التفاسير

< >
عرض

وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ
١١٣
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولتصغى اليه } الى زخرف القول علة اخرى للايحاء معطوفة على غرورا وانما لم ينصب لفقد شرطه اذ الغرور فعل الموحى واصغاء الافئدة فعل الموحى اليه اى يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول ليغروهم به ولتميل اليه { افئدة } قلوب { الذين لا يؤمنون بالآخرة } واما المؤمنون بها فلا يتصور منهم الميل الى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها { وليرضوه } لانفسهم بعدما مالت اليه افئدتهم { وليقترفوا } اى يكتسبوا بموجب ارتضائهم له { ما هم مقترفون } له من القبائح التى لا يليق ذكرها وهى ما قضى عليهم فى اللوح المحفوظ يقال اقترف فلان ذنبا اذا عمله ومالا اذا اكتسبه. وفى الآية اشارة الى ان البلايا للسائرين الى الله هى المطايا وان اشد البلاء شماتة الاعداء فلما كانت رتبة الانبياء اعلى كانت عداوة الكفار لهم اوفى وفى ذلك ترقيات لهم وتجليات: قال الحافظ

جه جورها كه كشيدند بلبلان ازدى ببوى آنكه درك نوبهار باز آيد

والاشارة فى شيطان الانس الى النفس الامارة بالسوء وهى اعدى الاعداء ولهذا قدم ذكره على الجن ههنا بخلاف المواضع الاخر وليعلم ان عداوة النفس واصحاب النفوس اشد واصعب من عداوة شياطين الجن فان كيد الشيطان مع كيد الانسان ضعيف وارباب القلوب لا يصغون الى زخارف اقوال اصحاب النفوس بل كلما تشتد عداوة الاعداء يقوى ايمان الاولياء

وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم كه در طريقت ما كافريست رنجيدن

وانما يتسلط الشيطان على ابن آدم بفضول النظر والكلام والطعام وبمخالطة الناس ومن اختلط فقد استمع الى الاكاذيب. وعن بعض الشيوخ ان الشيطان اشد بكاء على المؤمن اذا مات من بعض اهله لما فاته من افتتانه اياه فى الدنيا واذا عرج بروح المؤمن الى السماء قالت الملائكة سبحان الذى نجى هذا العبد من الشيطان يا ويحه كيف نجا. فعلى المؤمن ان يحترز من وساوسه وحديث نفسه ايضا كيلا يفتضح عند الله وعند الناس فانه روى ان الوسواس الخناس يخبر بما وقع فى قلب ابن آدم وحدث به نفسه وان لم يخبره لغيره كما حكى ان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ذكر امرأة فى نفسه فجعل الناس يتحدثون به فيما بينهم. واعلم ان قرين المرء من الجن اذا اسلم سلم من شره ومن الجن قوم مؤمنون منتفعون بعلوم كل البشر محبون ـ حكى ـ عن ابراهيم الخواص قال حججت سنة من السنين فبينا انا امشى مع اصحابى اذا عارضنى عارض من سرى يقتضى الخلوة وخروجا عن الطريق الجادة فاخذت طريقا غير الطريق الذى عليه الناس فمشيت ثلاثة ايام بليالهن ما خطر على سرى ذكر طعام ولا شراب ولا حاجة فانتهيت الى برية خضراء فيها من كل الثمرات والرياحين ورأيت فى وسطها بحيرة فقلت كانها الجنة وبقيت متعجبا فبينا انا اتفكر اذا انا بنفر قد اقبلوا بسيماهم سيما الآدميين عليهم المرقعات الحسان فحفوا بى وسلموا علىّ فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فوقع فى خاطرى انهم من الجن فقال قائل منهم قد اختلفنا فى مسألة ونحن نفر من الجن قد سمعنا كلام الله تعالى من محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وسلبتنا نغمة كلامه جميع امور الدنيا وقد عين الله لنا هذه البحيرة فى هذه البرية قلت وكم بيننا وبين الموضع الذى تركت فيه اصحابى فتبسم بعضهم وقال يا ابا اسحق لله عز وجل عجائب واسرار الموضع الذى انت فيه لم يحضره آدمى قبلك الا شاب من اصحابهم توفى ههنا وذاك قبره اشار الى قبر على شفير البحيرة حوله روضة ورياحين لم ار مثلها قبل ثم قال بينك وبين القوم الذين فارقتهم مسيرة كذا وكذا شهرا او قال كذا وكذا سنة فقلت اخبرونى عن الشاب فقال قائل منهم بينما نحن قعود على شفير البيحرة نتذاكر المحبة اذ بشخص قد اقبل الينا وسلم علينا فرددنا عليه السلام فقلنا له من اين اقبل الشاب قال من مدينة نيسابور قلنا له ومتى خرجت منها قال منذ سبعة ايام قلنا له وما الذى ازعجك على الخروج من وطنك قال سمعت قول الله تعالى { { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } [الزمر: 54].
قلنا له ما معنى الانابة وما معنى الاسلام وما معنى العذاب فقال الانابة ان ترجع بك منك اليه والاسلام ان تسلم نفسك له وتعلم انه اولى بك منك والعذاب الفرقة ثم صاح صحية عظيمة فمات فواريناه وهذا قبره رضى الله عنه قال ابراهيم فتعجبت مما وصفوا ثم دنوت من قبره واذا عند رأسه باقة نرجس كأنها رحى عظيمة وعلى قبره مكتوب هذا حبيب الله قتيل الغيرة وعلى ورقها مكتوب صفة الانابة فقرأت ما هو على النرجس مكتوب فسألونى ان افسره لهم ففسرته فوقع فيهم الطرب فلما افاقوا وسكنوا قالوا قد كفينا جواب مسألتنا قال ووقع علىّ النوم فما انتبهت الا وانا قريب من مسجد عائشة رضى الله عنها واذا فى وعائى باقة ريحان فبقيت معى سنة كاملة لم تتغير فلما كان بعد فقدتها رضى الله عنه وعنهم وعن جميع الصالحين.