التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٦
-الممتحنة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لقد كان لكم فيهم } اى فى ابراهيم ومن معه { اسوة حسنة } تكرير للمبالغة فى الحث على الأتساء به عليه السلام وذلك صدر بالقسم وجعله الطيبى من التعميم بعد التخصيص وفى برهان القرءآن كرر لان الاول فى القول والثانى فى الفعل وفى فتح الرحمن الاولى اسوة فى العداوة والثانية فى الخوف والخشية وفى كشف الاسرار الاولى متعلقة بالبرآءة من الكفار من فعلهم والثانية امر بالأتساء بهم لينالوا من ثوابهم مانالوا وينقلبوا الى الآخرة كانقلابهم { لمن كان يرجو الله } بالايمان بلقائه{ واليوم الآخر } بالتصديق بوقوعه وقيل يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة لان الرجاء والخوف يتلا زمان والرجاء ظن يقتضى حصول مافيه مسرة وفى المفردات الرجاء والطعم توقع محبوب عن امارة مظنونة او معلومة والخوف توقع مكروه عن امارة مظنونة او معلومة وفى بعض التفاسير الرجاء يجيىء بمعنى توقع الخبر وهو الامل وبمعنى توقع الشر وهو الخوف وبمعنى التوقع مطلقا وهو فى الاول حقيقة وفى الاخيرين مجاز وفى الثانى من قبيل ذكر الشىء وارادة ضده وهو جائز وفى الثالث من قبيل ذكر الخاص وارادة العام وهو كثير قوله { لمن كان } الخ بدل من لكم وفائدته الايذان بان من يؤمن بالله واليوم الآخر لايترك الاقتدآء بهم وان تركه من مخايل عدم الايمان بهما كما ينبىء عنه قوله تعالى { ومن يتول فان الله هو الغنى لحميد } فانه مما يوعد بأمثاله الكفرة اى ومن يعرض عن الاقتداء بهم فى التبرى من الكفار ووالاهم فان الله هو الغنى وحده عن خلقه وعن موالاتهم ونصرتهم لاهل دينه لم يتعبدهم لحاجته اليهم بل هو ولى دينه وناصر حزبه وهو الحميد المستحق للحمد فى ذاته ومن صحاح الاحاديث القدسية "ياعبادى انكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى ياعبادى لو أن اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم مازاد ذلك فى ملكى شيئا ياعبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا ياعبادى لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم قاموا فى صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل انسان مسألته مانقص ذلك من عندى الا كما ينقص المخيط اذا دخل البحر ياعبادى انما هى اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه" قوله هى ضمير القصة يعنى ماجزآء اعمالكم الا محفوظ عندى لاجلكم ثم أؤديها اليكم وافية ثم الحميد فعيل بمعنى المفعول وجوز الامام القشيرىرحمه الله أن يكون بمعنى الفاعل اى حامد لنفسه وحامد للمؤمنين من عباده قال شارح المشكاة وحظ العبد من اسم الحميد أن يسعى لينخرط فى سلك المقربين الذين يحمدون الله لذاته لا لغيره قال الشيخ ابو القاسمرحمه الله حمد الله الذين هو من شكره يجب أن يكون على شهود المنعم لان حقيقة الشكر الغيبة لشهود المنعم عن شهود النعمة (روى) ان داود عليه السلام قال فى مناجاته كيف اشكر لك وشكرى لك نعمة منك على فأوحى الله اليه الآن قد شكرتنى وقال بعض اهل الاشارة لقد كان فى ابراهيم الخفى ومن معه من قواه الروحانية المجردة من المواد الحسية والمثالية والعقلية اسوة حسنة وهى البرآءة من قومه اى النفس الامارة والهوى المتبع فمن تأسى واستمر على ذلك بلغ المطلوب المحبوب ومن اعرض عن ذلك التأسى فان الله غنى عن تأسيه حميد فى ذاته وان لم يكن حمده انتهى كلامه