التفاسير

< >
عرض

قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤٥
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل لا أجد فيما أُوحى الى } طعاما { محرما } من المطاعم التى حرموها { على طاعم } اى طاعم كان من ذكر او انثى ردا على قولهم ومحرم على ازواجنا وقوله تعالى { يطعمه } لزيادة التقرير { الا ان يكون } ذلك الطعام { ميتة } لم تذك وهى التى تموت حتف انفها { او دما مسفوحا } اى مصبوحا كالدماء التى فى العروق لا كالطحال والكبد فانهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما وفى الحديث "احلت لنا ميتتان ودمان" والمراد من الميتتين السمك والجراد ومن الدمين الكبد والطحال وما اختلط باللحم من الدم وقد تعذر تخلصه من اللحم عفو مباح لانه ليس بسائل ايضا { او لحم خنزير فانه } اى الخنزير { رجس } اى قذر لتعوده اكل النجاسة. قال الحدادى كل ما استقذرته فهو رجس ويجوز ان يعود الضمير الى اللحم وتخصيصه مع ان لحمه وشحمه وشعره وعظمه وسائر ما فيه كله حرام لكونه اهم ما فيه فان اكثر ما يقصد من الحيوان المأكول اللحم فالحل والحرمة يضاف اليه اصالة ولغيره تبعا. قال سعدى جلبى المفتى الاصل عود الضمير الى المضاف لانه المقصود والمضاف اليه لتعريفه وتخصيصه { او فسقا } عطف على لحم خنزير { اهل لغير الله به } صفة موضحة اى ذبح على اسم الاصنام وانما سمى ذلك فسقا لتوغله فى الفسق { فمن اضطر } اى اصابته الضرورة الداعية الى تناول شئ من ذلك { غير باغ } على مضطر مثله { ولا عاد } قدر الضرورة { فان ربك غفور رحيم } مبالغ فى المغفرة والرحمة لا يؤاخذه بذلك. والآية محكمة لانها تدل على انه عليه السلام لم يجد فيما اوحى اليه الى تلك الغاية غيره ولا ينافيه ورود التحريم بعد ذلك فى شئ آخر.
قال فى التأويلات النجمية يشير بالميتة الى ميتة الدنيا فانها جيفة مستحيلة كما قال بعضهم

وما هى الا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها
فان تجتنبها كنت سلما لاهلها وان تجتذبها نازعتك كلابها

وفى الحديث "اوحى الله الى داود مثل الدنيا كمثل جيفة اجتمعت عليها الكلاب يجرونها أفتحب ان تكون كلبا مثلهم فتجر معهم" .
قال الحافظ:

هما بى جون توعالى قدر حرص استخوان حيفست دريغاسايه همت كه برنا اهل افكندى

والدم المسفوح هو الشهوات واللذات التى يهراق عليها دم الدين ولحم الخنزير هو كل رجس من عمل الشيطان كما قال تعالى { { انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } [المائدة: 90].
وحقيقة الرجس الاضطراب عن طريق الحق والبعد منه كما جاء فى الخبر لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى اى اضطراب وتحرك حركة سمع لها صوت فالرجس ما يبعدك عن الحق او فسقا اهل لغير الله به اى خروجا عن طلب الحق فى طلب غير الحق: قال السعدى

خلاف طريقت بود كاوليا تمنا كنند ازخدا جز خدا

فالشروع فى هذه الأشياء محرم لانها تحرمك من الله وقرباته الا ان يكون بقدر ما يدفع الحاجة الانسانية فان الضرورات تبيح المحظورات. قال بعضهم فى قوله عليه السلام "تمعددوا واخشوشنوا"
.اى اقتدوا بمعدّ بن عدنان والبسوا الخشن من الثياب وامشوا حفاة فهو حث على التواضع ونهى عن الافراط فى الترفه والتنعم كما قال عليه السلام "اياك والتنعم فان عباد الله ليسوا بالمتنعمين" .

بناز ونعمت دنيا منه دل كه دل برداشتن كاريست مشكل

فعلى العاقل ان يكون ازهد الناس فى الدنيا ويتجرد عن الاسباب كالانبياء وكمل الاولياء. وعن بعضهم قال رأيت فقيرا ورد على بئر ماء فى البادية فادلى ركوته فيها فانقطع حبله ووقعت الركوة فيها فاقام زمانا وقال وعزتك لا ابرح الا بركوتى او تأذن لى فى الانصراف عنها قال فرأيت ظبية عطشانة جاءت الى البئر ونظرت فيها وفاض الماء وطفح على البئر واذا بركوته على فم البئر فاذخا وبكى وقال الهى ما كان لى عند محل ظبية فهتف به هاتف يا مسكين جئت بالركوة والحبل وجاءت الظبية ذاهبة عن الاسباب لتوكلها علينا ففى هذه الحكاية ما يدل على كمال الانقطاع عن غير الله تعالى.