التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ
٢٢
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ هو الله الذى لا اله الا هو } هو فى اصل وضعه كناية عن المفرد المذكر الغائب وهى كناية عن المفردة المؤنثة الغائبة وكثيرا مايكنى به عمن لايتصور فيه الذكورة والانوثة كما هو ههنا فانه راجع الى الله تعالى للعلم به ولك أن تقول هو موضوع لمفرد ليس فيه تأنيث حقيقة وحكما وهو لمفرد يكون فيه ذلك وهو مبتدأ خبره لفظة الله بمعنى هو المعبود بالحق المسمى بهذا الاسم الاعظم الدال على جلال الذات وكمال الصفات فلا يلزم أن يتحد المبتدأ والخبر بأن يكون التقدير الله الله اذ لا فائدة فيه او الله بدل من هو والموصول مع صلته خبر المبتدأ او هو اشارة الى الشان والله مبتدأ والذى لا اله الا هو خبره والجملة خبر ضمير الشان ولا فى كلمة التوحيد لنفى افراد الجنس على الشمول والاستغراق واله مبنى على الفتح بها مرفوع المحل على الابتدآء والمراد به جنس المعبود بالحق لا مطلق جنس المعبود حقا او باطلا والا فلا يصح فى نفسه لتعدد الآلهة الباطلة ولا يفيد التوحيد الحق والا هو مرفوع على البدلية من محل المنفى او من ضمير الخبر المقدر للا والخبر قد يقدر موجود فيتوهم ان التوحيد يكون باعتبار الوجود لا الامكان فان نفى وجود اله غير الله لايستلزم نفى امكانه وقد يقدر ممكن فيتوهم ان اثبات الامكان لايقتضى الوقوع فكم من شىء ممكن لم يقع وقد يقدر لنا فيتوهم انه لابد من مقدر فيعود الكلام والجواب انه اذا كان المراد بالاله المعبود بالحق كما ذكر فهو لايكون الا رب العالمين مستحقا لعبادة المكلفين فاذا نفيت الالوهية على هذا المعنى عن غيره تعالى واثبتت له سبحانه يندفع التوهم على التقدير كلها ان قيل ان أراد القائل لا اله الا الله شمول النفى له تعالى ولغيره فهو مشكل نعوذ بالله مع ان الاستثناء يكون كاذبا وان أراد شموله لغيره فقط فلا حاجة الى الاستنثاء أجيب بأن مراده فى قلبه هو الثانى الا انه يرى التعميم ظاهرا فى اول الامر ليكون الاثبات بالاستنثاء آكد فى آخر الامر فالمعنى لا اله غيره وهذا حال الاستثناء مطلقا قال الشيخ أبو القاسم هذا القول وان كان ابتدآؤه النفى لكن المراد به الاثبات ونهاية التحقيق فان قول القائل لا أخ لى سواك ولا معين لى غيرك آكد من قوله أنت أخى ومعينى كل من لا اله الا الله ولا اله الا هو كلمة توحيد لو روده فى القرءآن بخلاف لا اله الا الرحمن فانه ليس بتوحيد مع ان اطلاق الرحمن على غيره تعالى غير جائز واطلاق هو جائز نعم ان الاولى كونه توحيدا الا انه لم يشتهر به التوحيد اصالة بخلافهما.
اعلم ان هو من اسماء الذات عند اهل المعرفة لانه بانفراده عن انضمام لفظ آخر اشارة الى الله مستجمع لجميع الصفات المدلول عليها بالاسماء الحسنى فهو جملة الاذكار عند الابرار قال الامام القشيرىرحمه الله هو للاشارة وهو عند هذه الطائفة اخبار عن نهاية التحقيق فاذا قلت هو لايسبق الى قلوبهم غيره تعالى فيكتفون به عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم فى حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على اسرارهم وقال الامام الفاضل محمد بن أبو بكر الرازىرحمه الله فى شرح الاسماء الحسنى، اعلم ان هذا الاسم عند اهل الظاهر مبتدأ يحتاج الى خبر ليتم الكلام وعند اهل الطريق لايحتاج بل هو مفيد وكلام تام بدون شىء آخر يتصل به او يضم له لاستهلاكهم فى حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على اسرارهم وقال الشيخ العارف احمد الغزالى آخو الامام محمد الغزالىرحمه الله كاشف القلوب بقوله لا اله الا الله وكاشف الارواح بقو ل الله وكاشف الاسرار بقول هو هو لا اله الاّ الله قوت القلوب والله قوت الارواح وهو قوت الاسرار فلا اله الا الله مغناطيس القلوب والله مغناطيس الارواح وهو مغناطيس الاسرار والقلب والروح والسر بمنزلة درة فى صدفة فى حقة فانظر انهرحمه الله فى اى درجة وضع هو وعن بعض المشايخ رأيت بعض الوالهين فقلت له ما اسمك فقال هو قلت من أنت قال هو قلت من أين تجيىء قال هو قلت من تعنى بقولك هو قال هو فما سألته عن شىء الا قال هو فقلت لعلك تريد الله فصاح وخرجت روحه فكن من الذاكرين بهو ولا تلتفت الى المخالفين فانهم من اهل لاهوآء ولكل من العقل والنفس والقلب والروح معنيان اما العقل فيطلق على قوة دراكة توجد فى الانسان بها يدرك مدركاته وعلى لطيفة ربانية هى حقيقة الانسان المستخدمة للبدن فى الامور الدنيوية والاخروية وهى العالم والعارف والعاقل وهى الجاهل والقاصر والغافل الى غير ذلك وكذا النفس تطلق على صفة كائنه فى الانسان جامعة للاخلاق المذمومة داعية الى الشهوات باعثة على الاهوآء والآفات وتطلق على تلك اللطيفة المذكورةكما قال بعض الافاضل

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته وتطلب الربح مما فيه خسران
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم انسان

وكذا القلب يطلق على قطعة لحم صنوبرية تكون فى جوف الانسان وعلى تلك اللطيفة وكذا الروح يطلق على جسم لطيف وعلى اللطيفة الربانية المذكورة فكل من الالفاظ الأربعة يطلق على نفس الانسان الذى هو المتكلم والمخاطب والمثاب والمعاقب بالاصالة وتبيعتها يقع الثواب والعقاب للجسد الذى هو القفص لها فالتغاير على هذا اعتبارى فان النفس نفس باعتبار انها نفس الشىء وذاته وعقل باعتبار ادراكها وقلب باعتبار انقلابها من شىء الى شىء وروح باعتبار استراحتها بما يلائمها وتستلذ به وعلى المعانى الأخر لهن حقيقى ثم ان النفس اما أن تكون تابعة للهوى فهى الامارة لمبالغة أمرها للاعضاء بالسيئات فذكر دآئرة النفس لا اله الا الله واما أن يهب الله له الانصاف والندامة على تقصيراتها والميل الى التدارك لما فات من المهمات فهى اللوامة للومها صاحبها بل نفسها على سوء عملها فذكر هذه الدآئرة الله الله ويقال لها دائرة القلب لانقلابها الى جانب الحق واما أن تطمئن الى الحق وتستقر فى الطاعة وتتلذذ بالعبادة فهى المطمئنة لاطمئنانها تحت أمر الله بحب الله ويقال لهذه الدآئرة دآئرة الروح لاستراحتها بعبادة الله وذكره وتلذذها بشكره وذكر هذ الدآئرة هو هو واما ماقال بعض الكبار من ان الذكر بلا اله الا الله أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو من حيث انها جامعة بين النفى والاثبات ومحتوية على زيادة العلم والمعرفة فبالنسبة الى حال المبتدى فكلمة التوحيد تظهر مرءآة النفس بنارها فتوصل السالك الى دآئرة القلب وكلمة الله تنور القلب بنورها فتوصل الى دائرة الروح وكلمة هو تجلى الروح فتوصل من شاء الله الى دآئرة السر والسر لفظ استأثره المشايخ للحقيقة التى هى ثمرة الطريقة التى هى خلاصة الشريعة التى هى لازمة القبول لكل مؤمن اما أخذا مما روى عن النبى عليه السلام انه قال حكاية عن الله "بينى وبين عبدى سر لايسعه ملك مقرب ولا نبى مرسل" واما لكونه مستورا عن اكثر الناس ليس من لوازم الشريعة والطريقة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم يشهد الله اينما يبد وانه لا اله الا هو

هست هر ذره بو خدت خويش بيش عارف كواه وحدت او
باك كن جامى از غبار دويى لو خاطر كه حق يكيست نه دو

{ عالم الغيب والشهادة } اللام للاستغراق فيعلم كل غيب وكل شهادة اى ماغاب عن الحسن من الجواهر القدسية واحوالها وما حضر له من الاجرام واعراضها ومن المعدوم والموجود فالمراد بالغيب حينئذ ماغاب عن الوجود ومن السر والعلانية ومن الآخرة والاولى ونحو ذلك قال الراغب ماغاب عن حواس الناس وبصائرهم وما شهدوه بهما والمعلومات اما معدومات يمتنع وجودها او معدومات يمكن وجودها واما موجودات يمتنع عدمها او موجودات لايمتنع عدمها ولكل من هذه الاقسام الاربعة احكام وخواص والكل معلوم لله تعالى وقدم الغيب على الشهادة لتقدمه فى الوجود وعلق العلم القديم به من حيث كونه موجودا، واعلم ان ماورد من اسناد علم الغيب الى الله فهو الغيب بالنسبة الينا لا بالنسبة اليه تعالى لانه لايخفى على الله شىء فى الارض ولا فى السماء واذا انتفى الغيب بالنسبة اليه انتفى العلم به ايضا وايضا لما سقطت جميع النسب والاضافات فى مرتبة الذات البحت والهوية الصرفة انتفت النسبة العلمية مطلقا فانتفى العلم بالغيب فافهم { هو الرحمن الرحيم } كرر هو لان له شأنا شريفا ومقاما منيفا من اشتغل به ملك من اعرض عنه هلك والله تعالى رحمته الدنيوية عامة لكل انسى وجنى مؤمنا كان او كافرا

اديم زمني سفره عام اوست برين خان يغما جه دشمن جه دوست

على ما قال عليه السلام أيها الناس ان الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وان الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر يحق فيها الحق ويبطل الباطل كونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فان كل ام يتبعها ولدها ولذلك يقال يارحمن الدنيا لان مافيه زيادة حرف يراد به زيادة فى المعنى ورحمته الاخروية خاصة بالمؤمنين ولذا يقال يارحيم الآخرة فعلى هذا فى معنى الرحمن زيادة باعتبار المنعم عليه ونقصان باعتبار الانواع والافراد فى تخصيص هذين الاسمين المنبيئن عن وفور رحمته فى الدارين تنبيه على سبق رحمته وتبشير للعاصين أن لايقنطوا من رحمة الله وتنشيط للمطيعين بأنه يقبل القليل ويعطى الجزيل وحظ العبد من اسم الرحمن الرحيم أن يكون كثير الرحمة بأن يرحم نفسه اولا ظاهرا وباطنا ثم يرحم غيره بتحصيل مراده وارشاده والنظر اليه بعين الرحمة كما قال بعض المشايخ

وارحم جميع الخالق كلهموا وانظر اليهم بعين اللطف والشفقه
وقر كبير همو وارحم صغير همو وراع فى كل خلق حق من خلقه

قال الزروقىرحمه الله كل الاسماء يصح التخلق بمعانيها الا الاسم الله فانه للتعلق فقط وكل الاسماء راجعة اليه فالمعرفة به معرفة بها ولابد للعبد من قلب مفرد فيه توحيد مجرد وسر مفرد وبه يحصل جميع المقاصد سئل الجنيد قدس سره كيف السبيل الى الانقطاع الى الله تعالى قال بتوبة الاصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على مسالك العمل واهانة النفس بقربها من الاجل وبعدها من الأمل قيل له بما يصل العبد الى هذا قال بقلب مفرد فيه توحيد مجرد انتهى وهو عجيب وفى التأويلات النجمية تشير الآية الى هويته الجامعة عالم غيب الوجود المسمى باسم الباطن وعالم شهادة الوجود المسمى باسم الظاهر وهو الرحمن الرحيم اى هو المتجلى بالتجلى الرحمانى العام وهو المتجلى بالتجلى الرحيمى الخاص وهو المطلق عن العموم والخصوص فى عين العموم والخصوص غير اعتباراته وحيثياته