التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٧٤
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذ قال إبراهيم لابيه ءازر } اعلم ان ابراهيم عليه السلام لما سلم قلبه للعرفان ولسانه لاقامة البرهان على فساد طريق اهل الشرك والطغيان وسلم بدنه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان ثم انه سأل ربه وقال { { واجعل لى لسان صدق فى الآخرين } [الشعراء: 84] وجب فى كرم الله تعالى انه يجيب دعاءه ويحقق مطلوبه فاجاب دعاءه وجعل جميع الطوائف واهل الاديان والملل معترفين بفضله حتى ان المشركين ايضا يعظمونه ويفتخرون بكونهم من اولاده ولما كانوا معترفين بفضله لا جرم جعل الله تعالى مناظرته مع قومه حجه على مشركى العرب اى واذكر يا محمد لاهل مكة وقت قول ابراهيم لابيه آزر اى مو بخاله على عبادة الاصنان فان ذلك مما يبكتهم وآزر عطف بيان لابيه وهو تارح بفتح الراء وسكون الحاء المهملة علمان لاب ابراهيم كاسرائيل ويعقوب او آزر لقبه وتارح اسم له وكان من قرية من سواد الكوفة يقال لها كوثى { أتتخذ اصناما آلهة } اى أتجعلها لنفسك آلهة على توجيه الانكار الى اتخاذ الجنس من غير اعتبار الجمعية وانما اريد صيغة الجمع باعتبار الوقوع { إنى أرٰك وقومك } الذين يتبعونك فى عبادتها { فى ضلال } عن الحق { مبين } اى بين كونه ضلالا لا اشتباه فيه. والرؤية اما علمية فالظرف مفعولها الثانى واما بصرية فهو حال من المفعول والجملة تعليل للانكار والتوبيخ ثم اعلم ان عبادة الاصنام كفر فدلت الآية على ان آزر كان كافرا وذلك لا يقدح فى شأن نسب نبينا صلى الله عليه وسلم واما قوله عليه اسلام "لم ازل انقل من اصلاب الطاهرين الى ارحام الطاهرات"
.فذلك محمول على انه ما وقع فى نسبه من ولد من الزنى ونكاح اهل الجاهلية صحيح كما يدل عليه قوله عليه السلام "ولدت من نكاح لا من سفاح"
.اى زنى وقوله "لما خلق الله تعالى آدم اهبطنى فى صلبه الى الارض وجعلنى فى صلب نوح فى السفينة وقذفنى فى صلب ابراهيم ثم لم يزل تعالى ينقلنى من الاصلاب الكريمة والارحام حتى اخرجنى بين ابوى لم يلتقيا على سفاح قط"
.ـ وروى ـ ان حواء لما وضعت شيثاً انتقل النور المحمدى من جبهتها الى جبهته ولما كبر وبلغ مبلغ الرجال اخذ آدم عليه العهود والمواثيق ان لا يودع هذا السر الا فى المطهرات المحصنات من النساء ليصل الى المطهرين من الرجال فانتقل ذلك النور الى يانش ويقال انوش ثم الى قنان ثم الى مهلائيل ثم الى يرد ثم الى خنوخ على وزن ثمود وهو ادريس عليه السلام ويقال اخنوخ ثم الى متوشلح ثم الى لمك ثم الى نوح عليه السلام ثم الى سام ابو العرب ثم الى رافخشذ ثم الى شالخ ثم الى عابر على وزن ناصر ويقال عبير على وزن جعفر ثم الى فالخ ويقال فاغل ثم الى ارغو ويقال راغو ثم الى شاروخ ثم الى ناخود ثم الى تارح وهو آزر ثم الى ابراهيم عليه السلام ثم الى اسماعيل عليه السلام وفيه لغة اخرى وهى اسمعين بالنون على ما حكاه النووى ثم الى قندار ثم الى حمل ثم الى النبت ثم الى سلامان ثم الى يشجب على وزن ينصر ثم الى يعرب على وزن ينصر ايضا ثم الى الهميسمع ثم الى اليسع ثم الى ادد ثم الى اد والى هنا اختلف فى اسماء اهل النسب بخلاف ما بعده ثم الى عدنان ثم الى معد ثم الى نزار ثم الى مضر ثم الى الياس بفتح الهمزة فى الابتداء والوصل وقيل بكسر الهمز ضد الرجاء ثم الى مدركة ثم الى خزيمة ثم الى كنانة ثم الى النضر ثم الى مالك ثم الى فهر ثم الى غالب ثم الى لوى ثم الى كعب ويجتمع عمر رضى الله عنه مع النبى عليه السلام فى النسب فى كعب ثم الى مرة ويجتمع ابو بكر مع النبى عليه السلام فى النسب فى مرة ثم الى كلاب ثم الى قصى ثم الى عبد مناف ثم الى هاشم ثم الى عبد المطلب ثم الى عبدالله اب السر المصون والدر المكنون محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يرض بعض اهل العلم بما اشتهر بين الناس من عبادة قريش صنما استدلالا بقوله تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلام { { واجنبنى وبنى أن نبعد الأصنام } [ابراهيم: 35].
فى سورة ابراهيم وقوله تعالى فى حق ابراهيم
{ { وجعلها كلمة باقية فى عقبه } [الزخرف: 28] فى حم الزخرف.
والجواب ان الآية الاولى تدل بظاهرها على الابناء الصلبية ولو سلم دلالتها على الاحفاد ايضا كما تدل على كل ولد من ذريته. ومعنى الآية الثانية وجعل الله كلمة التوحيد كلمة باقية فى نسله وذريته على انه لا تخلو سلسلة نسبه عن اهل التوحيد والايمان فلا تدل على ايمان كل اعقابه واحفاده وهو اللائح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال.
والاشارة فى الآية ان الله تعالى اظهر قدرته فى اخراج الحى من الميت بقوله { وإذ قال ابراهيم لأبيه ءازر أتتخذ اصناما ءالهة } دون الله اذ الاصل منهمك فى الجحود لموت قلبه والنسل مضمحل فى الشهود لحياة قلبه والاصنام ما يبعد من دون الله { إنى أراك وقومك فى ضلال مبين } بما ارانى الله ملكوت الاشياء كما فى التأويلات النجمية. ومن بلاغات الزمخشرى كم يحدث بين الخبيثين ابن لا يؤبن والفرث والدم يخرج من بينهما اللبن: قال السعدى

جو كنعانرا طبيعت بى هنر بود بيمبر زاد كى قدرش نيفزود
هنر بنماى اكر دارى نه كوهر كل ازخارست وابراهيم از آزر

وقال [خاكستر اكرجه نسب عالى دار كه آتش جوهر علويست وليكن بنفس خودجون هنرى ندارد باخاك برابراست قيمت شكرنه ازنى است كه آن خاصيت وى است] فظهر ان الله تعالى من شأنه القديم اخراج الحى من الميت ولا يختص به نسب وكذا امر العكس ومن الله التوفيق.