التفاسير

< >
عرض

مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٥
-الجمعة

روح البيان في تفسير القرآن

{ مثل الذين حملوا التوراة } اى علموها وكلفوا العمل بها وهم اليهود ومثلهم صفتهم العجيبة { ثم لم يحملوها } اى لم يعملوا بما فى تضاعيفها من الآيات الى من جملتها الآيات الناطقة بنبوة رسول الله عليه السلام واقتنعوا بمجرد قرآءتها { كمثل الحمار } الكاف فيه زآئدة كما فى الكواشى والحمار حيوان معروف يعبر به عن الجاهل كقولهم هو اكفر من الحمير اى اجهل لان الكفر من الجهالة فالتشبيه به لزيادة التحقير والاهانة ولنهاية التهكم والتوبيخ بالبلادة اذا الحمار يذكر بها والبقر وان كان مشهورا بالبلادة الا انه لا يلائم الحمل

تعلم يافتى فالجهل عار ولا يرضى به الا حمار

{ يحمل اسفارا } اى كتبا من العلم يتعب بحملها ولا ينتفع بها ويحمل اما حال والعامل فيها معنى المثل اوصفة للحمار اذ ليس المراد معينا فان المعرف بلام العهد الذهنى فى حكم النكرة كما فى قول من قال ولقد امر على اللئيم يسبنى والاسفار جمع سفر بكسر السين وهو الكتاب كشبر واشبار قال الراغب السفر الكتاب الذى يسفر عن الحقائق اى يكشف وخص لفظ الاسفار فى الآية تنبيها على ان التوراة وان كانت تكشف عن معانيها اذا قرئت وتحقق مافيها فالجاهل لايكاد يستبينها كالحمار الحامل لها وفى القاموس السفر الكتاب الكبير او جزء من اجزآء التوراة وفى هذا تنبيه من الله على انه ينبغى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم مافيه ويعمل به لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء (قال الشيخ سعدى) مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب

علم جندانكه بيشتر خوانى جون عمل درتونيست تادانى
نه محقق بود نه دانشمند جار بايى برو كتابى جند
آن تهى معزرا جه علم وخبر كه برو هيز مست با دفتر

(وقال الكاشفى)

كفت ايزد يحمل اسفاره بار باشد علم كان نبود زهو
علمهاى اهل دل حمالشان علمهاى اهل تن احما لشان
جون بدل خوانى زحق كيرى سبق جون بكل خوانى سبه سازى ورق

وفى التأويلات النجمية يعنى مثل يهود النفس فى حمل توراة العلم والمعرفة بصحة رسالة القلب وعدم اتباع رسومه واحكامه كمثل حمار البدن فى حمله اثقال الامتعة النفسية الا قمشة الشريفة والملابس الفاخرة والطيالس الناعمة فكما ان حمار البدن لايعرفها ولا يعرف شرفها ولا كرامتها كذلك يهود النفس لاتعرف رفعة رسول القلب ولا رتبته ونعم مايحكى عن بعض الظرفاء انه حضر دعوة لطعام فلم يلتفتوا اليه واجلسوه فى مكان نازل ثم انه خرج واستعار ألبسة نفيسة وعاد الى المجلس فلما رأوه على زى الاكابر عظموه واجلسوه فوق الكل فلما حضر الطعام قال ذلك الظريف خطابا لكمه كل والكم لايدرى ماالطعام وما اللذة لكن نظر اهل الصورة مقصور على الظاهر لايرون الفضل الا بالزخارف والزين فما أبعد هؤلاء عن ادراك المعانى والحقائق { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } اى بئس مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله على أن التمييز محذوف والفاعل المفسر له مستتر والمذكور هو المخصوص بالذم وهم اليهود الذين كفروا بما فى التوراة من الآيات الشاهدة بصحة نبوة محمد عليه السلام { والله لايهدى القوم الظالمين } الواضعين للتكذيب فى موضع التصديق او الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد باختيار الضلالة على الهداية والشقاوة على السعادة والعداوة على العناية كاليهود ونظائرهم وفيه تقبيح لهم بتشبيه حالهم بحال الحمار والمشبه بالقبيح قبيح وقد قال تعالى { ان أنكر الاصوات لصوت الحمير } فصوت الجاهل والمدعى منكر كصوت الحمار وأضل وانزل فهو ضار محض وفى الحمار نفع لانه يحمل الاثقال ويركبه النساء والرجال وقد قال فى حياة الحيوان ان اتخذ خاتم من حافر الحمار الاهلى ولبسه المصروع لم يصرع ثم ان فى الحمار شهوة زآئدة على شهوات سائر الحيوانات وهى من الصفات الطبيعية البهيمية فمن أبدلها بالعفة نجا وسلم من التشبيه المذكور وكم ترى من العلماء الغير العاملين ان اعينهم تدور على نظر الحرام ومع مالهم من النكاح يتجاوزون الى الزنى لعدم اصلاح قوتهم الشهوية بالشريعة اقوالهم لا أعمالهم واحوالهم نسأل الله العصمة مما يوجب المقت والنقمة انه ذو المنة والفضل والنعمة