التفاسير

< >
عرض

مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ ماقطعتم من لينة } ما شرطية نصب بقطعتم واللينة فعلة نحو حنطة من اللون على ان أصلها لونه فياؤها مقلوبة عن واو لكسرة ماقبلها نحو ديمة وفيمة وتجمع على ألوان وهى كضروب النخل كلها وقيل من اللين وتجمع على لين وأليان وهى النخلة الكريمة الشجرة بكونها قريبة من الارض والطيبة الثمرة قال الراغب في المفردات اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك فى الاجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعانى فيقال فلان لين وفلان خشن وكل واحد منهما يمدح به طورا ويذم به طورا بحسب اختلاف المواضع وقوله ماقطعتم من لينة اى من نخلة ناعمة ومخرجة مخرج فعلة نحو حنطة ولا يختص بنوع منه دون نوع انتهى والمعنى اى شىء قطعتم من نخلة من نخيلهم بأنواعها وقيل للينة ضروب النخل كلها ماخلا العجوة والبرنية وهما أجود النخل { او تركتموها } الضمير لما وتأنيثه لتفسيره باللينة كما فى قوله تعالى { مايفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها } { قائمة } حال من ضمير المفعول { على اصولها } كما كانت من غير أن تتعرضوا لها لشىء من القطع جمع اصل وهو مايتشعب منه الفرع { فباذن الله } فذاك اى قطعها وتركها بأمر الله فلا جناح عليكم فيه فان فى كل من القطع والترك حكمة ومصلحة { وليخزى الفاسقين } اى وليذل اليهود الخارجين عن دآئرة الاسلام اذن فى قطعها وتركها فهو علة لمحذوف يقال خزى الرجل لحقه انكسارا اما من نفسه وهو الحياء المفرط ومصدره الخزاية وما من غيره وهو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزى أذن الله فى قطعها وتركها لانهم اذا رأو المؤمنين يتحكمون فى اموالهم كيف احبوا ويتصرفون فيها حسبما شاؤا من القطع والترك يزدادون غيظا ويتضاعفون حسرة وذلك ان رسول الله عليه السلام حين أمر أن تقطع نخيلهم وتحرق قالت اليهود وهم بنوا النضير يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد فى الارض فما بال قطع النخيل واحراقها فشق ذلك على النبى عليه السلام كان فى أنفس المؤمنين ايضا من ذلك شىء فنزل وجعل أمر رسول الله أمره تعالى لانه عليه السلام ماينطق عن الهوى استدل به على جواز هدم ديار الكفرة وقطع اشجارهم مثمرة كانت او غير مثمرة واحراق زروعهم زيادة لغيظهم وتخصيص اللينة بالقطع ان كانت من الالوان ليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية اللتين هما كرام النخيل وان كانت هى كرام النخيل ليكون غيظهم أشد ويقال ان العتيق والجوة كانتا مع نوح فى السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصل الاناث لكها فلذا شق على اليهود قطعها وظهر من هذا أن اللون هو ماعدا العجوة والبرنى من انواع التمر بالمدينة والبرنى بالفارسية حمل مبارك او جيد لان اصله برنيك فعرب ومن انواع تمر المدينة الصيحانى وفى شرح مسلم للنووى ان انواع التمر مائة وعشرون وفى تاريخ المدينة الكبير للسيد السمنودى أن انواع التمر بالمدينة التى أمكن جمعها بلغت مائة وبضعا وثلاثين ويوافقه قوله بعضهم اختبرناها فوجدنا اكثر مما ذكره النووى قال ولعل مازاد على ما ذكر حدث بعد ذلك واما انواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل ان عالم فاس محمد بن غازى أرسل الى عالم سلجماسة ابراهيم بن هلال يسأله عن حصر انواع التمر بتلك البلدة فأرسل اليه حملا او حملين من كل نوع تمرة واحدة فأرسل اليه هذا ماتعلق به علم الفقير وأن تعدوا نعمة الله لاتحصوها وفى نسق الازهار ان بهذه البلدة رطبا يسمى البتونى وهو أخضر اللون واحلى من عسل النحل ونواه فى غاية الصغر وكانت العجوة خير أموال بنى النضير لانهم كانوا يقتاتوتها وفى الحديث "العجوة من الجنة وتمرها يغذى أحسن الغذاء" روى ان آدم عليه السلام نزل بالعجوة من الجنة وفى البخارى من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه فى ذلك اليوم سم ولا سحر وقد جاء فى العجوة العالية شفاء وانها ترياق اول البكرة وفى كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر اكبر من الصيحانى وتضرب الى السواد وهى مما غرسه النبى عليه السلام بيده الشريفة وقد علمت انها فى نخل بنى النضير وعن ابن عباس رضى الله عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة اشياء بالآسة وهى سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهى سيدة طعام الدنيا والعجوة وهى سيدة ثمار الدنيا وفى الحديث "ان العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وانها ترياق اول البكرة وعليكم بالتمر البرنى فكلوه فانه يسبح فى شجره ويستغفر لآكله وانه من خير تمركم وانه دوآء وليس بدآء" وجاء بيت لاتمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الخدود ودعون بالويل كما فى انسان العيون قال بعض أهل الاشارة يشير الى من قطع نخلة محبة الدنيا من ارض قلبه بأمر الله وحكمته المقتضية لذلك الامر بالقطع وهم المحرومون المنقطعون عن الدنيا ومحبتها وشهواتها ولذاتها المتوجهون الى طريق السلوك الى الله بتزكية النفس وتصفية القلب وتخلية السر وتحلية الروح والى من ترك الدنيا فى ارض قلبه قائمى على اصولها على حالها باذن الله وحكمته البالغة المقتضية لابقائها وهم الكاملون المكملون الواصلون المواصلون الذين ليس للدنيا و لا للآخرة عندهم قدر ومقدار مازاغ نظر ظاهرهم ولا بصر باطنهم اليهما لاشتغالهم بذكر الله اى بذكر ذاته وصفاته واسمائه كما قال فى حقهم رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وليخزى الفاسقين الذين خرجوا من مقام المعرفة والعرفان وما عرفوا ان للحق عبادا ليس للدنيا والآخرة عندهم قدر ومقدار ومازاغ بصر ظاهرهم ولا نظر باطنهم اليهما وطعنوا فيهم بمحبة الدنيا ونسبوا اليهم حب الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية فأخزاهم الله بشؤم هذا الطعن والله يشهد انهم لكاذبون (قال الحافظ)

بس تجربه كرديم درين دير مكافات بادرد كشان هركه در افتاد بر افتاد