التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٩
-الحشر

روح البيان في تفسير القرآن

{ والذين تبوأوا الدار والايمان } كلام مستأنف مسوق لمدح الانصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفيىء بهم احسن رضى واكمله والانصار بنوا الاوس والخزرج ابنى حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الازد بن الغوث بن نيت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان قال فى القاموس قحطان بن عامر بن شالخ ابو حى انتهى وهو اصل العرب العرباء ومن الانصار غسان كشداد ماء قرب الجحفة نزل عليه قوم من ولد الازد فشربوا منه فنسبوا اليه وأصل البوآء مساواة الاجزآء فى المكان خلال النبو الذى هو منافاة الاجزآء يقال مكان بوآء اذا لم يكن نابيا بنازله وبوأت له مكانا سويت (وروى) انه عليه السلام كان يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله وتبوؤا المنزل اتخاذه منزلا والتمكن والاستقرار فيه فالمتبوأ فيه لابد أن يكون من قبيل المنازل والامكنة والدار هى المدينة وتسمى قديما يثرب وحديثا طيبة وطابة كذلك بخلاف الايمان فانه ليس من هذا القبيل فمعنى تبوئهم الدار والايمان انهم اتخذوا المدينة والايمان مباءة وتمكنوا فيهما اشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن النبوؤ معنى اللزوم وقيل تبوأوا الدار وأخلصوا الايمان او قبلوه او آثروه كقول من قال علفتها تبنا وماء باردا، اى وسقيتها ماء باردا فاختصر الكلام وقيل غير ذلك.
يقول الفقير لعل اصل الكلام والذين تبوأوا دار الايمان فان المدينة يقال لها دار الايمان لكونها مظهره ومأوى اصله كما يقال لها دار الهجرة وانما عدل الى ماذكر من صورة العطف تنصيصا على ايمانهم اذ مجرد التبوء لايكفى فى المدح { من قبلهم } اى من قبل هجرة المهاجرين فقدر المضاف لان الانصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين بل منهم من آمن قبل الهجرة ومنهم من آمن بعدها قال بعضهم مراد انصارندكه درديار خود ايمان آوردند وبد وسال بيش ازقدوم حضرت مساجد ساختند، وربوا الاسلام كما يربى الطير الفرخ قال فى الارشاد يجوز أن يجعل اتخاذ الايمان مباءة ولزومه واخلاصه عبارة عن اقامة كافة حقوقه التى من جملتها اظهار عامة شعائره واحكامه ولا ريب فى تقدم الانصار فى ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن اظهار بعضها لا عن اخلاصه قلبا واعتقادا اذ لايتصور تقدمهم عليهم فى ذلك وفى الآية اشارة الى دار القلب التى هى دار الصدق والاخلاص والى الايمان الاختصاصى الوهبى بتحقيقه وتثبيته { يحبون من هاجر اليهم } خبر للموصول اى يحبونهم من حيث مهاجرتهم اليهم لمحتبهم الايمان ولان الله وحبيبه احباهم وحبيب الحبيب حبيب وفى كشف الاسرار كنايتست ازمهمان دوستى انصار { ولايجدون فى صدورهم } اى فى نفوسهم { حاجة } اى شيأ محتاجا اليه { مما اوتوا } اى مما اوتى المهاجرون من الفيىء وغيره ومن بيانية يقال خذ منه حاجتك اى ماتحتاج اليه والمراد من نفى الوجدان نفى العلم لان الوجدان فى النفس ادراك علمى وفيه من المبالغة ماليس فى يعلمون وقال بعضهم طلب محتاج اليه يعنى ان نفوسهم لم تبتغ ما اوتوا ولم تطمح الى شىء منه يحتاج اليه وقيل وجدا على تقديمهم عليهم وغيظا وحسدا ونحو ذلك قال الراغب الحاجة الى الشىء الفقر اليه من محبته { ويؤثرون } اى يقدمون المهاجرين فالمفعول محذوف { على انفهسم } فى كل شىء من اسباب المعاش جودا وكرما حتى ان من كان عنده امرأتان كان ينزل عن احداهما ويزوجها واحدا منهم والايثار عطاؤك ما أنت تحتاج اليه وفى الخبر
"لم يجتمع فى الدنيا قوم قط الا وفيهم اسخياء وبخلاء الا فى الانصار فان كلهم اسخياء مافيهم بخيل" { ولو كان بهم خصاصة } اى حاجة وخلة واصلها خصاص البيت وهى فرجة شبه حالة الفقر والحاجة ببيت ذى فرج فى الاشتمال على مواضع الحاجة قال الراغب عبر عن الفقر الذى لايسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة والخص بيت من قصب وشجر وذلك لما يرى منه من الخصاصة وكان عليه السلام قسم أموال بنى النضير على المهاجرين ولم يعط الانصار الا ثلاثة نفر محتاجين ابا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة رضى الله عنهم وروى لم يعط الا رجلين سهلا وابا دجانة فان الحارث بن الصمة قتل فى بئر معونة وقال لهم ان شئتم قسمتم للمهاجرين من اموالكم ودياركم وشاركتموهم فى هذه الغنيمة وان شئتم كانت لكم دياركم واموالكم ولم يقسم لكم شىء من الغنيمة فقالت الانصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارانا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وكان عليه السلام أعطى بعض الاراضى وابقى بعضها يزرع له ولما أعطى المهاجرين امرهم برد ما كان للانصار لاستغنائهم عنهم ولانهم ولم يكونوا ملوكهم وانما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لينتفعوا بثمرها ويدخل فى ايثارهم المهاجرين بالفيىء سائر الايثارات وعن انس رضى الله عنه انه قال اهدى لرجل من الانصار رأس شاة وكان مجهودا فوجه به الى جار له زاعما انه احوج اليه منه فوجه جاره ايضا الى آخر فلم يزل يبعث به واحدا الى آخر حتى تداول ذلك الرأس سبعة بيوت الى أن رجع الى المجهود الاول قال حذيفة العدوى انطلقت يوم اليرموك اطلب ابن عم لى ومعى شىء من الماء وانا اقول ان كان به رمق سقيته فاذا أنا به فقلت اسقيك فأشار برأسه أن نعم فاذا برجل يقول آه آه فأشار الى ابنى عمى ان انطلق اليه فاذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فأشار أن نعم فسمع آخر يقول آه آه فأشار هشام أن انطلق اليه فجئت اليه فاذا هو قد مات فرجعت الى هشام فاذا هو قد مات فرجعت الى ابن عمى فاذا هو قد مات وهذا من قبيل الايثار بالنفس وهو فوق الايثار بالمال

فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد

وقال فى التكملة الصحيح ان الآية نزلت فى أبى طلحة الانصارى رضى الله عنه حين نزل برسول الله عليه السلام ضيف ولمن يكن عنده مايضيفه به فقال ألا رجلا يضيف هذارحمه الله فقام أبو طلحة فانطلق به الى رحله وقال لامرأته اكرمى ضيف رسول الله فنومت الصبية واطفأت السراج وجعل الضيف يأكل وهما يريان انهما يأكلان معا ولايفعلان فنزلت الآية وكان قناعت السلف اوفر ونفوسهم اقنع وبركتهم اكثر ونحن نؤثر أنفسنا على الغير فاذا وضعت مائدة بين ايدينا يريد كل منا آن يأكل قبل الآخر ويأخذ اكثر مما يأخذ الرفيق ولذلك لم توجد بركة الطعام وينفد سريعا ويروى انه وقع بين ملك ووزيره انه قال الملك ان العلماء احسن حالا واصلح بالا من الفقرآء وقال الوزير بخلاف ذلك ثم قال الوزير نمتحنهما فى أمرين فبعث احدا بعدة آلاف درهم الى اهل المدرسة فقال اذهب وقل لهم ان الملك امرنى أن أعطى هذه الدراهم افضلكم واكملكم فمن هو فقال واحد منهم انا وقال الآخر كذب بل هو انا وهكذا ادعى كل منهم الافضلية فقال الرسول لم يتميز الأفضل عندى ولم أعرفه ولم يعط شيأ فعاد واخبر بما وقع ثم ارسل الوزير تلك الدراهم الى اهل الخانقاه ففعلوا عكس مافعله العلماء واعطى بيده سيفا فقال اذهب فقل لهم ان الملك امرنى أن اضرب عنق رئيسكم فمن هو فقال واحد انا وقال الآخر بل انا وهكذا قال كل منهم ايثار ابقاء اخيه واختيار فدآء رفيقه بنفسه فقال الرسول لم يتميز ماهو الواقع عندى فرجع وأخبر بما وقع فأرسل السيف الى العلماء ففعلوا عكس ما فعله الفقرآء فحج بذلك الوزير على الامير وانت تشاهد أن فقرآء زماننا على عكس هؤلاء الفقرآء فى البلاد والممالك قال أبو يزيد البسطامى قدس سره غلبنى رجل شاب من اهل بلخ حيث قال لى ماحد الزهد عندكم فقلت اذا وجدنا اكلنا واذا فقدنا صبرنا فقال هذا فعل كلاب بلخ عندنا بل اذا فقدنا شكرنا واذا وجدنا آثرنا

كريم كامل آنرامى شناسم اندرين دوران كه كرنانى رسد آزآسياى جرخ كردانش
زاستغناى همت باوجود فقر وبى بركى زخود واكير دوسازد ننثار بى نوا بانش

وفى العوارف من اخلاق الصوفية الايثار والمواساة وحملهم على ذلك فرط الشفقة والرحمة طبعا وقوة اليقين شرعا لانهم يؤثرون الموجود ويصبرون على المفقود قال يوسف بن الحسينرحمه الله من رأى لنفسه ملكا لايصح له الايثار لانه يرى نفسه احق بالشىء برؤية ملكه انما الايثار لمن يرى الاشياء للحق فمن وصل اليه فهو احق به فاذا وصل شىء من ذلك اليه يرى نفسه ويده فيه غصب اويد امانة يوصلها الى صاحبها ويؤديها اليه، معاذ بن جبل راديدندكه دربازار مكه ميكر ديد وزيره تره ميجيد وميكفت هذا ملكك مع رضاك وملك الدنيا مع سخطك

خيز يارا تابميخانه زمانى دم زنيم آتش اندر ملكت آل بنى آدم زنيم
هرجه اسبابست جمع آييم وبس جمع آوريم بس بحكم حال بيزارى همه برهم زنيم

{ ومن يوق شح نفسه } وهركه نكاه داشته شود ازبخل نفس او يعنى منع كند نفس را از حب مال وبغض اتفاق الوقاية حفظ الشىء مما يؤذيه ويضره والشح بالضم والكسر بخل مع حرص فيكون جامعا بين ذميمتين من صفات النفس وأضافته الى النفس لانه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذى هو البخل اى ومن يوق بتوفيق الله شحها حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الانفاق { فاولئك هم المفلحون } الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه والفلاح اسم لسعادة الدارين والجملة اعتراض وارد لمدح الانصار والثناء عليهم فان الفتوة هى الاوصاف المذكورة فى حقهم فلهم جلائل الصفات ودقائق الاحوال ولذا قال عليه السلام "آية الايمان حب الانصار وآية النفاق بغض الانصار" وقال عليه السلام "اللهم اغفر للانصار ولابناء الانصار وابناء ابناء الانصار" قال السهروردى فى العوارف السخاء صفة غريزية فى مقابلة الشح والشح من لوازم صقة النفس حكم الله بالفلاح لمن يوقى الشح اى لمن أنفق وبذل والنبى عليه السلام نبه بقوله "ثلاث مهلكات وثلاث منجيات" فجعل احدى المهلكات شحا مطاعا ولم يقل مجرد الشح يكون مهلكا بل انما يكون مهلكا اذا كان مطاعا فاما كونه موجودا فى النفس غير مطاع لاينكر ذلك لانه من لوازم النفس مستمد من اصل جبلتها الترابى وفى التراب قبض وامساك وليس ذلك بالعجب من الآدمى وهو جبلى فيه وانما العجب وجود السخاء فى الغريزة وهو فى نفوس الصوفية الداعى لهم الى البذل والايثار والسخاء اتم واكمل من الجود وفى مقابلة الجود البخل وفى مقابلة السخاء الشح الجود والبخل يتطرق اليهما الاكتساب بطريق العادة بخلاف الشح والسخاء اذا كانا من ضرورة الغريزة وكل سخى جواد وليس كل جواد سخيا والحق تعالى لايوصف بالسخاء لان السخاء من نتيحة الغرآئز والله تعالى منزه عن الغريزة والجود يتطرق اليه الرياء ويأتى به الانسان متطلعا الى عوض من الخلق والثواب من الله تعالى والسخاء لا يتطرق اليه الرياء لانه ينبع من النفس الزكية المرتفعة عن الاعواض دنيا وآخرة لان طلب العوض مشعر بالبخل لكونه معلولا بالعوض فما تمحض سخاء فالسخاء لأهل الصفاء والايثار لاهل الانوار وقال الحسنرحمه الله الشح هو العمل بالمعاصى كأنه يشح بالطاعة فدخل فيه ماقيل الشح أن تطمح عين الرجل الى ماليس له وقال عليه السلام "من الشح نظرك الى امرأة غيرك" وذلك فان الناظر يشح بالغض والعفة فلا يفلح (وروى) ان رجلا قال لعبد الله بن مسعود رضى الله عنه انى أخاف أن اكون قد هلكت قال وما ذاك قال اسمع الله يقول { ومن يوق شحّ نفسه فاولئك هم المفلحون } وأنا رجل شحيح لايكاد يخرج من يدى شىء فقال عبدالله ليس المراد الشح الذى ذكر الله فى القرءآن أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذاك البخل وبئس الشىء البخل وفسر الشح بغير ذلك وعن الحكيم الترمذى قدس سره الشح اضر من الفقر لان الفقير يتسع اذا وجد بخلاف الشحيح وعن أبى هريرة رضى الله عنه انه سمع رسول الله عليه السلام يقول "لايجتمع غبار فى سبيل الله ودخان جنهم فى جوف عبد ابدا ولا يجتمع الشح والايمان فى قلب عبد ابدا" وقال عليه السلام "من أدى الزكاة المفروضة وقرى الضيف واعطى فى النائبة فقد برىء من الشح والشح اقبح من البخل" وقال عليه السلام "اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فانه اهلك من كان قبلكم فحملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلوا محارمهم" (قال الحافظ)

احوال كنج قارون كايام داد برباد باغنجة باز كويد تا زر نهان ندارد

(وقال المولى الجامى فى ذم الخسيس الشحيح)

هرجند زندلاف كرم مرد درم دوست در يوزه احسان زدرا ونتوان كرد
ديرين مثلى هست كه از فضله حيوان نار نج توان ساخت ولى بو نتوان كرد