{ لايستوى اصحاب النار } الذين نسوا الله فاستحقوا الخلود فى النار والنار باللام من اعلام جهنم كالساعة للقيامة ولذا كثير ما تذكر فى مقابلة الجنة كما فى هذا المقام وجاء فى الشعر
الجنة الدار فاعلم ان عملت بما يرضى الاله وان فرطت فالنار
هما محلان ماللناس غير هما فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
والصحبة فى الاصل اقران الشىء بالشىء فى زمان ما قل او كثر وبذلك يكون كل منهما صاحب الآخر وان كانت على المداومة والملازمة يكون كمال الصحبة ويكون الصاحب المصاحب عرفا وقد يطلق على الطرفين حينئذ صاحب ومصاحب ايضا ومن ذلك يكنى عن زوجة بالصاحبة وقد يقال للمالك لكثرة صحبته بمملوكه كما قيل له الرب لوقوع تربية المالك على مملوكه فيقال صاحب المال كا يقال رب المال فاطلاق اصحاب النار واصحاب الجنة على أهلهما اما باعتبار الصحبة الابدية والاقتران الدآئم حتى لايقال للعصاة المعذبين بالنار مقدار ماشاء الله اصحاب النار او باعتبار الملك مبالغة ورمزا الى انها جزآء لاهلهما باعتبار كسبهما بأعمالهم الحسنة او السيئة { واصحاب الجنة } الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود فى الجنة قال فى الارشاد لعل تقديم اصحاب النار فى الذكر للايذان من اول الامر بأن القصور الذى ينبىء عنه عدم الاستوآء من جهتهم لامن جهة مقابليهم فان مفهوم عدم الاستوآء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وان جاز اعتباره بحسب زيادة الزآئد لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص وعليه قوله تعالى { هل يستوى الاعمى والبصير ام هل تستوى الظلمات والنور } الى غير ذلك من المواضع واما قوله تعالى { هل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون } فلعل تقديم الفاضل فيه لان صلته ملكة والاعدام مسبوقة بملكاتها وقال بعضهم قدم اصحاب النار لذكر الذين نسوا الله قبله ولكثرة اهلها ولان اول طاعة اكثر الناس بالخوف ثم بالرجاء ثم بالمحبة فى البعض ولا دلالة فى الآية الكريمة على ان المسلم لايقتص بالكافر وان الكفار لايملكون أموال المسلمين بالقهر كما هو مذهب الشافعى لان المراد عدم الاستوآء فى الاحوال الاخروية كما ينبىء عنه التفسير من الفريقين بصاحبية النار وصاحبية الجنة وكذا قوله تعالى { اصحاب الجنة هم الفائزون } فانه استئناف مبين لكيفية عدم الاستوآء بين الفريقين فالفوز الظفر مع حصول السلامة اى هم الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه فهم اهل الكرامة فى الدارين واصحاب النار أهل الهوان فيهما وفيه تنبيه للناس بأنهم لفرط غفلتهم ومحبتهم العاجلة اتباع الشهوات كأنهم لايعرفون الفرق بين الجنة والنار وبين اصحابهما حتى احتاجوا الى الاخبار بعدم الاستوآء كما تقول لمن يعق أباه هو أبوك تجعله بمنزلة من لايعرفه فتنبه بذلك على حق الابوة الذى يقتضى البر والتعطف فكذا نبه الله تعالى الناس بتذكير سوء حال أهل النار وحسن حال أهل الجنة على الاعتبار والاحتراز عن الغفلة ورفع الرأس عن المعاصى والتحاشى من عدم المبالاة قال عليه السلام " { ان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر الى جنانه وازواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة واكرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشية } " ثم قرأ { وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة } وقال عليه السلام "ان أهون اهل النار عذابا من له نعلان وشرا كان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل مايرى ان احدا أشد منه عذابا" ورؤى الشيخ الحجازى ليلة يردد قوله تعالى { وجنة عرضها السموات والارض } ويبكى فقيل له قد ابكتك آية مايبكى عند مثلها فقال فما ينفعنى عرضها اذا لم يكن لى فيها موضع قدم وخرج على سهل الصعلوكى من مسخن حمام يهودى فى طمر أسود من دخانه فقال ألستم ترون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فقال سهل على البداهة اذا صرت الى عذاب الله كانت هذه جنتك واذا صرت الى نعيم الله كانت هذه سجنى فتعجبوا من كلامه (قال الشيخ سعدى)
جومارا بدنياتو كردى عزيز بعقبى همان جشم داريم نيز
عزيزى وخوارى توبخشى وبس عزيز توخوارى نه بيند زكس
خدايا بعزت كه خوارم مكن بذل كنه شرمسارم مكن
قال بعض اهل الاشارة اصحاب النار فى الحقيقة اصحاب المجاهدات الذين احترقوا بنيرانها وأصحاب الجنة أصحاب المواصلات الذين وقعوا فى روح المشاهدات وفى الظاهر أصحاب النار أصحاب النفوس والاهوآء الذين أقبلوا على الدنيا وأصحاب الجنة اصحاب القلوب والمراقبات قال الحسين النورى قدس سره اصحاب النار اصحاب الرسوم والعادات وأصحاب الجنة أصحاب الحقائق والمشاهدات والمعاينات