التفاسير

< >
عرض

وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ
٩٢
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ وهذا } القرآن { كتاب انزلناه } وصفه به ليعلم انه هو الذى تولى انزاله بالوحى على لسان جبريل وليس تركيب الفاظه على هذه الفصاحة من قبل الرسول { مبارك } اى كثير الفائدة والنفع وكيف وقد احاط بالعلوم النظرية والعملية فان اشرف العلوم النظرية هو معرفة ذات الله وصفاته وافعاله واحكامه ولا يوجد كتاب يفيد معرفة هذه الامور مثل ما افاده القرآن. واما العلوم العملية فالمطلوب منها اما اعمال الجوارح واما اعمال القلوب وهى المسمى بعلم الاخلاق وتزكية النفس فانك لا تجد شيأ منهما مثل ما تجده فى القرآن العظيم.
قال فى التأويلات النجمية { مبارك } على العوام بان يدعوهم الى ربهم. وعلى الخواص بان يهديهم الى ربهم. وعلى خواص الخواص بان يوصلهم الى ربهم ويخلقهم باخلاقه وفى كتاب المحبوب شفاء لما فى القلوب كما قيل

وكتبك حولــى لا تفـارق مضجعــى وفيها شفـاء للـــذى انــا كاتمـــه
اين جه منشور كريمست كه ازهر شكنش بوى جان برور احسان وعطا مى آيد
اين جه انفاس روان بخش عبير افشانست كــه ازو رائحــه مسك خطامــى آيـــد

{ مصدق الذى بين يديه } من التوراة لنزوله حسبما وصف فيها { ولتنذر ام القرى } عطف على ما دل عليه مباك اى للبركات ولانذارك اهل ام القرى فالمضاف محذوف والمراد بام القرى مكة وسميت بها لان الارض دحيت من تحتها فهى اصل الارض كلها كالام اصل النسل. قال الكاشفى فى تفسيره الفارسى قرى جمع قرية است واورا ازقرا كرفته اند بمعنى جمع است بس هرجا كه مجتمعى باشد ازشهر وده انرا قريه توان كفت { ومن حولها } اهل الشرق والغرب
قال فى التأويلات النجمية ام القرى هى الذرة المودعة فى القلب التى هى المخاطب فى الميثاق وقد دحيت جميع ارض القالب من تحتها ومن حولها من الجوارح والاعضاء والسمع والبصر والفؤاد والصفات والاخلاق بان يتنوروا بانواره وينتفعوا باسراره ويتخلقوا باخلاقه { والذين يؤمنون بالآخرة } وبما فيها من انواع العذاب { يؤمنون به } اى بالكتاب لانهم يخافون العاقبة ولا يزال الخوف يحملهم على النظر والتأمل حتى يؤمنوا به { وهم على صلاتهم يحافظون } يعنى المؤمنون بالكتاب يداومون على الصلوات الخمس التى هى اشرف التكاليف والطاعات ولذا خصص محافظتها من بين سائر العبادات.
وفى الآيات امور. الاول ان المخلوق لا يقدر قدر الخالق ولا يدركه باعتبار كنه ذاته وتجرده عن التعينات الاسماتية والصفاتية

بخيال درنكنجد توخيال خود مرنجان

فكل من عرف الله بآلة مخلوقة فهو على الحقيقة غير عارف ومن عرفه بآلة قديمة كما قال بعضهم عرفت ربى بربى فقد عرف الله ولكن على قدر استعداده فى قبول فيض نور الربوبية الذى به عرف الله على قدره لانها بينت ذاته وصفاته فالذى يقدر الله حق قدره هو الله تعالى لا غيره

كنه خردم درخور اثبات تونيست داننده ذات توبجزذات تونيست

ما للترات ورب الأرباب. والثانى ذم السمن كما عرف فى سبب النزول. قال ابن الملك السمن المذموم ما يكون مكتسبا بالتوسع فى المأكل لا ما يكون خلقة وفى الحديث "ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرأوا ان شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا"
.قال العلماء معنى هذا الحديث انه لا ثواب لهم واعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن فى موازين القيامة من لا حسنة له فهو فى النار. قال القرطبى فى تذكرته وفيه من الفقه ذم السمن لمن تكلفه لما فى ذلك من تكلف المطاعم والاشتغال بها عن المكارم بل يدل على تحريم كثرة الاكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن انتهى. وفى الفروع ان الاكل فرض ان كان لدفع هلاك نفسه ومأجور عليه ان كان لتمكينه من صومه وصلاته قائما ومباح الى الشبع ليزيد قوته وحرام فوق الشبع الا لقصد قوة صوم الغد ولئلا يستحي ضيفه: قال السعدى قدس سره

باندازه خورزاد اكرمر دمى جنين برشكم آدمى ياخمى
ندارند تن بروان آكهى كه بر معده باشد زحكمت تهى

قال الامام السخاوى فى المقاصد الحسنة فى الحديث " "ان الله يكره الحبر السمين"
.وفى التوراة (ان الله ليبغض الحبر السمين) وفى رواية (ان الله يبغض القارئ السمين). قال الشافعىرحمه الله ما افلح سمين قط الا ان يكون محمد بن الحسن فقيل له ولم قال لانه لا يفكر والعاقل لا يخلو من احدى حالتين اما ان يهمّ لآخرته ومعاده او لدنياه ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فاذا خلا من المعنيين صار فى حد البهائم بعقد الشحم. ثم قال الشافعى كان ملك فى الزمان الاول كثير اللحم جداً فجمع المتطببين وقال احتالوا حيلة تخف عنى لحمى هذا قليلا فما قدروا فنقبو له رجلا عاقلاً اديباً متطبباً وبعثوه فاشخص اليه بصره وقال أيعالجنى ذلك الفتى قال اصلح الله اللمك انا رجل متطبب منجم دعنى انظر الليلة فى طالعك اى دواء يوافق فاشفيك فهدأ عليه فقال ايها الملك الامان قال لك الامان قال رأيت طالعك يدل على ان عمرك شهر فمتى اعالجك وان اردت بيان ذلك فاحبسنى عندك فان كان لقولى حقيقة فخل عنى والا فاقتص منى قال فحبسه ثم رفع الملك الملاهى واحتجب عن الناس وخلا وحده مغما ما يرفع رأسه يعد الايام كلما انسلخ يوم ازدادغماً حتى هزل وخف لحمه ومضى لذلك ثمانية وعشرون يوما فبعث اليه فاخرجه فقال ما ترى فقال اعز الله الملك انا اهون على الله من ان اعلم الغيب والله ما اعرف عمرى فكيف اعرف عمرك انه لم يكن عندى دواء الا الهم فلم اقدر اجلب اليك الهم الا بهذه العلة فاذابت شحم الكلى فاجازه واحسن اليه. والثالث ما فى قوله تعالى { { قل الله } [الأنعام: 91].
من لطائف العبارات من اهل الاشارات. قال فى التفسير الفارسى [شيخ ابو سعيد ابو الخير قدس سره در كلمه
{ { قل الله ثم ذرهم } [الأنعام: 91].
فرموده كه الله بس وما سواه هوس وانقطع النفس وشيخ الاسلام فرموده كله
{ { قل الله } [الأنعام: 91].
دل سوى اوداد
{ { ثم ذرهم } [الأنعام: 91] عير اورافرو كذار. وشبلى بابعض اصحاب خود ميكفت كه عليك بالله ودع ما سواه]

جون تفرقه دلست حاصل زهمه دلرا بيكى سبار وبكسل زهمه

فالآية باشارتها تدل على ان من اراد الوصول الى الله تعالى فلينقطع عما سواه فانه لعب ولهو واللاهى واللاعب ليس على شئ نسأل الله سبحانه ان يحفظنا من اشتغال بما سواه. والرابع مدح القرآن وبيان فضيلته وفائدته. قال احمد بن حنبل رأيت رب العزة فى المنام فقلت يا رب ما افضل ما تقرب به المتقربون اليك قال كلامى يا احمد قلت يا رب بفهم ام بغير فهم قال بهفم وبغير فهم والنظر الى المصحف عبادة برأسه وله أجر على حدته ما عدا اجر القراءة. وعن حميد بن الاعرج قال من قرأ القرآن وختمه ثم دعا امن على دعائه اربعة آلاف ملك ثم لا يزالون يدعون له ويستغفرون ويصلون عليه الى المساء او الى الصباح. فعلى العاقل ان يجتهد حتى يختم القرآن فى اوائل الايام الصيفية والليالى الشتائية ليستزيد فى دعائهم واستغفارهم وفى الحديث " "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"
.وينبغى ان يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يطلب عوضاً ولا يقصد جزاء ولا شكوراً بل يعلم للتقرب الى الله تعالى ويقتدى بالانبياء حيث قدم كل واحد منهم على دعوته قوله { { لا أسألكم عليه أجرا } [الأنعام: 90].
قال فى الاسرار المحمدية من اخذ الجراية ليتعلم فهى له حلال ولكن من تعلم ليأخذ الجراية فهى عليه حرام. وفيه ايضاً لا يتخذ صحيفة القرآن اذا درست وقايه للكتب بل يمحوها بالماء وكان من قبلنا يستشفى بذلك الماء وينبغى لقارئ القرآن ان يجود ويحسن صوته وفى الحديث
"ليس منا من لم يتغن بالقرآن وحسنوا القرآن باصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا"
.قيل اراد بالتغنى الاستغناء وقيل الترنم وترديد الالحان وهو اقرب عند اهل اللغة كذا فى الاسرار ـ ويحكى ـ عن ظهير الدين المرغينانى انه قال من قال لمقرئ زماننا احسنت عند قراءته يكفر كذا فى شرح الهداية لتاج الشريعة. وقال فى البزازية من يقرأ القرآن بالالحان لا يستحق الاجر لانه ليس بقارئ قال الله تعالى { { قرآنا عربيا غير ذى عوج } [الزمر: 28] انتهى.
وسأل الحجاج بعض جلسائه عن ارق الصوت عندهم فقال احدهم ما سمعت صوتاً ارق من صوت قارئ حسن الصوت يقرأ كتاب الله تعالى فى جوف الليل قال ذلك الحسن وقال آخر ما سمعت صوتاً اعجب من ان اترك امرأتى ما خضا واتوجه الى المسجد بكيرا فيأتينى آت فيبشرنى بغلام فقال واحسناه فقال شعبة بن علقمة التميمى لا والله ما سمعت اعجب الى من ان اكون جائعا فاسمع خفخفة الخوان فقال الحجاج ابيتم يا بنى تميم الاحب الزاد والمقصود من هذه الحكاية بيان اختلاف مشارب الناس فمن احب الله وانس بكلامه وتجرد عن الاعراض وكان القارئ متحاشياً من الانغام الموسيقية والحان اهل الفسق قارئاً على لحون العرب محسناً صوته فلا مجال للطعن فيه والدخل ظاهراً وباطنا والله اعلم.