الجبل فالاول اعم من الثانى وتحصن اذا اتخذ الحصن مسكنا ثم تجوزه فقيل درع حصينة لكونها حصنا للبدن وفرس حصان لكونه حصنا لراكبه والمعنى ظنوا ان حصونهم تمنعهم من بأس الله وقهره وقدم الخبر وأسند الجملة الى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم فى انفسهم انهم فى عزة ومنعة لايبالى بسببها فتقديم المسند يفيد قصر المسند اليه على المسند فان معنى قائم زيد أن زيدا مقصور على القيام لايتجاوزه الى القعود وكذا معنى الآية ان حصونهم ليس لها صفة غير المانعية ويجوز أن يكون مانعتهم خبرا لأن وحصونهم مرتفعا على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ فان قيل ما المانع من جعل مانعتهم مبتدأ وحصونهم خبرا فان كليهما معرفة قلت كون مانعتهم نكرة لان اضافتها غير مخصصة وان القصد الى الاخبار عن الحصون { فأتاهم الله } اى امر الله وقدره المقدور لهم { من حيث لم يحتسبوا } ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب من الاشرف غرة على يد اخيه فانه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب والفاء اما للتعقيب اشارة الى أن البأس لم يكن متراخيا عن ظنهم او للسبب اشارة الى انهم انما أخذوا بسبب اعجابهم بأنفسهم وقطعهم النظر الى قدرة الله وقوته { وقذف فى قلوبهم الرعب } القذف الرمى البعيد والمراد هنا الالقاء قال فى الكشاف قذف الرعب واثباته وركزه ومنه قالوا فى صفة الاسد مقذف لما ان قذف باللحم قذفا لا كتنازه وتداخل اجزآئه والرعب الانقطاع من امتلاء الخوف ولتصور الامتلاء منه قيل رعبت الحوض اى ملأته وباعتبار القطع قيل رعبت السنام اى قطعته قال بعضهم الرعب خوف يملأ القلب فيغير العقل ويعجز النفس ويشوش الرأى ويفرق التدبير ويضر البدن والمعنى أثبت فيها الخوف الذى يرعبها ويملأها لان المعتبر هو الثابت وماهو سريع الزوال فهو كغير الواقع وقال بعضهم فلا يلزم التكرار لان الرعب الذى اشتمله قوله { فأتاهم الله } هو أصل الرعب وفرق بين حصول اصله وبين ثباته ودلت الآية على ان وقوع ذلك الرعب صار سببا فى اقدامهم على بعض الافعال وبالجملة فالفعل لايحصل الا عند حصول داعية متاكدة فى القلب وحصول تلك الداعية لايكون الا من الله فكانت الافعال بأسرها مستندة الى الله بهذا الطريق كذا فى اللباب { يخربون بيوتهم بأيديهم } الجملة استئناف لبيان حالهم عند الرعب اى يخربونها بأيديهم ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة افواه الأزقة ولئلا تبقى بعد جلائهم مساكن للمسلمين ولينقلبوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل والاخراب والتخريب واحد يقال خرب المكان خرابا وهو ضد العمارة وقد اخربه وخربه اى افسده بالنقض والهدم غير أن فى التشديد مبالغة من حيث التكثير لكثرة البيوت وهو قرآءة أبى عمرو وفرق أبى عمرو بين الاخراب والتخريب فقال خرب بالتشديد بمعنى هدم ونقض وافسد واخرب بالهمزة ترك الموضع وقال اى ابو عمرو وانما اخترت التشديد لان الاخراب ترك الشىء خرابا بغير ساكن وبنوا النضير لم يتركوها خرابا وانما خربوها بالهدم كما يدل عليه قوله { بأيديهم وأيدى المؤمنين } ان قيل البيوت هى الديار فلم يقل يخربون ديارهم على وفق ماسبق وايضا كيف ماكان الاخراج من ديارهم وهى مخربة أجيب بان الدار ماله بيوت فيجوز اخراب بعضها وابقاء بعضها على مقتضى الرأى فيكون الخروج من الباقى على ان الاخراج لايقتضى العمارة اذ يجوز أن يكون باخراب المساكن والطرح منها قال سهلرحمه الله يخربون بيوتهم بأيديهم اى قلوبهم بالبدع وفى كشف الاسرار نخست دين ودل خويش ازروى باطن خراب كردند تا خرابى باطن بظاهر سرايت كرد وخانه خد نيز خراب كردند { وأيدى المؤمنين } حيث كانوا يخربونها ازالة لمتحصنهم ومتمنعهم وتوسيعا لمجال القال واضرارا بهم واسناد هذا اليهم لما انهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم اياه وامروهم به وهذا كما فى قوله عليه السلام "لعن الله من لعن والديه" وهو كقوله عليه السلام "من اكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه فقالوا وكيف يسب الرجل والديه فقال يساب الرجل فيسب أباه فيسب أباه ويسب امه فيسب امه" .
يقول الفقير فى اشارة الى ان استناد الكفار الى الحصون والاحجار وان اعتماد المؤمنين على الله الملك الغفار ولاشك ان من اعتمد على المأ من الحقيقى ظفر بمراده فيه دنياه وآخرته ومن استند الى ما سوى الله تعالى خسر خسرانا مبينا فى تجارته وان الانسان بنيان الرب فربما قتل المرء نفسه وتسبب له فهدم بنيان الله فصار ملعونا وقس على هذا حال القلب فانه بيت الله واجتهد حتى لايغلب عليه النفس والشيطان (قال الحافظ)

من آن نيكن سليمان بهيج نستانم كه كاه كاه برودست اهر من باشد

{ فاعتبروا } بس عبرت كيريد { يااولى الابصار } اى ياولى الالباب والعقول والبصائر يعنى اتعظوا بما جرى عليهم من الامور الهائلة على وجه لاتكاد تهتدى اليه الافكار واتقوا مباشرة ما أداهم اليه من الكفر والمعاصى وانتقلوا من حال الفريقين الى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الاسباب كبنى النضير الذين اعتمدوا على حصونهم ونحوها بل توكلوا على الله تعالى وفى عين المعانى فاعتبروا بها خراب جميع الدينا

جهان اى بسر مالك جاويد نيست ز دينا وفادارى اميد نيست

والاعتبار مأخوذ من العبور وهو المجاوزة من شىء الى شىء ولهذا سميت العبرة عبرة لانها تنتقل من العين الى الحد سمى اهل التعبير لان صاحبه ينتقل من المتخيل الى المعقول وسميت الالفاظ عبارات لانها تنقل المعانى من لسان القائل الى عقل المستمع ويقال السعيد من اعتبر بغيره لانه ينتقل عقله من حال ذلك الغير الى حاله نفسه

جو بركشته بتختى در افتند ببند ازونيك يختان بكيرند بند

والبصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التى فيها ويقال القلب المدركة بصيرة وبصر ولايكاد يقال للجارحة بصيرة كما فى المفردات قال بعض التفاسير الابصار جمع بصر وهو مايكون فى الرأس وبه يشاهد عالم الملك وهو عالم الشهادة حتى لو كان بين الرآئي والمرئى مقدار عدة آلاف سنة يشاهده فى طرفة عين بوصول نور من حدقة العين الى المرئى حكاية للرآئى والبصيرة فى القلب كالبصر فى الرأس وبها يشاهد عالم الملكوت وهو عالم الغيب حتى لو كان المشاهد فى العالم وفى اللوح المحفوظ بل فى علم الله تعالى مما تتعلق مشيئة الله بمشاهدة احد اياه من عباده لشاهده فى آن واحد وقد يشاهد الممتنع والمحال وغير المتناهى بنوع مشاهدة كما نجده فى وجداننا وكل ذلك من غرآئب صنع الله وجعل البعض البصر ههنا مجازا عن المشاهدة لانه كثيرا مايكون آلة لمشاهدتها ويكون هو معتبرا باعتبارها حتى لولاها يكون هو فى حكم المفقود وبهذا الاعتبار اورد الابصار فى مقام البصائر فقال فى تفسيره فاتعظوا وانظروا فيما نزل بهم ياذوى العقول والبصائر وهذا هو الاليق بشأن الاتعاظ والاوفق لقوله تعالى فاعتبروا يااولى الالباب اذ اللب وهو العقل الخالص عن الكدورات البشرية والبصيرة التى هى عين القلب حين ما كانت مجلوة خاصة بالعقلاء اللائقين للخطاب بالامر بالاعتبار واما البصر فيوجد فى البهائم والبصيرة الغير المجلوة فتوجد فى العوام وجعله البعض الآخر على حقيقته فقال فى تفسيره فاعتبرنا من عاين تلك الوقائع لكن مآل القولين واحد اذ مجرد البصر المعاين لايفيد الاعتبار بلا بصيرة صحيحة وفى الوسيط معنى الاعتبار النظر فى الامور ليعرف بها شىء آخر من جنسها قال يحيى بن معاذرحمه الله من لم يعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة وقد استدل بالآية على حجية القياس من حيث انه أمر بالمجاوزة من حال الى حال وحملها عليها فى حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له كما فصل فى الكتب الاصولية وأشار بأهل الكتاب الى يهودى النفس ونصرانى الهوى وانما نسبنا التنصر الى الهوى والتهود الى النفس لغلبة عطلة النفس فان الهوى بالنسبة الى النفس كالروح بالنسبة الى الجسم البدنى ولهذا المعنى قيل الهوى روح النفس ينفخ فيها هوى الشهوات الحيوانية ويهوى الى هاوية الجحيم والله تعالى يستأصلها من ديار صفاتها الظلمانية بالصدمة الاولى من قتال الحشر الاول وظنوا ان حصون طباعهم الرديئة تمنعهم عن الانسلاخ من صفاتهم الخسيسة فأتاهم الله بالتجلى القهرى وقذف فى قلوب النفس والهوى رغب المفارقة بينهما فان كل واحد منهما كان متمسكا بالآخر تمسك الروح بالبدن وقيام البدن بالروح يخربون بيوت صفاتهم بأيدى اهوآئهم المضلة وبقوة أيدى الروح والسر والقلب لغلبة نوريتهم عليها فاعتبروا يا اولى الابصار الذى صار الحق تعالى بصرهم كما قال فى يبصر وبى يسمع وبى يبطش الحديث بطوله