التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
١٥٩
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ إن الذين } اى اليهود والنصارى { فرقوا دينهم } اى بدّدوه وبعضوه فتمسك بكل بعض منه فرقة منهم { وكانوا شيعا } جمع شيعة يقال شايعه على الامر اذا تبعه اى فرقا تشيع كل فرقة اماما لها قال عليه السلام "افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة وستفترق امتى على ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية الا واحدة"
.واستثناء الواحدة من فرق كل من اهل الكتابين انما هو بالنظر الى العصر الماضى قبل النسخ واما بعده فالكل فى الهاوية { لست منهم فى شئ } لست من البحث عن تفرقهم والتعرض لمن يعاصرك بالمناقشة والمؤاخذة فى شئ { انما امرهم الى الله } تعليل للنفى المذكور اى هو يتولى وحده اولاهم واخراهم ويدبرهم كيف يشاء حسبما تقتضيه الحكمة { ثم ينبئهم } اى يوم القيامة { بما كانوا يفعلون } عبر عن اظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة فى انهما سببان للعلم تنبيها على انهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه من سوء عاقبته اى يظهر لهم على رؤوس الاشهاد ويعلمهم اى شئ شنيع كانوا يفعلونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء.
واعلم ان كل فعل شنيع وعمل قبيح فى الدنيا يتصور بصورة قبيحة فى الآخرة وهو قد كان بصورة قبيحة فى الدنيا ايضاً لكنه برز لفاعله فى صورة مستحسنة امتحانا وابتلاء فصار كالشهد المختلط بالسم نعوذ بالله من سيآت الاعمال حفت الجنة بمكر وهاتنا وحفت النيران بشهواتنا يعنى جعلت الجنة محفوفة بالاشياء التى كانت مكروهة لنا وجعلت النار محاطة بالاشياء التى كانت محبوبة لنا يعنى ان نفوسنا تميل اليها وتحب ان تفعلها لكونها على وفق هواها فكما ان فى الآفاق فرقا مختلفة ينفى بعضهم الصانع وبعضهم صفاته وبعضهم يعتقد فى حقه تعالى ما لا يجوز اعتقاده وبعضهم يجرى على ما جرى عليه الانبياء والاولياء من حسن العقيدة وصالح العمل كذلك فى الانفس قوى مختلفة لا تتحد فى البنية ولا تجتمع على امر واحد فالطبيعة على التشهى والنفس على الهوى والروح على الاقبال الى المولى والدين الحقيقى الذى فيه كمالية الانسان انما يوجد بتوافق الظاهر والباطن فمن فارقه بقلبه وتمسك ببعض شعاره وبظاهره رياء وسمعة فهو من فرق اهل الدعوى من غير المعنى. قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى مخاطبا لحضرة الهدائى قدس الله اسرارهما اشكر الله على عدم اقترانك بالملاحدة فان الالحاد كمرض الجذام بعيد عن الاصلاح قال واظن انهم لا يخرجون من النار لانهم فى دعوى المقال بدون الحال انتهى. ومن المدعين القلندرية وهم الذين يقصون لحاهم وشعورهم بل يحلقون

قلندرى نه بريشست وموى ويا ابرو حساب راه قلندر بدانكه موى بموست
كذشتن ازسر مو در قلندرى سهلست جو حافظ آنكه زسر بكذرد قلندر اوست

ومن الفرق المبتدعة الجوالقية وهم الذين يحلقون لحاهم ويلبسون الجوالق والكساء الغليظ وقد نهى النبى عليه السلام عن لباس الشهرة سواء كان من جنس الرقيق او الغليظ لانه اشتهار بذلك وامتياز به عن المسلمين وقد قال عليه السلام "كن كواحد من الناس"
.ولا ينفع الجوالق والكساء اذا كان المرء صاحب الرياء: قال السعدى قدس سره.

بروى ريا خرقه سهلست دوخت كرش باخدا در توانى فروخت
كر آوزاره خواهى رد اقليم فاش برون حله كن كودرون حشو باش

وقال

درغزا كند مرد بايد بود مخنث سلاح جنك جه سود

وكان الشيخ قطف الدين حيدر مجذوبا صاحب حال جدّا حتى حكى انه اخذ حديدا حارا من كير حداد صار كقطعة نار والقاه على عنقه ساعة فلم يحترق فاخذ الحيدرية بذلك ولبسوا الحديد تقليدا ولبس الحديد اكثر اثما من لبس الذهب.
فعلى العاقل ان يجتنب عن البدعة واهلها ـ وروى ـ ان ابن المبارك رؤى فى المنام فقيل له ما فعل ربك فقال عاتبنى واوقفنى ثلاثين سنة بسبب انى نظرت باللطف يوما الى مبتدع فقال انك لم تعاد عدوى فى الدين فكيف حال القاعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
واعلم ان اهل الهوى والبدعة ليس مخصوصا بالبشر كما قال الاعمش تزوج الينا جنى فقلت له ما احب الطعام اليكم فقال الارز فقال فأتنا به فجعلت ارى اللقم ترفع ولا ارى احدا فقلت هل فيكم من هذه الاهواء التى فينا قال نعم قلت فما الرافضة فيكم قال شرنا والروافض هم الذين رفضوا زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب لعدم تبريه من ابى بكر وعمر رضى الله عنهما ولزم هذا اللقب كل من غلا فى مذهبه واستجاز الطعن فى الصحابة واصله ان زيدا خرج بالكوفة داعيا لنفسه فبايعه جماعة من اهلها واتاه طائفة من اهل الكوفة وقالوا تبرأ من ابى بكر وعمر نبايعك فابى فقالوا اذا نرفضك فمن ذلك سموا الروافض وقالت طائفة من اهل الكوفة نتولاهما ونتبرأ ممن تبرأ منهما وخرجوا مع زيد فسموا الزيدية وسبب بغضهم للاصحاب انه لما وقعت الهزيمة فى غزوة احد ونادى الشيطان ان قد مات محمد اعتقده الاصحاب غير على رضى الله عنه حتى وقع النزاع فقال كرم الله وجهه هل اقتلكم لو لم يكن واقعا قالوا نعم فلما ظهر خلافه عفا عنهم فمن ثم احبوا عليا وتركوا الباقى وابغضوه

جون خدا خواهد كه برده كس درد ميلش اندر طعنه باكان برد

فعلى العاقل ان يحب الصالحين حبا شديدا كى ينال منهم شفاعة يوم القيامة فويل لمن كان شفعاؤه خصماءه اللهم اعصمنا ولا تزغ قلوبنا واهدنا وسددنا فمنك التوفيق لسلوك طريق التحقيق.