التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
-الصف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ان الله يحب الذين يقاتلون } اعدآء الله { فى سبيله } فى طريق مرضاته واعلاء دينه اى يرضى عنهم ويثنى عليهم { صفا } صف زده در برابر خصم، وهو بيان لما هو مرضى عنده تعالى بعد بيان ماهو ممقوت عنده وهذا صريح فى ان ماقالوه عبارة عن الوعد بالقتال وصفا مصدر وقع موقع الفاعل او المفعول ونصبه على الحالية من فاعل يقاتلون اى صافين انفسهم او مصفوفين والصف ان يجعل الشىء على خط مستو كالناس والاشجار { كأنهم بنيان مرصوص } حال من المستكن فى الحال الاولى والبنيان الحائط وفى القاموس البناء ضد الهدم بناه بنيا وبناءه وبنيانا وبنية وبناية والبناء المبنى والبنيان واحد لايجمع دل عليه تذكير مرصوص وقال بعضهم بنيان جمع بنيانه على حد نخل ونخلة وهذا النحو من الجمع يصح تأنيثه وتذكيره الرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه كما قال فى تاج المصادر الرص استوار بر آوردن بنا، قال ابن عباس رضى الله عنهما يوضع الحجر على الحجر ثم يرص باحجار صغار ثم يوضع اللبن عليه فيسميه اهل مكة المرصوص والمعنى حال كونهم مشبهين فى تراصهم من غير فرجة وخلل ببنيان رص بعضه الى بعض ورصف حتى صار شيأ واحدا وقال الراغب بنيان مرصوص اى محكم كأنما بنى بالرصاص يعنى كوبيا ايشان در اسحكام بنا اندريخته ازار زير كنايتست ازثبات قدم ايشان در معركه حرب وبيكديكر باز جسبيدن، وهو قول الفرآء وتراصوا فى الصلاة اى تضايقوا فيها كما قال عليه السلام "تراصوا بينكم فى الصلاة لايتخللكم الشياطين فالرحمة فى مثل هذا المقام رحمة فلابد من سد الخلل او المحاذاة بالمناكب كالبنيان المرصوص" ولاينافيه قول سفيان ينبغى أن يكون بين الرجلين فى الصف قدر ثلثى ذراع فذاك فىغيره كما فى المقاصد الحسنة وعن بعضهم فيه دليل على فضل القتل راجلا لان الفرسان لايصطفون على هذه الصفة كما فى الكشاف.
يقول الفقير الدليل على فضل الراكب على الراجل ان له سهمين من الغنيمة وانما حث عليه السلام على التراص لان المسلمين يومئذ كانوا راجلين غالبا ولم يجدوا راحلة ونحوها الا قليلا قال سعيد ابن جبير رضى الله عنه هذا تعليم من الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم ولذلك قالوا لايجوز الخروج من الصف الا لحاجة تعرض للانسان او فى رسالة يرسله الامام او منفعة تظهر فى المقام المنتقل اليه كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها وفى الخروج عن الصف للمبارزة خلاف لابأس بذلك ارهابا للعدو وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال وقيل لايبرز احد لذلك لان فيه رياء او خروجا الى ما نهى الله عنه وانما تكون المبارزة اذا طلبها الكافر كما كانت فى حروب النبى عليه السلام يوم بدر وفى غزوة خيبر قال فى فتح الرحمن اما حكم الجهاد فهو فرض كفاية على المستطيع بالاتفاق اذا فعله البعض سقط عن الباقين وعند النفير العام وهو هجوم العدو يصير فرض عين بلا خلاف ففى الآية زجر عن التباطىء وحث على التسارع ودلالة على فضيلة الجهاد وروى فى الخبر انه لما كان يوم مؤتة بالضم موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر ابن أبى طالب وفيه كانت تعمل السيوف كما فى القاموس وكان عبدالله بن رواحة رضى الله عنه احد الآمراء الذين امرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم ياهل المجلس هذا الذى وعدكم ربكم فقاتل حتى قتل فى مسجده على حياته وجلس اليه رسول الله يوما وقال امرت أن أجلس وامر ابن رواحة أن يمضى فى كلامه كما فى كشف الاسرار ثم ان الجهاد اما مع الاعدآء الظاهرة كالكفار والمنافقين واما مع الاعدآء الباطنة كالنفس والشيطان وقال عليه السلام
"المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله والمهاجر من هاجر الخطايا والذنوب واعظم المجاهدة فى الطاعة الصلاة لان فيها سر الفناء وتشق على النفس"