التفاسير

< >
عرض

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ
٤
رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٥
-الممتحنة

روح البيان في تفسير القرآن

{ قد كانت لكم } أيها المؤمنون { اسوة حسنة } قال الراغب الاسوة والاسوة كالقدوة والقدوة هى الحالة التى يكون الانسان عليها فى اتباع غيره ان حسنا وان قبيحا وان سارا وان ضارا والاسى الحزن وحقيقته اتباع الفائت بالغم والمعنى خصلة حميدة حقيقة بأن يؤتسى ويقتدى بها ويتبع اثرها وقوله اسوة اسم كانت ولكم خبرها وحسنة صفة اسوة مقيدة ان عمت الاسوة المحمودة والمذمومة وكاشفة مادحة ان لم تعم { فى ابراهيم والذين معه } اى من اصحابه المؤمنين صفة ثانية لاسوة وقولهم لى فى فلان اسوة اى قدوة من باب التجريد لا ان فلانا نفسه هو القدوة ويجوز أن يكون على حذف المضاف اى لى فى سنته وافعاله واقواله وقيل المراد الانبياء الذين كانوا فى عصره وقريبا منه قال ابن عطية وهذا القول ارجح لانه لم يرد أن ابراهيم كان له اتباع مؤمنون فى مكافحة نمرود وفى البخارى انه قال لسارة حين رحل به الى الشأم مهاجرا بلاد نمرود ماعلى الارض من يعبد الله غيرى وغيرك { اذ قالوا } ظرف لخبر كان ومعمول له او لكان نفسها عند من جوز عملها فى الظرف وهو الاصح { لقومهم } الكفار { انا برءآؤا منكم } جميع بريىء كظريف وظرفاء يعنى مابيزاريم ازشما { ومما تعبدون من دون الله } من اصنام اظهروا البرآءة او لامن انفسهم مبالغة وثانيا من عملهم الشرك اذ المقصود من البرءآة اولا من معبودهم هو البرآءة من عبادته ويحتمل أن تكون البرآءة منهم أن لايصاحبوهم ولا يخالطوهم ومن معبودهم أن لايقربوا منه ولا يلتفتوا نحوه ويحتمل أن تكون البرآءة منهم بمعنى البرآءة من قرابتهم لان الشرك يفصل بين القرابات ويقطع الموالاة وحاصل الآية هلا فعلتم كما فعل ابراهيم حيث تبرأ من أبيه وقومه لكفرهم وكذا المؤمنون { كفرنا بكم } اى بدينكم على اضمار المضاف والكفر مجاز عن عدم الاعتداد والجحد والانكار فان الدين الباطل ليس بشىء اذ الدين الحق عند الله هو الاسلام { وبدا } بدا الشىء بدوا وبدآء اى ظهر ظهورا بينا والبادية كل مكان يبدو مايعن فيه اى يعرض { بيننا } ظرف لبدا { وبينكم العداوة والبغضاء ابدا } اى هذا دأبنا معكم لانتركه والبغض ضد الحب (وقال الكاشفى) وآشكار اشد ميان ماوشماد شمنى بدل ودشمنى بدست يعنى محاربه ابدا هميشه يعنى بيوسته دشمنى قائم خواهد بود درميان بدل ودست { حتى } غاية لبدا { تؤمنوا بالله وحده } وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حنيئذ ولاية والبغضاء محبة والمقت مقة والوحشة الفة فالبغض نفور النفس من الشىء الذى ترغب عنه والحب انجذاب النفس الى الشىء الذى ترغب فيه فان قلت ماوجه قوله { حتى تؤمنوا بالله وحده } ولا بد فى الايمان من الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قلت الايمان بالله فى حال وحدته يستلزم الايمان بالجميع مع ان المراد الوحدة الالهية ردا للاصنام قال بعض المشايخ اسوة ابراهيم خلة الله والتبرى مما دون الله والتخلق بخلق الله والتأوه والبكاء من شوق الله وقال ابن عطاءرحمه الله الاسوة القدوة بالخليل فى الظاهر من الاخلاق الشريفة وهو السخاء وحسن الخلق واتباع ما امر به على الكرب وفى الباطن الاخلاص فى جميع الافعال والاقبال عليه فى كل الاوقات وطرح الكل فى ذات الله تعالى واسوة رسول الله عليه السلام فى الظاهر العبادات دون البواطن والاسرار لان اسراره لايطيقها أحد من الخلق لانه باين الامة بالمكان ليلة المعراج ووقع عليه تجلى الذات

سيهدار رسل سرخيل دركاه سرير افروز ملك لى مع الله

{ الا قول ابراهيم لأبيه } آزر { لأستغفرن لك } يا أبى استثناء من قوله تعالى { أسوة حسنة } فان استغفاره عليه السلام لأبيه الكافر وان كان جائزا عقلا وشرعا لو قومه قبل تبين انه من اصحاب الجحيم كما نطق به النص لكنه ليس مما ينبغى أن يؤتسى به اصلا اذ المراد به مايجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الاعراض عنه بما سيأتى من قوله تعالى { ومن يتولى فان الله هو الغنى الحميد } فاستثناؤه من الاسوة انما يفيد عدم استدعاء الايمان والمغفرة للكافر المرجو ايمانه وذلك لايرتاب فيه عاقل واما عدم جوازه فلا دلالة للاستنثاء عليه قطعا وحمل الأب على العم يخالف العقل والنقل لان الله تعالى يخرج الحى من الميت والعبرة بالحسب لا بالنسب وعن على رضى الله عنه شرف المرء بالعلم والأدب لا بالاصل والنسب

هنر بنماى اكر دارى نه كوهر كل از خارست وابراهيم از آزر

{ وما املك لك من الله من شىء } من تمام القول المستثنى فمحله النصب على انه حال من فاعل لاستغفرن لكم اى استغفر لك وليس فى طاقتى الا الاستغفار دون منع العذاب ان لم تؤمن فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذى هو فى نفسه من خصال الخير لكونه اظهارا للعجز وتفويضا للامر الى الله تعالى وفى هذه الآية دلالة بينه على تفضيل نبيه محمد عليه السلام وذلك انه حين امر بالاقتدآء به امر على الاطلاق ولم يستثن فقال وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وحين امر بالاقتدآء بابراهيم استثنى وايضا قال تعالى فى سورة الاحزاب { لقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } فأطلق الاقتدآء ولم يقيده بشىء (قال الصائب)

هلاك حسن خدا داد او شوم كه سرابا جو شعر حافظ شيرازى انتخاب ندارد

{ ربنا } الخ من تمام مانقل عن ابراهيم ومن معه من الاسوة الحسنة { عليك توكلنا } اعتمدنا يعنى از خلق بريديم واعتماد كلى بر كرم تونموديم { واليك أنبنا } رجعنا بالاعتراف بذنوبنا وبالطاعة { واليك المصير } اى الرجوع فى الآخرة وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والانابة والمصير على الله تعالى

سوى توكدريم روى ودل بتو بستيم زهمه باز آمديم وباتو نشستيم
هرجه نه بيوند يار بود بربديم هرجه نه بيمان دوست بود كستيم

قالوا بعد لمجاهدة وشق العصا التجاء الى الله تعالى فى جميع امورهم لاسيما فى مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم كما ينطق به قوله تعالى { ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا } بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نطيقه فالفتنة بمعنى المفعول وربنا بدل من الاول وكذا قوله ربنا فيما بعده وقال بعضهم ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا فتقتر علينا الرزق وتبسطه عليهم فيظنوا انهم على الحق ونحن على الباطل { واغفر لنا } مافرط منا من الذنوب والا كان سببا لظهور العيوب وباعثا للابتلاء المهروب { ربنا } تكرير الندآء للمبالغة فى التضرع والجؤار فيكون لاحقا بما قبله ويجوز أن يكن سابقا لما بعده توسلا الى الثناء باثبات العزة والحكمة والاول اظهر وعليه ميل السجاوندى حيث وضع علامة الوقف الجائز على ربنا وهو فى اصطلاحه مايجوز فيه الوصل والفصل باعتبارين وتلك العلامة الجيم بمسماة وهو، ج، { انك انت العزيز } الغالب الذى لايذل من التجأ اليه ولا يخيب رجاء من توكل عليه { الحكيم } لايفعل الا مافيه حكمة بالغة وقال بعض أهل الاشارة تعز اولياءك بالفناء فيك وتحميهم ببقائك بلطائف حكمتك فيكون المراد بالفتنة غلبة ظلمة النفس الهوى وبالمغفرة الستر بالهوية الاحدية عن الانيات وبالصفات الواحدية عن التعينات