التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٤
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ هو الله الخالق } اى المقدر للاشياء على مقتضى حكمته ووفق مشيئته فان اصل معنى الخلق التقدير كما يقال خلق النعل اذا قدرها وسواها بمقياس وان شاع فى معنى الايجاد على تقدير واستوآء وسوآء كان من مادة كخلق الانسان من نطفة ونحوه او من غير مادة كخلق السموات والارض وعبد الخالق هو الذى يقدر الاشياء على وفق مراد الحق لتجلية له بوصف الخلق والتقدير فلا يقدر الا بتقديره تعالى وخاصية هذا الاسم أن يذكر فى جوف الليل ساعة فما فوقها فيتنور قلب ذاكره ووجهه وفى الاربعين الادريسية خالق من فى السموات ومن فى الارض وكل اليه معاده قال السهروردى يذكر لجمع الضائع الغائب البعيد الغيبة خمسة آلاف مرة { البارىء } الموجد للاشياء بريئة من التفاوت فان البرء الايجاد على وجه يكون الموجد برئيا من التفاوت والنقصان عما يقتضيه التقدير على الحكمة البالغة والمصلحة الكاملة وعبدالبارىء هو الذى يبرأ عمله من التفاوت والاختلاف فلا يفعل الا مايناسب حضرة الاسم البارىء متعادلا متناسبا بريئا من التفاوت كقوله تعالى { ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت } وخاصية هذا الاسم أن يذكره سبعة أيام متوالية كل يوم مائة مرة للسلامة ومن الآفات حتى من تعدى التراب عليه فى القبر وفى الاربعين الادريسية يابارىء النفوس بلا مثال خلا من غيره قال السهروردى يفتح لذاكره ابواب الغنى والعز والسلامة من الآفات واذا كتب فى لوح من قير وعلق على المجنون نفعه وكذلك اصحاب الامراض الصعبة { المصور } الموجد لصور الاشياء وكيفياتها كما أراد يعنى بحشنده صورت هر مخلوق، كما يصور الاولاد فى الارحام بالشكل واللون المخصوص فان معنى التصوير تخصيص الخلق بالصور المتميزة والاشكال المتعينة قال الراغب الصورة ماتتميز به الاعيان عن غيرها وهى محسوسة كصورة الانسان ومعقولة كالعقل وغيره من المعانى وقوله عليه السلام "ان الله خلق آدم على صورته" أراد بالصورة ماخص الانسان به من الهيئة المدركة بالبصر وبالبصيرة وبها فضله على كثير من خلقه واضافته الى الله على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه بل على سبيل التشريف له كقوله بيت الله وناقة الله وروح الله.
يقول الفقير الضمير المجرور فى صورته يرجع الى الله لا الى آدم والصورة الالهية عبارة عن الصفات السبع المرتبة وهى الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وآدم مظهر هذه الصفات بالفعل بخلاف سائر الموجودات واطلاق الصورة على الله تعالى مجاز عند أهل الظاهر اذ لا تستعمل فى الحقيقة الا فى المحدوسات واما عند اهل الحقيقة فحقيقة لان العالم الكبير بأسره صورة الحضرة الالهية فرقا وتفصيلا وآدم صورته جمعا واجمالا

اى زهمه صورت خوب توبه صورك الله على صورته
روى تو آيينه حق بينى است در نظر مردم خود بين منه
بلكه حق آيننه وتو صورتى وهم توى رابميان ره مده
صورت از آيينه نباشد جدا انت به متحد فانتبه
هركه سر رشته وحدت نيافت بيش وى اين نكته بود مشتبه
رشته يكى دان وكره صد هزار كيست كرين نكته كشايد كره
هركه جو جامى بكره بندشد كر بسر رشته رود باز به

والحاصل ان الخالق هنا المقدر على الحكمة الملائمة لنظام العالم والبارىء الموجد على ذلك التقدير والمصور المبدع لصور الكائنات واشكال المحدثات بحيث يترتب عليها خواصهم ويتم بها كمالهم وبهذا ظهر وجه الترتيب بينهما واستلزام التصوير البرء والبرء الخلق استلزام الموقوف للموقوف عليه كما قال الامام العزالىرحمه الله وقدس سره قد يظن ان هذه الاسماء مترادفة وان الكل يرجع الى الخلق والاختراع ولاينبغى أن يكون كذلك بل كل مايخرج من العدم الى الوجود يفتقر الى التقدير اولا والى الايجاد على وفق التقدير ثانيا والى التصوير بعد الايجاد ثالثا والله تعالى خالق من حيث انه مقدر وبارىء من حيث انه مخترع موجد ومصور من حيث انه مرتب صور المخترعات احسن ترتيب وهذا كالبناء مثلا فانه محتاج الى مقدر يقدر مالابد منه من الخشب واللبن ومساحة الارض وعدد الابنية وطولها وعرضها وهذا يتولاه المهندس فيرسمه ويصوره ثم يحتاج الى بناء يتولى الاعمال التى عندها تحدث وتحصل اصول الابنية ثم يحتاج الى مزين ينقش ظاهره ويزين صورته فيتولاه غير البناء هذه هى العادة فى التقدير والبناء والتصوير وليس كذلك فى افعال الله تعالى بل هو المقدر والموجد والمزين فهو الخالق البارىء المصور فقدم ذكر الخالق على البارىء لان الارادة والتقدير متقدمة على تأثير القدرة وقدم البارىء على المصور لان ايجاد الذات متقدم على ايجاد الصفات وعن حاطب بن أبى بلتعة رضى الله عنه انه قرأ البارىء المصور بفتح الواو ونصب الرآء يبرأ المصور اى يميز مايصوره بتفاوت الهيئات واختلاف الاشكال وعبد المصور هو الذى لايتصور ولا يصور الا ماطابق الحق ووافق تصويره لان فعله يصدر عن مصوريته تعالى ولذا قال بعضهم حظ العارف من هذه الاسماء أن لايرى شيأ ولايتصور امرا الا ويتأمل فيما فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع فيترقى من المخلوق الى الخالق وينتقل من ملاحظة المصنوع الى ملاحظة الصانع حتى يصير بحيث كلما نظر الى شىء وجد الله عنده وخاصية الاسم المصور الاعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار ونحوها حتى ان العاقر اذا ذكرته فى كل يوم احدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الافطارعلى سبعة ايام زال عقمها وتصور الولد فى رحمها باذن الله تعالى.
{ له الاسماء الحسنى } لدلالتها على المعانى الحسنة كما سبق فى سورة طه (قال الكشافى) مر اوراست نامهاى نيكى كه در شرع وعقل بسنديده ومستحسن باشد، والحسنى صيغة تفضيل لانها تأنيث الاحسن كالعليا فى تأنيث الاعلى وتوصيف الاسماء بها للزيادة المطلقة اذ لا نسبة لاسمائه الى غير الاسماء من اسماء الغير كما لانسبة لذاته المتعالية الى غير الذوات من ذوات الغير واسماء الله تسعة وتسعون على ماجاء فى الحديث ونقل صاحب اللباب عن الامام الرازى انه قال رأيت فى بعض كتب الذكر ان لله تعالى اربعة آلاف اسم الف منها فى القرءآن والاخبار الصحيحة والف فى التوراة والف فى الانجيل والف فى الزبور (روى) ان من دعاء رسول الله عليه السلام
"اسألك بكل اسم سميت به نفسك او انزلته فى كتابك او علمته احدا من خلقك او استأثرت به فى علم الغيب" فلعل كونها تسعة وتسعين بالنظر الى الاشهر الاشرف الاجمع وتعدد الاسماء لايدل على تعدد المسمى لان الواحد يسمى ابا من وجه وجدا من وجه وخالا من وجه وعالما من وجه وذاته متحدة قال عبدالرحمن البسطامى قدس سره فى ترويح القلوب اعلم ان من السر المكتوم فى الدعاء أن تأخذ حروف الاسماء التى تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ الا الف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كم لها من الاعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد فى موضع خال من الاصوال بالشرآئط المعتبرة عند اهل الخلوة لاتزيد على العدد ولاتنقص منه فانه يستجاب لك بالوقت وهو الكبريت الاحمر باذن الله تعالى فان الزيادة على العدد المطلوب اسراف والنقص منه اخلال والعدد فى الذكر بالاسماء كسنان المفتاح لانها زادت ونقصت لاتفتح الباب وقس عليه باب الاجابة فافهم السر وصن الدر، ثم اعلم ان العارفين يلاحظون فى الاسماء آلة التعريف واصل الكلمة والملامية يطرحون منها آلة التعريف لانها زآئدة على اصل الكلمة قال العلماء الاسم هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع والمسمى هو المعنى الموضع له والتسمية وضع اللفظ له او اطلاقه عليه واطلاق الاسم على الله تعالى توقيفى عند البعض بحث لايصح اطلاق شىء منه عليه الا بعد ان كان واردا فى القرءآن او الحديث الصحيح وقال آخرون كل لفظ دل على معنى يليق بجلال الله وشأنه فهو جائز الاطلاق والا فلا ومن أدلة الاولين ان الله عالم بلا مرية فيقال له عالم وعليم وعلام لوروده فى الشرع ولا يقال له عارف اوفقيه او متيقن الى غير ذلك مما يفيد معنى العلم ومن أدلة الآخرين ان الاسماء الله وصفاته مذكورة بالفارسية والتركية والهندية وغيرها مع انها لم ترد فى القرءآن والحديث ولا فى الاخبار وان المسلمين اجمعوا على جواز اطلاقها ومنها ان الله تعالى قال ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها والاسم لايحسن الا لدلالته على صفات الكمال ونعوت الجلال فكل اسم دل على هذه المعانى كان اسما حسنا وانه لافائدة فى الالفاظ الا رعاية المعانى فاذا كانت المعانى صحيحة كان المنع من اطلاق اللفظ المفيد غير لائق غاية مافى الباب أن يكون وضع اسم علما له مستحدثا وذكر مايوهم معنى غير لائق به تعالى ليس بأدب اما ذكر ماهو دال على معنى حسن ليس فيه ايهام معنى مستنكر مستنفر فليس فيه من سوء الأدب شىء.
{ يسبح له مافى السموات والارض } ينطق بتنزهه عن جميع النقائص تنزها ظاهرا قال فى كشف الاسرار يسبح له جميع الاشياء اما بيانا ونطقا واما برهانا وخلقا وقد مر الكلام فى هذا التسبيح مرارا وجمهور المحققين على انه تسبيح عبارة وهو لاينافى تسبيح الاشارة وكذا العكس { وهو العزيز الحكيم } الجامع للكمالات كافة فانها مع تكثرها وتشعبها راجعة الى الكمال فى القدرة والعلم قال الامام الغزالىرحمه الله الحيكم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة افضل الاشياء بأجل العلوم واجل الاشياء هو الله تعالى واجل العلوم هو العلم الازلى الدآئم الذى لايتصور زواله فليس يعلم الله حقيقة الا الله ومن عرف جميع الاشياء ولم يعرف الله قدر الطاقة البشرية لم يستحق أن يسمى حكيما فمن عرف الله فهو حكيم وان كان ضعيف القوة فى العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها الا نسبة حكمة العبد الى حكمة الله كنسبة معرفته الى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده عنه هو أنفس المعارف واكثرها خيرا ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا ما يذكر الا اولوا الالباب وعبد الحكيم هو الذى بصره الله بمواقع الحكمة فى الاشياء ووفقه للسداد فى القول والصواب فى العمل وهو يرى خللا فى شىء الا يسده ولا فسادا الا يصلحه وخاصية هذا الاسم دفع الدواهى وفتح باب الحكمة فمن اكثر ذكره صرف الله عنه مايخشاه من الدواهى وفتح له باب الحكمة وانما مدح الله نفسه بهذه الصفات العظام تعليما لعباده المدح بصفاته العلى بعد فهم معانيها ومعرفة استحقاقه بذلك طلبا لزيادة تقربهم اليه قال ابو الليث فى تفسيره فان قال قائل قد قال الله فلا تزكوا أنفسكم فما الحكمة فى ان الله تعالى نهى عباده عن مدح أنفسهم ومدح نفسه قيل له عن هذا السؤال جوابان احدهما ان العبد وان كان فيه خصال الخير فهو ناقص واذا كان ناقصا لايجوز له أن يمدح نفسه والله تعالى تام الملك والقدرة فيستوجب بهما المدح فمدح نفسه ليعلم عباده فيمدحوه والجواب الآخر أن العبد وان كان فيه خصال الخير فتلك افضال من الله تعالى ولم يكن ذلك بقوة العبد فلهذا لايجوز أن يمدح نفسه ونظير هذه ان الله تعالى نهى عباده أن يمنوا على احد بالمعروف وقد من على عباده للمعنى الذى ذكر فى المدح قال بعض الكبار تزكية الانسان لنفسه سم قاتل وهى من باب شهادة الزور لجهله بمقامه عند الله الا أن يترتب على ذلك مصلحة دينية فللانسان ذلك كما قال عليه السلام
"انا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" اى لاافتخر عليكم بالسيادة انما الفخر بالعبودية والفخر بالذات لايكون الا لله وحده واما الفخر فى عباده فانما هو للرتب فيقال صفة العلم افضل من صفة الجهل ونحو ذلك ولايخفى ان الرتب نسبة عدمية فما افتخر من افتخر الا بالعدم ولذلك امر الله نبيه أن يقول انما انا بشر مثلكم فلم ير لذاته فضلا على غيره ثم ذكر شرف الرتبة بقوله يوحى الى، اعلم ان الاولى لك أن تسكت عن بحثين وتكل العلم فيهما الى الله العليم الخبير احدهما مايكون بين العلماء من ان صفات الله الثابتة هل هى موجودات بوجودات مستقلة غير وجوده تعالى اولا بعد الايمان باتصافه تعالى بها وكمالها ودوامها والثانى مايكون بين المشايخ من ان الوجود هل هو واحد والله سبحانه وتعالى هو ذلك الوجود وسائر الموجودات مظاهر له لا وجود لها بالاستقلال او له تعالى وجود زآئد على ذاته واجب لها مقتضية هى اياه ولغيره تعالى من الموجودات وجودات اخر غير الوجود الواجب على ماهو البحث الطويل بينهم والى ذلك يرشدك ماقالوا من ان مااتصف الله به فهو واجب لايتغير اصلا ومالم يتصف به فهو ممتنع لايكون قطعا فاذا اختلف اثنان فى ذاته وصفاته تعالى فلا جرم ان واحدا منهما اما ينفى الواجب او يثبت الممتنع وكلاهما مشكل وان ماابهم علمه فالأدب فيه السكوت بعد الايمان بما ظهر من القرءآن والحديث واتفاق الصحابة رضى الله عنهم فان المرء لايسأل الا عن علم لزمه فى اقامة الطاعة وادامة العبادة لمولاه قال صاحب الشرعة ولا يناظر احد فى ذات الله وصفاته المتعال عن القياس والاشباه والا وهام والخطرات وفى الحديث "ان هلاك هذه الامة اذا نطقوا فى ربهم وان ذلك من اشراط الساعة" فقد كان عليه السلام يخر ساجدا لله تعالى متى ماسمع مايتعالى عنه رب العزة ولايجيب السائل عن الله الا بمثل ماجاء به القرءآن فى آخر سورة الحشر من ذكر افعاله وصفاته ولا يدقق الكلام فيه تدقيقا فان ذلك من الشيطان وضرر ذلك وفساده اكثر من نفعه قال بعض الكبار مافى الفرق الاسلامية اسوء حالا من المتكلمين لانهم ادعوا معرفة الله بالعقل على حسب مااعطاهم نظرهم القاصر فان الحق منزه عن أن يدرك او يعلم بأوصاف خلقه عقلا كان او علما روحا كان او سرا فان الله ماجعل الحواس الظاهرة والباطنة طريقا الا الى معرفة المحسوسات لاغير والعقل بلا شك منها فلا يدرك الحق بها لانه تعالى ليس بمحسوس ولا بمعلوم معقول وقد تبين لك بهذا خطأ جميع من تكلم فى الحق وصفاته لما لم يعلمه من الحق ولا من رسله عليه السلام وقال بعض العارفين سبب توقف العقول فى قبول ماجاء فى الكتاب والسنة من آيات الصفات واخبارها حتى يؤول ضعفها وعدم ذوقها فلو ذاقوا كاذاقة الانبياء وعلموا على ذلك بالايمان كما عملت الطائفة لأعطاهم الكشف ما اجاله العقل من حيث فكره ولم يتوقفوا فى نسبة تلك الاوصاف الى الحق فاعلم ذلك وعمل به تعرف أن علم القوم هو الفلك المحيط الحاوى على جميع العلوم (حكى) ان الفاضل محمد الشهرستانى صاحب كتاب الملل والنحل كان من كبار المتكلمين وفحولهم وكان له بحث كثير فى علم الكلام ربما لم يسبق اليه سواه حتى جمع فى ذلك الكتاب تلك المباحث القطيعة ثم انتهى امره الى العجز فيه والتحير فى ذاته حتى رجع الى مذهب العجائز فقال عليكم بدين العجائز فانه من أسنى الجوآئز وانشد

لقد طفت فى تلك المعاهد كلها وسيرت طرفى بين تلك المعالم
فلم أر الا واضعا كف حائر على ذقن اوقارعا سن نادم

ثم قال والوجه أن يعتقد العبد الدين الذى جاء به محمد عليه السلام ودعا اليه واليه اناب ولايدخل فى ذلك شيأ من نظر عقله لافى تنزيه ولا فى تشبيه بل يؤمن بكل آية جاءت فى ذاته الله وصفاته على بابها ويكل علمها الى الله الذى وصف ذاته بها هذا هو طريق السلامة والدين الصحيح وعلى ذلك كانت الصحابة والسلف الصالحون رضى الله عنهم واليه ينتهى الراسخون فى العلم والعقلاء المحققون عند آخر أمرهم ومن وفقه الله كان عليه وآل نظره اليه ومن بقى على ماأعطاه نظره واجتهاده فليس ذلك بمتبع محمدا عليه السلام فيما جاء به مطلقا لانه ادخل فيه حاصل نظره وتأويله واتكل على رأيه وعقله وهذه وصيتى اليكم ان أردتم السلامة وعدم المطالبة ومن أراد غير ذلك لم ينج من السؤال وكان على خطر فى المآل لان القطع بما اراد الله عسير فانا رأينا العقلاء اختلفت أدلتهم فى الله فالمعتزلى يخالف الاشعرى وبالعكس وهم يخالفون الحكماء وبالعكس كل طائفة تجهل الأخرى وتكفرها فعلمنا ان سبب ذلك هو اختلاف نظرهم وعدم عثورهم على الدليل الصحيح اما كلهم او بعضهم ورأينا الانبياء عليهم السلام لم يختلف منهم اثنان فى الله قط عز وجل وكل دعوا اليه تعالى على باب واحد وكان اختلافهم فى فروع الاحكام بحكم الله تعالى لافى اصولها قط قال الله تعالى سبحانه { شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذى اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } فقوله ولا تتفرقوا فيه دليل على اجتماعهم على امر واحد فى الاصول لانه الفروع معلومة بوقوع الاختلاف فيها وذلك لايضر وانما يضر الاختلاف فى الاصول اذ لو وقع الاختلاف فيها لما وقع الاتفاق ولكانت الدعوة لاتصح لان الاله الذى يدعو اليه هذا غير الاله الذى يدعو ذلك اليه والله تعالى قال { والهكم اله واحد } وعم الطوآئف كلها من آدم عليه السلام بالخطاب وهلم جرا الى يوم القيامة الى هنا من كلامه اورده حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره فى رسالته المعمولة وصية للطالبين وعظة للراغبين، ثم اعلم ان من شرف هذه الاسماء المذكورة فى الآخرة ماقال ابو هريرة رضى الله عنه سألت حبيبى رسول الله عليه السلام عن اسم الله الأعظم فقال "هو آخر الحشر" وفى عين المعانى قال عليه السلام "سالت جبريل عن اسم الله الأعظم فقال عليك بآخر الحشر فاكثر قرآءته فأعدت عليه فأعاد على" وعنه عليه السلام "من قال حين يصبح ثلاث مرات اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرآ ثلاث آيات من آخر الحشر وكل الله به سبعين الف ملك يصلون عليه" وفى بعض الروايات "يحرسونه حتى يمسى فان مات فى ذلك اليوم مات شهيدا ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة" رواه معقل بن يسار رضى الله عنه وانما جمع بين استعاذة وقرآءة آخر الحشر والله اعلم لان فى الاستعاذة الاشعار بكمال العجز والعبودية وفى آخر الحشر الاقرار بجلال القدرة والعظمة والربوبية فالاول تخلية عن العجب والثانى تخلية بالايمان الحق وبهما يتحقق منزل قوله تعالى { الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } فيترتب عليه قوله تعالى { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } كما فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارىرحمه الله وعن أبى امامة رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ خواتيم الحشر من ليل او نهار فقبض من ذلك اليوم او الليلة فقد استوجب الجنة" وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ سورة الحشر لم يبق جنة ولا نار ولا عرش ولا كرسى ولاحجاب ولا السموات السبع والارضون السبع والهوام والطير والريح والشجر والدواب والجبال والشمس والقمر والملائكة الا صلوا عليه فان مات اى من يومه او ليلته مات شهيدا" كما فى كشف الاسرار وقوله مات شهيدا اى يثاب ثواب الشهادة على مرتبة وللشهادة مراتب قد مرت
تمت سورة الحشر فى اواخر شهر الله رجب المنتظم فى سلك شهور سنة خمس عشرة ومائة وألف.