التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
٣
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ وهو } اى الله تعالى مبتدأ خبره قوله { الله } باعتبار المعنى الوصفى اى المعبود ولذا تعلق به قوله { فى السموات وفى الأرض } والمعنى هو المعبود والمستحق للعبادة فيهما ولا يلزم من كونه تعالى معبودا فيهما كونه متحيزا فيهما فانه منزه عن الزمان والمكان ـ روى ـ ان امام الحرمين استاذ الامام الغزالى نزل ببعض الاكابر ضيفا فاجتمع عنده العلماء والاكابر فقام واحد من اهل المجلس فقال ما الدليل على تنزهه عن المكان وهو قال { { الرحمن على العرش استوى } [طه: 5].
فقال الدليل عليه قول يونس فى بطن الحوت
{ { لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين } [الأَنبياء: 87].
فتعجب منه الناظرون والتمس صاحب الضيافة بيانه فقال الامام ان ههنا فقيرا مديونا بالف درهم ادعته دينه حتى ابينه فقيل صاحب الضيافة دينه فقال ان رسول الله لما ذهب فى المعراج الى ما شاء الله من العلى قال هناك
"لا أحصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك" ولما ابتلى يونس عليه السلام بالظلمات فى قعر البحر ببطن الحوت قال { { لا إله إلا انت سبحانك انى كنت من الظالمين } [الأَنبياء: 87].
فكل منهما خاطبه بقوله انت وهو خطاب الحضور ولو كان هو فى مكان لما صح ذلك فدل ذلك على انه ليس فى مكان { يعلم سركم وجهركم } خبر ثان اى ما اسررتموه وما جهرتم به من الاقوال { ويعلم ما تكسبون } اى ما تفعلون لجلب نفع او دفع ضر من الاعمال المكتسبة بالقلوب او بالجوارح سراً وعلانية فيجازيكم على كل ذلك ان خيرا فخير وان شرا فشر. وفى التأويلات النجمية { وهو الله فى السموات } اى فى سموات الوجود { وفى الارض } اى فى ارض النفوس { يعلم سركم } الذى اودع فيكم وهو سر الخلافة الذى اختص به الانسان لقبول الفيض الالهى { وجهركم } اى ما هو ظاهر منكم من الصفات الحيوانية والاحوال النفسانية { ويعلم ما تكسبون } باستعمال الاستعداد السرى والجهرى فى المأمورات والمنهيات من الخير والشر وقد خص الانسان بهذا الكسب ايضا دون الملك والحيوان فان الملك لا يقدر ان يكتسب من الصفات الحيوانية شيئاً ولا الحيوان قادر على ان يكتسب من الصفات الملكية شيئاً والانسان متصرف فى هاتين الصفتين وله اكتساب التخلق باخلاق الله بالتقرب الى الله باداء ما افترض عليه والتزم النوافل واجتناب النواهى الى ان يصير من خير البرية وله ايضا ان يكتسب من الشر ما يصير به شر البرية انتهى. قال حسين الواعظ الكاشفى فى تفسيره الفارسى [در نقد النصوص فرموده كه انسان مر آتيست ذات وجهين در يك رويش خصائض ربوبيت ودرروى ديكر نقايص عبوديت جون خصائص نكرى ازهمه موجودات بزركوارتر وجون نقائص عبوديت شمارى ازهمه خوارتر وبمقدارتر

جون درخودارزاوصاف توبابم اثرى حاشاكه بود نكوترازمن دكرى
وآن دم كه فتد بحال خويشم نظرى درهمر دوجهان نباشد ازمن بترى

بس حق سبحانه وتعلى مى فرمايدركه من اسرار خصائص شما درتيه غيب ميدانم وآثار نقائص شما درعالم شهادت مى شناسم وديكر ميدانم آنجه شما ميكنيد ازعلاكه سبب ترقى باشدبر درجات انسانية ياموجب تنزل بدركات حيوانيه ودانستن اين داناى سالك را بران دارد كه باصلاح وتزكيه اعمال مشغول شده ازحيز استيفاء حظوظ حيوانى برذروه استئناس بانعيم روحانى متصاعد كردد]

حيف باشد كه عمر انسانى جون بهايم بخواب وخور كذرد
آدمى ميتواند از كوشش كه مقام فرشته در كذرد

انتهى قال شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة عند تأويل الحديث القدسى "سر الانسان سرى وسرى سره" .
يعنى سره ظاهر سرى وصورة سرى وسرى باطن سره وحقيقة سره ثم قال واعلم ان سر الانسان عبارة عن الحقيقة الانسانية الظاهرة على صورة الحقيقة الالهية كما قال عليه السلام "خلق الله آدم على صورته" .
ولما نزلت تلك الحقيقة الانسانية من مرتبة الغيب الى منزلة الشهادة وتجلى لها الحق سبحانه بجماله وجلاله اودع فى جانبها الشرقى نور جماله وجانبها الغربى ظلمة جلاله واقام فى الاول ملكا يهدى الى الحق وفى الثانى شيطانا يدعو الى الباطل والملك سادن قبضة الجمال ويد اللطف والشيطان خادم قبضة الجلال ويد القهر واذا اراد الحق ان يصرف تلك الحقيقة الانسانية الى الحق يأمر الملك ان يلهمها اياه فتراه بالنور الآلهى الجمالى الذى فاض من تجلى الجمال فتتبعه وتقبله وتكون روحا ما دام وتكون على الحق ثابتة ويصير قالبها الذى هو لوحه فى اثبات الحق قلبا ترتعى فى روضته ويتجلى لها الحق سبحانه بالتجليات الجمالية والالطاف الخالصة المورثة طمأنينتها وسكينتها وتكون على الاستسلام والطاعة والصبر والرضى وغير ذلك من الاخلاق الحميدة واما اذا اراد ان يصرفها الى الباطل فيخلى بينها وبين الشيطان فيلقنها اياه فلا تراه ولا تفهمه اى لا تعلم انه باطل يحجبها عن الحق لان الظلمة الحاصلة من تجلى الجلال تمنعها عن ذلك فلا تجتنبه بل تأخذه وتصير نفسا مظلمة بعد كونها روحا نورانيا فتجريه فى قالبها الذى هو محل لذلك ويكون ذلك القالب طبيعة مظلمة بعد كونه قلبا نورانيا فيتجلى الحق تعالى بالتجليات الجلالية والاحوال القهرية التى تورث الاضطراب وعدم الاستسلام فتكون على المخالفة والاعراض وتتصف بالاوصاف الذميمة بعد الاتصاف بالحميدة هكذا الى آخر الامر اذ ذلك سنته القديمة وعادته الازلية الى ما شاء الله تعالى فانه اذا اراد بعبده خيرا يفقهه فى الدين ويجذبه الى نفسه مما سواه ولا يسلط الشيطان عليه كما قال { { إن عبادى ليس لك عليهم سلطان } [الحجر: 42].
بل للملائكة السادنة لقبضة الجمال عليهم سلطان بسلطانى عليهم واحكام القبضتين جارية فى العوالم فى االنفس والآفاق على ايدى سدنتهما الى تمام الامر والحكم فى التقلب للغالب انتهى كلام حضرة الشيخ قدس سره وهو الذى ما جاء مثله بعد الصدر القنوى والله اعلم الله اجعلنى من تابعيه حقيقة ومتبعيه شريعة وطريقة