التفاسير

< >
عرض

يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
-الصف

روح البيان في تفسير القرآن

{ يغفر لكم ذنوبكم } فى الدنيا وهو جواب الامر المدلول عليه بفلظ الخبر ويجوز أن يكون جوابا لشرط او لاستفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا او هل تقبلون وتفعلون مادللتكم عليه يغفر لكم وجعله جوابا لهل أدلكم بعيد لان مجرد الدلالة لايوجب المغفرة { ويدخلكم } فى الآخرة { جنات } اى كل واحد منكم جنة ولابعد من لطفه تعالى أن يدخله جنات بأن يجعلها خاصة له داخلة تحت تصرفه والجنة فى اللغة البستان الذى فيه اشجار متكاثفة مظلة تستر ماتحتها { تجرى من تحتها } أى من تحت اشجارها بمعنى تحت اغصان اشجارها فى اصولها على عروقها او من تحت قصورها وغرفها { الانهار } من اللبن والعسل والخمر والماء الصافى { ومساكن طيبة } اى ويدخلكم مساكن طيبة ومنازل نزهته كائنة { فى جنات عدن } اى اقامة الخلود بحيث لايخرج منها من دخلها بعارض من العوارض وهذا الظرف صفة مختصة بمساكن وهى جميع مسكن بمعنى المقام والسكون ثبوت الشىء بعد تحرك ويستعمل فى الاستيطان يقال سكن فلان فى مكان كذا استوطنه واسم المكان مسكن فمن الاول يقال سكنت ومن الثانى يقال سكنته قال الراغب اصل الطيب مايستلذه الحواس وقوله ومساكن طيبة فى جنات عدن اى طاهرة زكية مستلذة وقال بعضهم طيبتها سعتها ودوام امرها وسئل رسول الله عليه السلام عن هذه المساكن الطيبة فقال "قصر من لؤلؤ فى الجنة فى ذلك القصر سبعون دارا من ياقوته حمراء فى كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة قال فيعطى الله المؤمن من القوة فى غداة واحدة مايأتى على ذلك كله" قال فى الكبير أراد بالجنات البساتين التى يتناولها الناظر لانه تعالى قال بعده { ومساكن طيبة فى جنات عدن } والمعطوف يجب أن يكون مغايرا للمعطوف عليه فتكون مساكنهم فى جنات عدن ومناظرهم الجنات التى هى البساتين ويكون فائدة وصفها بأنها عدن انها تجرى مجرى الدار التى يسكنها الانسان واما الجنات الأخر فهى جارية مجرى البساتين التى قد يذهب الانسان اليها لاجل التنزه وملاقاة الاحباب وفى بعض التفاسير تسمية دار الثواب كلها بالجنات التى هى بمعنى البساتين لاشتمالها على جنات كثيرة مترتبة على مراتب بحسب استحاقاقات العالمين من الناقصين والكاملين ولذلك أتى بجنات جمعا منكرا ثم اختلفوا فى عدد الجنات المشتملة على جنات متعددة فالمروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انها سبع جنة الفردوس وجنة عدن وجنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليون فى كل واحدة منها مراتب ودرجات متفاوتة على تفاوت الاعمال والعمال (وروى) عنه انها ثمان دار الجلال ودار القرار ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم وقال ابو الليث الجنان اربع كما قال تعالى { ولمن خاف مقام ربه جنتان } ثم قال { ومن دونهما جنتان } فذلك جنان اربع احداهن جنة الخلد والثانية جنة الفردوس والثالثة جنة المأوى والرابعة جنة عدن وابو ابها ثمانية بالخبر وخازن الجنة يقال له رضوان وقد ألبسه الله الرأفة والرحمة كما ان خازن النار ويقال له مالك قد ألبسه الله الغضب والهيبة وميل الامام الغزالى رحه الله الى كون الجنان اربعا فلعل الجنات فى الآية باعتبار الافراد لا باعتبار الاسماء ومايستفاد من قلتها بحسب ان الجمع السالم من جموع القلة ليس بمراد فانها من الوجود الانسانى اربع جنان فالغالب فى الجنة الاولى التنعم بمقتضى الطبيعة من الاكل والشرب والوقاع وفى الثانية التلذذ بمقتضى النفس كالتصرفات وفى الثالثة التلذذ بالاذواق الروحانية كالمعارف الالهية وفى الرابعة التلذذ بالمشاهدات وذلك على أعلى اللذات لانها من الخالق وغيرها من المخلوق ان قلت لم لم تذكر ابواب الجنة فى القرءآن وانها ثمانية كما ذكرت ابواب النار كما قال تعالى { لها سبعة أبواب } قلت ان الله سبحانه انما يذكر من اوصاف الجنة مافيه تشويق اليها وترغيب فيها وتنبيه على عظم نعميها وليس فى كونها ثمانية او اكثر من ذلك او اقل زيادة فى معنى نعيمها بل لو دخلوا من باب واحد او من ألف باب لكان ذلك سواء فى حكم السرور بالدخول ولذلك لم يذكر اسم خازن الجنة اذ لا ترغيب فى ان يخبر عن اهل الجنة انهم عند فلان من الملائكة او فى كرامة فلان وقد قال { وسقاهم ربهم شرابا طهورا } ولا شك أن من حدثت عنه انه عند الملك يسقيه ابلغ من الكرامة من أن يقال هو عند خادم من خدام الملك او فى كرامة ولى من اوليائه بخلاف ذكر ابواب النار وذكر مالك فان فيه زيادة ترهيب قال سهل قدس سره اطيب المساكن ماازال عنهم جميع الاحزان واقر أعينهم بمجاورته فهذا الجوار فوق سائر الجوار وقال بعضهم ومساكن طيبة برؤية الحق تعالى فان المساكن انما تطيب بملاقاة الاحباب ورؤية العاشق جمال المعشوق ووصول المحب الى صحبة المحبوب وكذا مساكن القلوب انما تطيب بتجلى الحق ولقاء جماله جعلنا الله واياكم من اهل الوصول واللقاء والبقاء { ذلك } اى ماذكر من المغفرة وادخال الجنات المذكورة بما ذكر من الاوصاف الجميلة { الفوز العظيم } الذى لافوز ورآءه قال بعض المفسرين الفوز يكون بمعنى النجاة من المكروه وبمعنى الظفر بالبغية والاول يحصل بالمغفرة والثانى بادخال الجنة والتنعيم فيها وعظمه باعتبار انه نجاة لا ألم بعده وظفر لا نقصان فيه شانا وزمانا ومكانا لانه فى غاية الكمال على الدوام فى مقام النعيم علم ان الآية الكريمة أفادت ان التجارة دنيوية واخروية فالدنيا موسم التجارة والعمر مدتها والاعضاء والقوى رأس المال والعبد هو المشترى من وجه والبائع من وجه فمن صرف رأس ماله الى المنافع الدنيوية التى تنقطع عند الموت فتجارته دنيوية كاسدة خاسرة وان كان بتحصيل علم دينى او كسب عمل صالح فضلا عن غيرهما "فانما الاعمال بالنيات ولكل امرىء مانوى" ومن صرفه الى المقاصد الأخروية التى لاتنقطع ابدا فتجارته رآئجة رابحة حرية بأن يقال { فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } ولعل المراد من التجارة هنا بذل المال والنفس فى سبيل الله وذكر الايمان لكونه اصلا فى الاعمال ووسيلة فى قبول الآمال وتوصيف التجارة بالانجاء لان النجاة يتوقف عليها الانتفاع فيكون قوله تعالى { يغفر لكم } بيان سبب الانجاء وقوله { يدخلكم } بما يتعلق به بيان المنفعة الحاصلة من التجارة مع ان التجارة الدنيوية تكون سببا للنجاة من الفقر المنقطع والتجارة الأخروية تكون سببا للنجاة من الفقر الغير المنقطع قال عليه السلام "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" يعنى ان نعمتى الصحة والفراغ كرأس المال للمكلف فينبغى أن يعامل الله الايمان به وبرسوله ويجاهد مع النفس لئلا يغبن ويربح فى الدنيا والآخرة ويجتنب معاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح (قال الحافظ)

كارى كنيم ورنه خجالت براورد روزى كه رخت جان بجهان دكر كشيم

(وقال أيضا)

كوهر معرفت اندوز كه ياخود ببرى كه نصيب دكر انست نصاب زروسيم

(وقال أيضا)

دلا دلالت خيرى كنم براه نجات مكن بفسق مباهات زهدهم مفروش

(وقال المولى الجامى)

از كسب معارف شده مشغوف زخارف در هاى ثمين داده وخر مهره خريده

(وقال)

جان فداى دوست كن جامى كه هست كمترين كارى درين ره بذل روح